فريق البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية يستعد للعودة إلى أميركا محبطا بدون اكتشافات مهمة

التفتيش سيستمر تحت مسؤولية فريق جديد اسمه «مجموعة مسح العراق» واللصوص نهبوا الكثير من المواقع قبل وصول الفرق إليها

TT

بدأ الفريق الأميركي المتخصص بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق بالتهيؤ لمغادرة العراق بدون التمكن من العثور على دليل بأن الرئيس العراقي السابق كان يحتفظ بأي مخزون سري من الأسلحة المحظورة دوليا حسبما قال بعض أعضاء الفريق.

ويدعى هذا الفريق بـ«القوة الخامسة والسبعين للمهمات الاستكشافية» وقد اعتبر منذ البدء الأداة الأساسية للكشف عن الأسلحة العراقية المحظورة دوليا. ومن المتوقع أن يغادر الفريق الشهر المقبل وسيكون ذلك معلما متميزا للفشل في إثبات صحة المبرر الرئيسي لإعلان الحرب ضد العراق.

ويضم فريق «القوة الخامسة والسبعين» كوادر متنوعة الاختصاص من كيميائيين وبيولوجيين ومنفذين لمعاهدات التسلح الدولية إلى خبراء في الأسلحة النووية والكومبيوتر والوثائق، ومعهم كانت هناك وحدات تابعة للقوات الخاصة، وحضر جميع هؤلاء يحدوهم أمل قوي بأنهم سيحققون نجاحا مبكرا. وقالوا إنهم كانوا يتوقعون العثور على ما وصفه كولن باول وزير الخارجية الأميركية في خطابه أمام أعضاء مجلس الأمن يوم 5 فبراير (شباط) بمئات الأطنان من العوامل الكيماوية والبيولوجية، وأعداد كبيرة من الصواريخ المخصصة لقذف هذه العوامل إضافة إلى العثور على البرنامج القائم لبناء قنبلة نووية.

لكن بعد تنفيذ عدد من مهمات التفتيش غير المجدية بدأت الثقة في الوصول إلى نتائج إيجابية بالتضاؤل حسبما قال عدد من أعضاء هذا الفريق خلال مقابلات أجريت معهم. وقال العقيد ريتشارد ماكفي الذي سيقوم بإنهاء عمل هذا الفريق في الشهر المقبل إنه أخذ على محمل الجد تحذيرات الاستخبارات الأميركية عشية بدء الحرب من إعطاء صدام حسين أوامره لضباطه لاستخدام الأسلحة الكيماوية. وقال ماكفي: «نحن لم نكن لنجعل كل هؤلاء الناس يرتدون ملابس واقية من أجل لا شيء ولو أن العراق كان ينوي استعمال أسلحة من هذا النوع لكنا وجدنا منها... ستؤلَّف كتب كثيرة عن هذه القضية ضمن أوساط وكالات الاستخبارات ولوقت طويل».

أما العقيد روبرت سميث الذي قاد عدة فرق تابعة لـ«وكالة تقليل التهديد الدفاعي» فقال إن المسؤولين في فريق المهمات الخامس والسبعين ما عادوا يعتقدون أنهم «سيجدون أي قذائف محمَّلة بمواد كيماوية موضوعة إلى جانب مدفع ما. هذا هو السبب الذي جئنا من أجله لكننا لم نعثر على شيء مثل هذا».

وإذا كان خبراء هذا الفريق ذوي إعداد عال المستوى ولديهم حوافز قوية للعمل في ميدان تخصصهم فإنهم من جانب آخر وجدوا أنفسهم بدون المعدات الضرورية لإنجاز مهمتهم. فهم ظلوا بشكل مستمر يعثرون على مواقع كانت واشنطن قد حددتها لكنهم لم يجدوا فيها شيئا مهما أو أنها كانت محروقة أو جرى نهبها أو الحالتين معا. وقال قادة وأعضاء خمس فرق من بين الفرق الثماني التابعة لهذا الفريق إضافة إلى ضباط كبار كانوا يقومون بمهمة الإرشاد إن الباحثين عن أسلحة الدمار الشامل يمرون حاليا بمرحلة تفحص المواقع التي كانت موجودة ضمن القائمة قبل وقوع الحرب.

وكانت القيادة المركزية الأميركية المسؤولة عن إدارة الحرب قد بدأت بتحديد 19 موقعا أساسيا للأسلحة. ولم يبق سوى موقعين بحاجة إلى التفتيش. أما المواقع الأخرى التي يبلغ عددها 68 فهي أماكن للأسلحة التقليدية ويسود الاعتقاد أنها قد تعطي بعض المفاتيح عن أسلحة الدمار الشامل لكن لحد الآن تم تفتيش 45 موقعا منها بدون أي نتائج إيجابية.

