باول لـ«أبو مازن»: أمامكم فرصة تاريخية فلا تضيعوها بالخوف من «حماس»

محمود عباس: نطالب بحرية الحركة لعرفات * شارون: لن نقدم تنازلات في مجال الأمن

TT

حذر محمود عباس أبو مازن رئيس الوزراء الفلسطيني في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الأميركي كولن باول امس في اريحا بالضفة الغربية من التعامل «بانتقائية» مع تنفيذ خطة «خريطة الطريق» التي اعدتها اللجنة الرباعية الدولية، مشددا رفضه العنف من أي طرف.

وفي المقابل اكد باول ان الشروط اكتملت لتطبيق فوري لـ«خريطة الطريق». لكنه اشار الى احتمال حصول «تعليقات» من الجانب الاسرائيلي على الخطة. مشددا على وجود «ما يكفي من حسن النية والالتزام لكي نبدأ الآن». واضاف ان «الطرفين اظهرا رغبة في البدء (بتطبيق خريطة الطريق) واتخاذ اجراءات» في هذا الصدد. وقال أبو مازن انه «يجب ألا يتم التعامل مع «خريطة الطريق» بشكل انتقائي او بفصل عناصرها بعضها عن بعض او تفكيكها». واضاف «اننا نتوقع ان يلتزم الجانب الاسرائيلي بما يترتب عليه»، مشيرا الى استعداد القيادة والحكومة الفلسطينية «بصدق واخلاص لتنفيذ ما يترتب عليهما» ازاء «خارطة الطريق» وتابع موجها كلامه الى باول «نتوقع منكم ضمان التنفيذ المتوازي» لـ«خريطة الطريق».

وشدد أبو مازن مجددا على «رفض العنف من أي جهة»، في اشارة الى الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. واكد استعداده للادلاء بالبيان الذي تضمنته «خريطة الطريق» في نفس الوقت والساعة التي يعلن فيه ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي هذا البيان. واشار الى ان الجانب الفلسطيني قبل بـ«خريطة الطريق» كما هي. وتابع انه «صحيح ممكن هناك بعض التحفظات (الفلسطينية) واسقطنا كل تحفظ من اجل المصلحة، ونرى انه من الضروري ان تبقى كما اعتمدت من اجل المصلحة وحسن تنفيذها».

والتقى المسؤولان في اريحا بالضفة الغربية بدلا من رام الله التي كان مقررا ان يتم فيها الاجتماع بمقر الرئيس الفلسطيني، لكن الجانب الأميركي فضل الابتعاد عن المكان. وطالب أبومازن بضمان حرية الحركة للرئيس عرفات. وقال «اننا نطالب بضمان حرية الحركة للرئيس ياسر عرفات ووقف كل الاجراءات التي تمسه». واشار الى انه سلم الى باول رسالة من ذوى المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية «ونرجو ان تولوها اهمية». واضاف أبو مازن «نتطلع الى وقف الاستيطان ووقف الحصار وجدار العزل ووقف الاغتيالات وتدمير المزروعات والبنية التحتية ونتطلع الى اطلاق آلاف الاسرى الفلسطينيين». ورأى أبو مازن انه ستكون فرصة مهمة «لاقامة سلام حقيقي في المنطقة كلها، من خلال مبادرة السلام العربية التي بموجبها يتمتع الجميع بالأمن والسلام والاستقرار». وقد وصف مباحثاته مع كولن باول بأنها ايجابية ومهمة.

وكان باول قد زار القدس المحتلة واعرب فيها عن ارتياحه من الاجراءات التي اتخذتها الحكومة الاسرائيلية، امس، للتسهيل على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقال ان هذه الاجراتءات ستساعده في دفع عجلة المفاوضات السياسية الى الامام. ودعا رئيس الوزراء الفلسطيني الى انتهاز الفرصة التاريخية الناشئة حاليا لتحقيق السلام واقامة الدولة الفلسطينية وعدم الخوف من التنظيمات المسلحة المعارضة. وعاد الى الموقف الأميركي الرسمي الرافض للتعامل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقال انه يأمل ان يحذو الأوروبيون حذوه ويتخلوا عن عرفات ويدركوا انه يعرقل المسيرة.

