واشنطن تنفذ خطة تغييرات واسعة في الإدارة العراقية المؤقتة بسبب بطء وتيرة إعادة الإعمار

باربرا بودين: لم نفشل في مهامنا، ولكننا لم نفعل كل ما كان ينبغي علينا أن نفعله لإعادة الاستقرار في بغداد

TT

بعد أقل من ثلاثة أسابيع من شغلها أكبر منصب إداري في بغداد، أعادت إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش تعيين الدبلوماسية الأميركية باربرا بودين في منصب خارج العراق، في إطار ما سماه بعض المسؤولين الأميركيين «تغييرات واسعة» في هذه الخطة المضطربة التي وضعها البنتاغون لإعادة بناء البلاد.

وصرحت بودين، السفيرة السابقة لدى اليمن، أنها غادرت بغداد لشغل منصب رفيع في وزارة الخارجية الأميركية كانت قد رشحت له قبل اندلاع الحرب. وقد أشرفت بودين، وهي تحتل منصبا شبيها لعمدة المدينة من حيث الصلاحيات، على إعادة تشغيل الخدمات الاساسية وتكوين حكومات محلية ديمقراطية في العاصمة التي يصل عدد سكانها إلى خمسة ملايين. وهي مهمة لم تكتمل حتى الآن.

وصرح بعض كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية أن كثيرا من أعضاء الإدارة العراقية المؤقتة، ومن ضمنهم الجنرال المتقاعد جاي غارنر، وعدد كبير من مساعديه المقربين، سيغادرون العراق في وقت قريب. ومع أن غارنر كان قد صرح قبل الحرب أنه سيمكث في العراق لمدة ثلاثة أشهر، إلا أن الرئيس بوش عين يوم الثلاثاء الدبلوماسي المتقاعد وخبير مكافحة الإرهاب بول بريمر ليشرف على تكوين الحكومة العراقية وإعادة بناء البنية التحتية. وقال مسؤول كبير ذو علاقة بإعادة البناء «بحلول نهاية هذا الشهر سترون بنية إدارية مختلفة إلى حد بعيد».

وترتبط مغادرة بربارا بودين وتعيين بريمر بالقلق الذي بدأ يراود واشنطن، وبعض العواصم الأجنبية، من بطء وتيرة عملية إعادة البناء في العراق. ويقول عدد كبير من المسؤولين أن غارنر وموظفيه، بل رؤساءه في البنتاغون، لم يحضروا بصورة ملائمة لهذه المهمة، بدءاً من مواجهة الدمار الذي حدث أثناء الحرب، وانتهاء بإعادة تشغيل الوزارات الحكومية وتكوين الحكومة العراقية الإنتقالية الجديدة.

وقد أبدى العراقيون كثيرا من الضيق بإدارة غارنر وقالوا ان فريقه فشل في الوفاء بعهوده في صرف مرتبات استثنائية وإعادة الخدمات الأساسية والتصدي لموجة من الأعمال الإجرامية وإشراك العراقيين أنفسهم في التحضير لتكوين حكومتهم. وما تزال أحياء كثيرة ببغداد تفتقر إلى الكهرباء والمياه. وما تزال الشوارع مكتظة بأكوام القمامة والمحلات التجارية مغلقة لخوف التجار من اللصوص. وقال المسؤول الكبير «أجزاء كثيرة من هذه المدينة ما تزال أوضاعها سيئة جدا. ومع أنها أفضل مما كانت عليه قبل ثلاثة أسابيع إلا أن الكثير ما يزال ينتظر الإنجاز».

ويبدو أن غياب التقدم الملموس قد سبب كثيرا من الضيق في وزارة الخارجية حيث يعتقد المسؤولون هناك أن شخصا مدنيا بمهارات دبلوماسية وخبرة في مجال السياسة الخارجية سيكون هو الأنسب لتنسيق أعمال إعادة البناء. ولكن وزارة الدفاع سخرت من هذه الفكرة وقالت ان الترتيبات التي قام بها البنتاغون يجب ألا تمسسها يد التغيير. ولكن وجهة نظر وزارة الخارجية انتصرت في النهاية ووجدت آذانا صاغية في البيت الأبيض الذي أخذ يفكر بأن وجود شخصية مدنية يمكن أن يدفع دولا أخرى لدعم المجهود الدولي الهائل الذي تحتاجه عملية تحويل العراق إلى بلد ديمقراطي مستقر.

وقال المسؤولون الأميركيون الذين تحدثوا إلى وسائل الإعلام ان الوجود الأميركي في العراق سيصبح أكثر مبادرة وحزما خلال الأسابيع المقبلة. فغياب الإرادة القوية الحازمة، سواء كانت عراقية أو أميركية، جعل العراقيين العاديين يجأرون بالشكوى لأنهم وجدوا أنفسهم في حالة من الفوضى المدنية بعد 35 عاما من الحكم الدكتاتوري. وفي رأي مسؤول أميركي كبير فان الفريق الأميركي كان على درجة كبيرة من الحذر حتى لا ينظر إليه كقوة محتلة، مما جعله يتردد باستمرار في ممارسة صلاحياته. ووصف أحد أعضاء الفريق هذا الوضع قائلا «وصلنا إلى هنا مكتوفي الأيدي. كان هناك تردد وغموض بين أن نكون سلطة وأن نكون متسلطين. وقد بلغ خوفنا من أن نكون متسلطين أننا فشلنا في أن نكون سلطة».