ويمكن اعتبار قرب انتهاء عمل فريق المهمات الخامس والسبعين متعارضا مع تأكيدات واشنطن بأن البحث عن الأسلحة قد بدأ توا فقط. وفي إعلانه عن النصر على ظهر حاملة الطائرات أبراهام لنكولن يوم 1 مايو (أيار) قال الرئيس بوش: «نحن بدأنا فقط الآن البحث عن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية المخفية ونحن لحد الآن نعرف مئات المواقع التي تحتاج إلى التفتيش». وأخبر ستيفن كامبون مساعد وزير الدفاع للاستخبارات الصحافيين داخل البنتاغون بواشنطن أن القوات الأميركية لم تفتش سوى 70 موقعا تفتيشا دقيقا من بين 700 موقع مشكوك في احتوائه على مرافق للأسلحة على القائمة التي هيأتها وكالات الاستخبارات الأميركية قبل الحرب.

لكن هنا على الخطوط الأمامية لم يتم التركيز إلا على عدد صغير من المواقع ذات الأسبقية العالية والنتائج كانت بشكل جماعي مخيبة للآمال حسبما قال المشاركون في عمليات البحث. وقال الضابط ريتشارد غونزاليس قائد فريق ألفا للمسح المتحرك باشمئزاز لزميل له يوم الأحد ما قبل الماضي: «أجبني على ذلك. نحن نعرف أن هذه المواقع خالية».

وقامت فرق التنقيب بمسح مختبرات ومصانع أسلحة ومخابئ ومعامل التقطير والمخابز ومعامل اللقاحات ومكاتب الوثائق والحفر في الأرض. وكل التعليمات وصلتهم بشكل «سري للغاية».

لكن التفتيش سيستمر تحت مسؤولية فريق جديد يطلق عليه «مجموعة مسح العراق» وقالت إدارة بوش إن هذا الفريق سيكون أوسع من السابق وسيقوم المنظمون بسحب الكوادر المتخصصة بالأسلحة لغياب أي عمل يقومون به وتعويضهم بخبراء سيقومون بمهمات أخرى.

وحسب المقابلات والوثائق التي تصف الانتقال من عمل فريق المهمات الخامس والسبعين إلى الفريق الجديد يظهر أن فرق تفتيش المواقع سيتم تقليصها من ستة إلى اثنين وسيضاف لهم خبراء في تكنولوجيا الصواريخ والأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية. وعاد بعض العاملين ضمن فريق صغير متخصص بالاسلحة النووية إلى الولايات المتحدة بحيث تقلص عدد أفراد الوحدة المعروفة باسم «فريق الدعم المباشر» التابع لـ«وكالة تخفيض التهديد الدفاعي» بنسبة الثلث. وهناك مخططات لتقليص المتبقي بنسبة النصف.

وقال أدميرال البحرية ديفيد بيكيت الذي يدير البرامج النووية الخاصة بالفريق: «كنا نظن أننا سنعمل بشكل أكثر مردودية وأكثر كثافة مما قمنا به». وكانت المختبرات التي قُلِّص حجمها كي يمكن نقلها ضمن حاويات الشحن مزودة بتجهيزات كافية كي تقوم بآلاف الاختبارات وفيها يستخدم الحمض النووي (دي إن إيه) إضافة إلى استخدام أجهزة قياس الطيف بشكل واسع جدا لكن كل هذه التكنولوجيا لم تستخدَم سوى مرات قليلة لا تتجاوز بضع عشرات المرات ولم يثبت من وراء كل ذلك أي نتيجة إيجابية قاطعة. وقال مدير المختبرات الذي فضل عدم ذكر اسمه إن بعضا من علمائه سيعودون للولايات المتحدة أيضا.

مع ذلك فإنه حتى أكثر المتشككين حدة لا يلغون احتمال أن تتوصل عمليات التفتيش في نهاية المطاف إلى العثور على أدلة حول وجود أسلحة محظورة دوليا. والأكثر أهمية في البحث هو ما يحصل عليه الآن المحققون الأميركيون من معلومات من علماء عراقيين كبار ومن مديري المصانع الحربية والقياديين العراقيين الذين هم تحت الاحتجاز، فإذا كانت الأسلحة غير التقليدية موجودة في العراق فمن اللازم الكشف عن بعضها. وتجنبت إدارة بوش مناقشة ما قاله المسؤولون العراقيون المحتجزون حاليا بشكل علني. لكن في جلساتهم الخاصة يتحدث بعض المسؤولين الأميركيين عن تقارير متضاربة مع بعض التنويهات عن كشوف مهمة وقال غامبون أيضا إن القوات الأميركية قد صادرت «مخابئ مملوءة بالوثائق» وهي تقوم «بمسحها بشكل دقيق بحثا عن مفاتيح».