واتفق باول مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، بأن يؤجل البحث في موضوع ازالة المستوطنات اليهودية غير الشرعية (التي اقيمت خلال السنوات الثلاث الاخيرة من دون قرار حكومي ويبلغ عددها مائة نقطة استيطان)، حيث سيجري بحثه خلال زيارة شارون الى واشنطن في الاسبوع المقبل. وبالمقابل تعهد شارون بأن يزيل هذه المستعمرات وغيرها في حالة ظهور موقف فلسطيني مثبت بالممارسة ضد الارهاب.

وكانت الحكومة الاسرائيلية قد اتخذت عدة اجراءات تسهيلية تجاه الفلسطينيين منذ صباح امس، ابرزها:

ـ ازالة الحصار الذي فرضته على المناطق الفلسطينية منذ اواسط شهر أبريل (نيسان) الماضي. وهو الحصار الذي فرضته عشية عيد الفصح اليهودي لمواجهة خطر تنفيذ عمليات تفجيرية داخل اسرائيل. وكانت مقررا ازالته بعد اسبوع. لكنها قررت تمديده ثلاثة اسابيع اخرى، حتى تزيله في يوم وصول باول، لكي يظهر وكأنه «بادرة حسن نية من اسرائيل تجاه الفلسطينيين».

ـ توسيع رقعة مناطق الصيد في بحر غزة.

ـ الغاء ثلاثة حواجز عسكرية صغيرة قرب بعض التجمعات القروية في منطقتي بيت لحم والخليل.

ـ اطلاق سراح بضع مئات من المعتقلين الفلسطينيين الاداريين (أي المعتقلين من دون تهمة ومن دون محاكمة) في السجون الاسرائيلية المؤقتة. (كان وزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز، قد اعلن الشهر الماضي عن هذه الخطوة. واكد انه يقدم عليها بسبب الازدحام في السجون وليس في اطار محادثات سياسية. ولكنه قرر تأجيل تنفيذ هذه الخطوة الى يوم امس حتى تبدو وكأنها خطوة ايجابية تجاه الفلسطينيين على شرف زيارة باول).

ـ زيادة عدد العمال الفلسطينيين في المناطق الصناعية القائمة على الحدود بين اسرائيل وقطاع غزة، من 15 الى 30 ألفا بالتدريج، ومضاعفة عدد التجار المسموح دخولهم الى اسرائيل من 3000 الى 5000 تاجر.

ـ تسهيل مرور المسؤولين الفلسطينيين البارزين عبر الحواجز العسكرية.

وكان باول قد استهل لقاءاته امس، بجلسة مع الرئيس الاسرائيلي، موشيه قصاب، في القدس اطلعه فيها على المبادئ والاهداف الاستراتيجية لـ«خريطة الطريق». وابلغه انه سوف يقول لرئيس الوزراء الفلسطيني، ان هناك فرصة تاريخية امامه لوقف عذاب الشعب الفلسطيني وبناء مستقبله في دولة. وانه سيدعوه ان لا يضيع هذه الفرصة ايضا بسبب الخوف من «حماس» وغيرها من قوى المعارضة الفلسطينية.

