الولايات المتحدة آخر المنتصرين في الحرب الإعلامية في العراق

المسؤولون الأميركيون لا يريدون التدخل أو المنافسة في حرية التعبير ولكنهم يفقدون التأثير لحساب كل الآخرين

TT

إقناع العراقيين بأن حياتهم ستكون أفضل على كل الصعد بعد سقوط صدام حسين ظل هدفاً أساسياً لإدارة بوش منذ بدئها في رسم خطتها لمرحلة ما بعد الحرب في مطلع هذا العام. ولكن مثلما تلكأت عملية إعادة الاعمار السياسية والاقتصادية في هذا الشهر منذ بداية الحرب، كذلك حدث لعملية التقدم على الجبهة الدعائية. وبالنسبة للإدارة الأميركية التي تفتخر بسيادتها على المجال الاعلامي، فإن ضعف السيطرة الأميركية على القنوات الإعلامية في العراق ظل مربكاً وخطيراً في نظر بعض المسؤولين الأميركيين إضافة إلى فوضى ما بعد الحرب والشعور بأن الأميركيين لا يسيطرون على دفة الوضع.

ولقد تقدم آخرون لملء الفراغ. فمن خلف الحدود تدير إيران قناة ناطقة باللغة العربية على امتداد 24 ساعة يومياً وهي قناة تقدم برامج دينية، ووقتاً مساوياً لانتقادات موجهة لصدام حسين والأميركيين في آن واحد، ليجري التقاط برامجها من البصرة إلى بغداد. وفي الموصل استعاد العراقيون تشغيل المحطة المحلية ببرمجة بعض ما تزودها به قيادة الجيش الأميركي، ولكنها تتضمن أيضاً إعادة بث لآخر خطابات صدام حسين المزعومة لمواطنيه والتي يبدو أنه يتم الحصول عليها باستخراجها من قناة الجزيرة القطرية.

وفي الأسبوع الماضي اشتكى الجنرال المتقاعد جاي غارنر الذي يقود جهود الإعمار الأميركية بأن استعادة تشغيل البث الإعلامي تسير ببطء شديد.

وقال غارنر «أريد أن يصل التلفاز إلى الناس»، وإذا سارت الأمور وفقاً للخطة فإن غارنر سيحصل في الثامنة من مساء الثلاثاء على ما يريد، فوزارة الدفاع التي تعاقدت قبل شهور مع مؤسسة دفاعية أميركية على إعداد عملية إعلامية وتوفير الكادر لها بتنسيق مع عمليات سايكولوجية وموظفي اتصالات تابعين للبيت الأبيض، تخطط لتدشين عرضها التلفزيوني المسائي الخاص.

في البدء، يمتد زمن البرنامج ساعتين، لكن يخطط لأن يصير شبكة تعمل 24 ساعة كاملة. ويتضمن البرنامج في بدايته 30 دقيقة للأخبار كل ليلة. وقال دان سينور أحد المساعدين في مكتب غارنر لإعادة الإعمار والشؤون الإنسانية إن الأخبار ستتضمن 4 فقرات.

وقال سينور خلال مقابلة بالهاتف أمس «ستكون هناك فقرة إخبارية محلية تتضمن نداءات تتعلق بالخدمات العامة مثل هذه المدارس ستعيد فتح أبوابها، والشرطة عادت للعمل بتلك المناطق وهو ما يقابل الاستماع للراديو في واشنطن دي سي خلال فترات العواصف الجليدية كي تعرف ما يحدث في ذلك اليوم». وجزء آخر من البرنامج سيغطي أخبار العالم والتي تؤخذ على نحو كبير من تقارير اخبارية. وقال سينور ان هناك فقرات أخرى ستتضمن مقالات «تحفر عميقاً في موضوع من موضوعات الأخبار المحلية» مثل إعادة فتح المدارس ومقابلات مع رجل الشارع.

وقال مسؤولون أميركيون ان الأمل هو أن المزيد من المعلومات ستهدئ العراقيين المنزعجين حول موضوعات مثل الأمن الذي ما زال متوتراً والقطع المتواصل للتيار الكهربائي والمياه والاحتياجات الصحية بتوضيح الجهود التي يبذلها الأميركيون. وسيبث التلفاز برامجه في البداية من برج بغداد ثم فيما بعد سيبث من أربيل في الشمال وأم القصر في الجنوب، وستكون مشاهدته متاحة للعراقيين الذين يمتلكون أطباق الاستقبال التلفزيوني.

وسترافق العملية التلفزيونية محطة إذاعة محلية (إيه إم) بدأت في البث الإذاعي من أم القصر في أواخر الشهر المنصرم.

وقال سينور إن مكتب إعادة الإعمار سيبدأ يوم الخميس في إصدار صحيفة نصف اسبوعية من 8 صفحات تحمل اسم «الصباح» وستطبع في البداية 50 ألف نسخة. وقال سينور ان الصحيفة ستحتوي على «أخبار محلية وعالمية ومقالات وإعلانات تتعلق بالخدمات العامة» بالإضافة لأحوال الطقس والرياضة. وأضاف سينور «لقد علمنا من العديد من العراقيين أنهم يريدون ذلك. أنهم يريدون صحيفة منتظمة».

وقال سينور ان صحيفة «الصباح» لن تكون لها افتتاحية أو أعمدة للرأي ولن تنشر آراء السياسيين العراقيين. هناك نحو 12 صحيفة قد صدرت حتى الآن في بغداد وحدها وكلها تعبر عن وجهات نظر سياسية. ويصر المسؤولون الأميركيون أنهم لا يريدون التدخل أو المنافسة في حرية التعبير، ويقولون انهم في النهاية سيتركون كل العملية الإعلامية للعراقيين.