وقال ماكفي قائد اللواء المدرع الذي عيِّن رئيسا لفريق البحث عن الأسلحة غير التقليدية قبل خمسة أشهر: «وحدتي لم تعثر على أي من الأسلحة الكيماوية. هذه حقيقة، وأنا عمري الآن 47 سنة وأن احتفل بيوم ميلادي في قصر من قصور صدام على بحيرة تقع وسط بغداد هو شيء سريالي تماما... هل أنا مقتنع أن ما قمنا به في هذه الحرب كان مبررا؟ الجواب نعم نحن أوقفنا صدام حسين من تطوير برامج أسلحة الدمار الشامل... هل أعلم أين هذه الأسلحة? أتمنى لو أعلم... لكننا سنجدها أو قد لا نجدها. أنا لا أعلم. أنا صادق في كلامي».

وفسَّر أعضاء الفريق سبب شعورهم بالخيبة جزئيا للتقدم البطيء فقادة الوحدات البرية كانوا يبعدون الباحثين عن الأسلحة من الخطوط الأمامية وهم لا يمتلكون طائرات هليكوبتر خاصة بهم. وقال كريستوفر كوال الخبير في تحريات الكومبيوتر الجنائية الذي يعمل مع إحدى فرق التفتيش: «شعوري الشخصي أننا انتظرنا طويلا وبقينا في الخطوط الخلفية لفترة طويلة».

الدب غير موجود هناك لكن هناك عاملين وراء الفشل لحد الآن أولهما هو المعلومات الاستخبارية الخاطئة والأمن الضعيف في المواقع المشتبه بها. وهذان العاملان كانا وراء الفشل الذريع الذي لحق عمل الخبراء على كل المستويات. فبعض المعلومات المعروفة في واشنطن مثل قوائم الجرد للمواقع النووية الموضوعة تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تصل إلى الفرق المخصصة لزيارتها. لكن ما لم تعلم به الحكومة الأميركية هو أكثر أهمية من تلك المعلومات التي تمتلكها. فوكالات الاستخبارات الأميركية لديها صورة أقل دقة بكثير عن برامج الأسلحة العراقية مما كان يعتقده المشاركون عند بدئهم في عمليات البحث. وقال ضابط من وكالة الاستخبارات الدفاعية فضل عدم الكشف عن اسمه: «نحن جئنا من أجل العثور على الدب لكننا لم نجد أن الدب موجود هنا. الإشارات والتحذيرات موجودة هناك بينما التقييمات كانت قوية... حسنا هذا المثال غير موجود. السؤال الذي كان مطروحا قبل الحرب أين أسلحة صدام حسين الكيماوية والبيولوجية؟ والآن ما هو السؤال؟ هذا هو ما نحاول صياغته الآن». وأضاف هذا الضابط أن هناك شيئا واحدا على المحللين أن يأخذوه بنظر الاعتبار وهذا هو «ما طبيعة التهديد؟».

وقال المشاركون في البحث عن أسلحة الدمار الشامل إن العائق الأساسي أمام عملهم كان النهب الواسع الذي جرى للمرافق الحكومية والصناعية في العراق ففي كل موقع وصل إليه المفتشون الأميركيون كان اللصوص قد مروا به قبلهم وهناك تمت سرقة وحرق كل الأدلة التي كانوا يتمنون الحصول عليها كي يتم تدقيقها وبعد مرور شهر على سقوط صدام حسين لم يتمكن الجنود الأميركيون من حماية أكثر من 44 موقعا من بين 85 موقعا محتملا للأسلحة في بغداد و153 موقعا من بين 372 موقعا تعتبر الأكثر أهمية في عملية إعادة بناء حكومة واقتصاد العراق.

ولاحظ ماكفي في فترة مبكرة أن اللصوص كانوا يعرفون المواقع المستهدفة للتفتيش قبل أن يتمكن من فحصها. وهذا ما دفعه إلى تقليص الوقت المطلوب للوصول إلى المواقع المستهدفة للتفتيش من أول تشخيص لها حتى لحظة الانطلاق من 96 ساعة إلى 24 ساعة. وأضاف ماكفي: «ما وجدناه أنه حتى مع هذا الوقت القصير كانت حركة المفتشين بطيئة فعند وصولنا تكون قد وقعت أمور كثيرة في تلك المواقع».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»