ثم اجتمع باول مع موفاز، حيث جرى الدخول في اقتراحات تفصيلية لدفع المفاوضات الاسرائيلية ـ الفلسطينية. وقال موفاز لضيفه ان اسرائيل مستعدة لقبول فكرة اعلان هدنة مع الفلسطينيين، لكنها تشترط ان يكون اتفاق الهدنة مرفقا بالتزام واضح لمكافحة الارهاب. واعتبر باول هذا الموقف ايجابيا للغاية، خصوصا ان وزير الخارجية الاسرائيلي، سلفان شالوم كان قد أبدى اعتراصا على «الهدنة» بدعوى انها تبقي المجال مفتوحا امام التنظيمات المسلحة لاعادة بناء قواتها استعدادا للمعركة المقبلة. وقال باول لموفاز انه يعمل بوحي افكار رئيس حكومة اسرائيل، ارييل شارون، الذي يرى في الظروف الناشئة بعد حرب العراق، فرصة تاريخية للتوصل الى سلام في الشرق الأوسط. وقال ان هذا المبدأ يستوجب التنازل عن التفاصيل الصغيرة في سبيل انتهاز الفرصة. واكد ان ادارة الرئيس بوش مصممة على استنفاد كل الجهود لاحراز السلام.

ورد موفاز قائلا ان اسرائيل جاهزة للانفتاح على الفلسطينيين، لكن بشرط ان يقدموا على الخطوة الأولى الضرورية وهي مكافحة «الارهاب». واضاف: «نحن نريد ان نصدق ان الفلسطينيين توصلوا الى القناعة بأن الارهاب لا يجديهم نفعا. لكننا لا نلاحظ انهم يعملون شيئا جديا في هذا السبيل. فلا توجد خطة فلسطينية واضحة لتفكيك التنظمات المسلحة ووقف عمليات العنف. ولا يوجد استعداد لديهم بعد للدخول في مواجهة كذه». وقال موفاز ان اسرائيل ستكون مستعدة للانسحاب من أية منطقة فلسطينية يقررها الفلسطينيون اذا التزموا بأن يتولوا فيها المهمات الأمنية وتفكيك التنظيمات المسلحة. وقدم نموذجا على ذلك، الاستعداد للانسحاب من قطاع خزة ، كتجربة أولى.

واعرب باول عن ارتياحه من هذا الموقف.

ثم اجتمع باول مع شارون في بيته في القدس اكثر من ثلاث ساعات، وتخلل اللقاء غداء عمل شارك فيه قادة الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف ومن الحزب الليبرالي. واستمع منهم الى مواقفهم من «خريطة الطريق»، علما بأن زعيم حزب «شنوي»، يوسف لبيد، فقط هو الذي يؤيدها. وبارك جهود باول على محاولة انجاحها، فيما هاجمها الباقون، وقالوا انها تتضمن بنودا تجعلها بالنسبة لاسرائيل اسوأ من اتفاقيات اوسلو، لأنها تفرض قيام دولة فلسطينية مستقلة «سوف تتحول الى دولة ارهاب تهدد أمن اسرائيل»، كما قال زعيم حزب المفدال وزير الاسكان ايفي ايتا).

وفي ختام اللقاء خرج باول وشارون الى الصحافيين، فقال الوزير الأميركي ان محادثاته كانت جيدة جيدا وانه اتفق فيها مع شارون على التعاون من اجل انجاح «خريطة الطريق»، وان المرحلة الحالية ستكون بداية فقط وان المسيرة تحتاج الى وقت والى عدة اجراءات وخطوات من جميع الاطراف.

وقال شارون ان اسرائيل اعتادت على سماع وعود فلسطينية كثيرة. لكن عهد الوعود قد ولى، وجاء اليوم وقت التنفيذ. وطالب الحكومة الفلسطينية الجديدة بتفكيك التنظيمات المعارضة: «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» وغيرها من الحركات التي تؤمن بالارهاب وتمارسه، على حد قوله. وقال ان اسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات مؤلمة في سبيل السلام الحقيقي، لكنها ليست مستعدة لتقديم أي تنازل في موضوع الأمن. فمن حق اليهود وواجبهم ان يدافعوا عن انفسهم ولا يستندوا الى الوعود او أية قوة اخرى. واعلن شارون عن لقاء قريب مع أبو مازن للتوصل الى اتفاق يؤدي الى سلام بمساعدة الأميركيين.

وانتقل باول الى اريحا، بعد ظهر امس، حيث التقى رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، أبو مازن، وطاقم وزرائه المعينين.