الخرطوم وحركة قرنق تتوصلان إلى اتفاق لتفعيل «الهدنة»

TT

اختتمت جولة المفاوضات السودانية الخامسة في ماشاكوس امس بالاتفاق على تفعيل آلية وقف اطلاق النار، وذلك بعد عملية شد وجذب بين طرفي النزاع استمرت اسبوعا.

واتفق المتفاوضون على تشكيل آلية مراقبة تتكون من الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وايطاليا والنرويج، اضافة الى منظمة الايقاد ومنظمة الوحدة الافريقية.

وأكدت مصادر مطلعة في نيروبي لـ«الشرق الأوسط» ان المبعوث الرئاسي الكيني الجنرال لازرامس سمبويا سيقوم بجولة مكوكية بين الخرطوم ورمبيك قريبا، وذلك لدفع عملية السلام السودانية الجارية حاليا في ماشاكوس الى الامام.

في الوقت ذاته وحسب مصادر مطلعة من المقرر ان يعقد لقاء ثلاثي يجمع الميرغني والصادق المهدي وقرنق في القاهرة في غضون اليومين القادمين، وذلك لمناقشة الاوضاع السودانية وتطورات عملية السلام الجارية والعلاقات بين الاحزاب الثلاثة.

وسيكون اللقاء الاول، لقاء يجمع بين المهدي وقرنق منذ خروج حزب الامة السوداني من تجمع المعارضة عام 2000.

وعلى صعيد مفاوضات ماشاكوس اعلن الوفد الحكومي عن اتفاق طرفي النزاع على تفعيل آلية مراقبة وقف اطلاق النار.

وقال عضو الوفد الحكومي المفاوض الدرديري محمد احمد في اتصال مع «الشرق الأوسط» ان وفد المراقبة سيزور جنوب السودان فورا لتحديد مناطق نشر المراقبين ووضع الاتفاق موضع التنفيذ. ورفض الدرديري تحديد موعد زيارة الوفد واكتفى بالقول ان ذلك يعتمد على ظروف الطيران والترتيبات الادارية، مشيرا الى ان الطرف الحكومي لم يقدم تنازلات في سبيل التوصل لانجاح هذا الاتفاق. وقال: ان «ما تردد حول مطالبنا بدراسة الشكاوى قبل التحقق منها غير صحيح». واشار الى ان «بنود المحادثات لم تتأثر بهذه القضية وانما نوقشت قضية تفعيل المراقبة على هامش المحادثات وهي قضية قائمة منذ فترة».

واشار المتحدث الحكومي الى «ان الجولة التي اختتمت امس انتهت وفق المنهج الجديد للتفاوض الذي تم اقراره اخيرا، وقال «سيتم التفاوض خلال الجولات اللاحقة حول مواضيع قسمة السلطة والثروة والترتيبات الامنية والمناطق الثلاث»، مشددا على ان قضية المناطق الثلاثة ستناقش في جولة خاصة في المستقبل القريب حسب تعبيره.

وحول تقييمه لجولة التفاوض التي اختتمت امس قال الدرديري «تعتبر اول جولة وفق المنهج الجديد الذي اثبت فاعلية ومكّن الطرفين من التعاطي مع هذه القضايا بايجابية كبيرة».

وبسؤاله حول بنود الاتفاق والاختلاف التي شهدتها المحادثات قال «لا نود الخفض في بنود الاتفاق والاختلاف، وفي كل يوم نتجاوز الكثير من الصعوبات وفق الآليات الجديدة وسنتمكن من تجاوز الصعوبات».

وأكد «ان هناك تصورات قدمت لطرفي التفاوضات من قبل الوسطاء. وذكر انها تصورات تفصيلية كثيرة»، لكنه قال «ليس من صالح العملية التفاوضية الحديث عن هذه الطروحات لوسائل الاعلام».

ونفى الدرديري ان يكون طرفا التفاوض قد تعرضا لضغوطات كبيرة سواء كان ذلك من قبل الوسطاء او الاطراف الدولية الاخرى.

وقال «الطرفان يتفاوضان بقدر كبير من الحرية وهناك قناعة لدى الطرفين بان التوصل الى حل سلمي يكمن برغبة الطرفين وقناعتهما بعيدا عن الضغوطات الخارجية».

وأكد عضو الوفد الحكومي ان الطرفين لم يجريا مفاوضات مباشرة خلال الجولة الماضية التي انتهت مساء امس لكنه قال «ان ذلك ليس عيبا كما ان عدم وجود التفاوض المباشر لا يتعارض مع آلية التفاوض الجديدة بل يتفق معها»، واضاف «التعامل كان يتم عن طريق الدراسات والخبراء».