من الواضح إن الحكومة الأميركية قد دخلت اللعبة الإعلامية في العراق متأخرة. وقال صحافي عربي انه وبعد الحرب مباشرة ومع إخماد صوت الصحف والتلفاز الذي كان يسيطر عليه صدام فإن المجال الإعلامي في العراق «كان سوقاً عذراء للآخرين كي يأتوا ويسيطروا عليه». والواضح أن إيران قد خططت من قبل للأمر. وقال الصحافي العربي «إن الإيرانيين هم اللاعبون الوحيدون في الميدان». اما على مستوى البث، فقد انطلق تلفاز العالم في البث التلفزيوني في فبراير وقد أعد خصيصاً باللغة العربية للعراقيين وله شعبية خاصة في أوساط الشيعة في الجنوب.

وقال الصحافي العربي حول برامج التلفاز الإيراني «انها ليست شديدة الصخب» فالإيرانيون «أذكياء جداً إذ أنهم يتشفون من هزيمة صدام حسين لكن في نفس الوقت يتحدثون عن الاحتلال ويدعون العراقيين للإسراع في السيطرة على أمورهم. إنهم يتمتعون بالمصداقية. والشيعة في العراق يعتقدون أن القناة هي قناتهم». ويرى البنتاغون أن برامج البث الإيرانية بمثابة عمليات لمساعدة أشكال الاستيلاء المتزايدة لعلماء الشيعة العراقيين على إدارة بلدان ومدن في جنوب ووسط العراق.

وفي نفس الوقت فإن الأطباق التي تستقبل الإرسال التلفزيوني والتي كانت محظورة في عهد صدام بدأت في الظهور في جميع أسواق العراق متيحة الفرصة لمشاهدة كل القنوات الفضائية في الشرق الأوسط بما في ذلك بعض القنوات التي يفضل الأميركيون ألا يراها العراقيون. ومن بين أوائل الصحف التي ظهرت في شوارع العراق صحيفة أصدرها الحزب الشيوعي المحلي.

وتعاقدت مؤسسة التطبيقات العلمية العالمية (سايك) التي يوجد مقرها في سان دياغو مع البنتاغون لتطوير التلفاز والإذاعة والمنابر الصحافية في العراق، لكن عندما انتهى القتال لم يكن الإعداد قد اكتمل كي تبدأ العمليات. وقد ضم مجلس إدارة المؤسسة عدداً من كبار المسؤولين العسكريين في الجيش ووزارة الدفاع مثل الجنرال المتقاعد واين داوننج الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب في البيت الأبيض.

وتطرق متحدث باسم المؤسسة في مكتب ماكلين الأسبوع الماضي إلى كل الأسئلة التي تتعلق بالتعاقد مع البنتاغون. وقال مكتب الإعلام العام للبنتاغون انه لا يستطيع أن يقدم في الحال تفاصيل حول حجم التعاقد أو كيف ومتى صدر. وقالت مصادر ان المؤسسة قد وظفت عدداً من الصحافيين العراقيين في المنفى كان بعضهم يعمل في إذاعة العراق الحر التابعة للحكومة الأميركية.

وقال سينور انه تم تعيين بعض العراقيين المقيمين في العراق أيضاً ولكن لم يعين أي أحد كان وجهه أو صوته معروفاً خلال نظام صدام حسين.

وقال سينور إن معظم الأميركيين والمنفيين العراقيين الذين يعملون في المشروع وصلوا الى العراق قبل اسبوعين فقط وأنهم يعملون بجهد كبير وسرعة فائقة لإكمال البرنامج والبدء في تشغيله ولكن في الأيام الأولى التي أعقبت الحرب لم يكن واضحاً للإدارة الأميركية أن هناك حاجة لوقفة.

وبعد أيام فقط من استيلاء القوات الاميركية على بغداد دعا البيت الأبيض رؤساء مجلس البث الإعلامي الذي يشرف على صوت أميركا وكل ما عداها من محطات غير عسكرية وكل البرامج الإذاعية العالمية التابعة للحكومة الأميركية، وطلب مساعدتها.

وقال نورم باتيز رئيس لجنة الشرق الأوسط بالمجلس ورئيس شبكة ويستوود الإذاعية «لقد ظهر الأمر فجأة. وكان الطلب من البيت الأبيض هو (بأي سرعة تستطيعون إعداد شيء؟)» وفي يومين في شهر أبريل وباستخدام أجهزة صوت أميركا ومبلغ 175 ألف دولار وافق عليه البيت الأبيض تمكن باتيز من إعداد حزمة برامج من 6 ساعات. وقد احتوت على أخبار مسائية بدبلجة باللغة العربية من شبكات «سي.بي.إس»، «إن.بي.سي»، «إيه.بي.سي»، «فوكس»، «بي.بي.اس»، بالإضافة إلى ساعة أخبار تقدم من استديو «راديو سوا» بجانب موسيقى وخدمة إخبارية إذاعية للعالم العربي.

وخلال الشهر الماضي صار فريق «سوا» يجمع برنامجاً ويرسله عبر فضائية للبنتاغون في الثانية من صباح كل يوم. وقد بعث البنتاغون كوماندوز سولو وطائرة دعاية سي 130 لتوجيه البث إلى بغداد. وقال باتيز انه ليس له أدنى فكرة حول ما يعتقده العراقيون بشأن برامج توم بروكاو وبيتر جيننغ، ولاحظ أنه «حتى حين تعمل الكهرباء فإن 13 في المائة من سكان العراق يمتلكون أجهزة تلفزيون».

* الكاتبان من كتاب «واشنطن بوست» ـ خاص بـ»الشرق الأوسط»