وليس معروفا لماذا طلب وزير الخارجية كولن باول من بودين أن تغادر العراق. وكان بعض المراقبين قد انتقدوا أداءها، قائلين إن لديها مهارات دبلوماسية عالية، ولكنها لا تملك المعرفة الإدارية التي تؤهلها لإدارة مدينة كبغداد، قصفت أثناء الحرب ونهبت بعد سقوط صدام حسين ونظام البعث العراقي. وربما تكون علاقة بريمر بمكافحة الإرهاب سببا في مغادرة بودين. فقد كسبت بودين عداء المجموعة المتماسكة العاملة في مجال مكافحة الإرهاب، ومن ضمنها بريمر، بعد تفجير المدمرة «كول» بسواحل اليمن في أكتوبر عام 2000. فقد اتهمت بودين رئيس فريق مكافحة الإرهاب، جون أونيل، الذي أرسل أكثر من 250 عميلا إلى اليمن، بأن تحقيقاته اتسمت بعنف كان يمكن أن يدمر العلاقة بين الولايات المتحدة واليمن. وقد ترك أونيل في ما بعد وظيفته في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) وعمل مديرا لأمن مركز التجارة الدولي حيث توفي هناك في هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 الإرهابية.

وفي مقابلة أجريت معها يوم أمس قالت بودين إنها لا تعرف سببا لإعادة تعيينها. وقالت إن وظيفتها الجديدة ستكون نائبة مدير الشعبة السياسية العسكرية في وزارة الخارجية التي تشرف على دائرة واسعة من الشؤون الأمنية مع الدول الأخرى. وقالت بودين من مكتبها الفخم بالقصر الجمهوري المطل على نهر دجلة «أعتقد أننا بدأنا بداية جيدة ولكن خطانا لم تنطلق بكل سرعتها. وبينما أغادر مكتبي فأنا لا اشعر بأننا فعلنا كل ما كان ينبغي علينا أن نفعله، ولكنني في نفس الوقت لا أشعر بأننا فشلنا في مهامنا».

وقالت بودين إن كثيرا من مشاكل البنية التحتية التي تثير نقد العراقيين حدثت قبل بداية الحرب. وقالت إن المدينة ظلت تعاني من انقطاع الكهرباء منذ 1991، عندما دمرت كل مولداتها الكهربائية أثناء حرب الخليج. وقالت «إن كثيرا من المرافق المعطلة في بغداد يرجع تاريخها إلى ما قبل الحرب».

وقالت بودين إن انباء إعادة تعيينها التي وصلتها عن طريق محادثة أجريت معها في وقت متأخر من الليل، كانت مفاجأة بالنسبة إليها. ولكنها قالت إن مغادرتها تحدث مع ذلك في نقطة مهمة إذ تمكنت هي وفريقها من إكمال العمليات الأولية. وقالت «لقد تمكنا من وضع الآليات في مواضعها. وقد حان الوقت لنسلم الأمر لشخص يمكن أن ينتقل من هنا إلى تكوين السلطة السياسية».

ويعتقد بعض الأميركيين المتصلين بعملية إعادة الإعمار، أن مغادرة بودين وغارنر وغيرهما من كبار المسؤولين يمكن أن يسبب مزيدا من الإضطراب والفشل في هذه العملية التي لم ينقصها الإرتجال والفوضى، وذلك بحرمانها من عنصر الاستمرارية، وإبطاء العمليات أكثر مما كانت عليه لأن المسؤولين الجدد سيحتاجون إلى وقت إضافي ليتعرفوا على طبيعة المشكلات. ولكن مسؤولا آخر قال إن الإنتقال يمكن أن يحدث بسرعة كبيرة لأن غارنر وفريقه سيغادرون بعد أسبوع أو اسبوعين. ومن المتوقع أن يلتقي غارنر ببريمر في مقر القيادة العامة للقوات الأميركية بقطر ليصطحبه من هناك إلى الكويت ثم إلى العراق. وسيزوران في البداية مدينة البصرة الجنوبية قبل أن يتوجها إلى بغداد في بداية الأسبوع المقبل. وقال المسؤول: «سيكون هناك انقلاب سريع في الأوضاع».

وباربرا بودين، 54 سنة، من الأعضاء القلائل الذين يتحدثون العربية في الإدارة المؤقتة، خاصة أنها عملت ببغداد لمدة 18 شهرا أوائل الثمانينات. وعندما غزا العراق الكويت عام 1990 كانت نائبة البعثة بالكويت. ومع أن القوات العراقية حاصرت السفارة وقطعت الماء والكهرباء لإجبارهم على المغادرة، إلا أنها ومن معها من الدبلوماسيين لم يعبأوا بالامر وبقوا داخل السفارة لمدة أربعة أشهر، يشربون الماء من حوض السباحة ويأكلون الأطعمة المعلبة.

* خدمة واشنطن بوست خاص بـ«الشرق الأوسط»