من جهته قال ياسر عرمان المتحدث باسم الحركة الشعبية وعضو وفدها للمفاوضات لـ"الشرق الاوسط" ان الانجاز الوحيد الذي حدث في هذه الجولة هو توقيع اتفاق حول انشاء آلية لمراقبة وقف العدائيات الاثنين الماضي، بعد ان تم اجراء تعديلات عليه. وقال زميله في الحركة القيادي سامسون كواجي "ان هذه الجولة كانت استطلاعية وباشر خلالها الجانبان بدرس تفصيلي لمواقفهما من كافة المسائل العالقة". وكان من المتوقع ان تبحث الجولة بشكل خاص في تقاسم السلطة وثروات البلاد والنظام الامني خلال الفترة الانتقالية التي ستستغرق ست سنوات. كما كان مفترضا ان تتناول العديد من المواضيع الاخرى مثل موارد استغلال النفط والمصرف المركزي المقبل والعملة السودانية. واشار عرمان الى ان القضايا الخمس الرئيسية لا تزال عالقة، وهي وجود جيشين في الفترة الانتقالية، والمناطق الثلاث والعاصمة القومية وتوزيع عائدات النفط وملكية الارض.. ومؤسسة الرئاسة. وحول تقييمه للجولة المنتهية قال عرمان ان المفاوضات اتبعت منهجا جديدا للتشاور حول كل عناصر الاتفاق النهائي واشار الى ان الحركة قدمت من جانبها تصورا حول قضايا السلطة والثروة والمناطق الثلاث المسماة بالمهمشة والترتيبات الامنية. وستكون هناك مشاورات اخرى حول المناطق الثلاث في نيروبي في الفترة من 23 الى 27 مايو (ايار) الجاري.. كما ستجري مشاورات حول الترتيبات الامنية.. في منتصف يونيو(حزيران). واشار عرمان الى ان قيادة الحركة الشعبية ستجري مشاورات مع اطراف اقليمية ودولية هامة خلال الفترة المقبلة.. واوضح انهم التقوا مع وفد التجمع الوطني الديمقراطي الذي اجرى مفاوضات معهم ومع الوسطاء والمراقبين.. كما التقوا امس وفد حزب الامة الذي يأتي للمرة الاولى الى ماشاكوس للتشاور والتنسيق.. واكد ان الحركة الشعبية مهتمة بتحقيق اتفاق سلام شامل يحقق ديمقراطية حقيقية واجماعاً وطنياً قائماً على التراضي بين القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني واقاليم السودان شرقا وغربا شمالا وجنوبا ووسطا. من جهته نفى محمد عثمان الميرغني رئيس تجمع المعارضة السودانية ان تكون هناك أي ترتيبات لعقد لقاء يضمه مع زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الدكتور جون قرنق ورئيس حزب الأمة الصادق المهدي، مشيرا الى انه بالفعل سيلتقي مع كل منهما على حدة وأعلن الميرغني بعد لقاء عقده أمس مع وزير الخارجية المصري احمد ماهر امتد لأكثر من ساعة ونصف الساعة انه مفوض من جانب التجمع الوطني بمد قناة للتفاوض والحوار مع الحكومة اذا لم تثمر الاتصالات الجارية باشراك التجمع في المفاوضات الراهنة في ماشاكوس. في الوقت الذي رفض فيه وزير الخارجية المصري احمد ماهر التأكيد على لقاء ثلاثي سيعقد بين زعماء الفصائل السودانية الميرغني وقرنق والمهدي، مشيرا الى انهم في بلادهم ولهم أن يحددوا اسلوب التحرك الذي يرونه مناسبا للتوصل الى حل سلمي شامل في اطار وحدة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه.

ولم تشأ مصادر اتصلت بها «الشرق الأوسط» أن تنفي أو تثبت أن تكون الحكومة المصرية وراء الاجتماع المتوقع رغم انعقاده على أرضها فيما رجحت أن تكون أجندة الاجتماع وقوف الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة كأكبر حزبين سياسيين في السودان وفق آخر انتخابات ديمقراطية في أبريل (نيسان) 1986 على تفاصيل ما دار في ماشاكوس بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان فيما سيستمع العقيد جون قرنق إلى رؤاهما حول تدابير الفترة الانتقالية والعاصمة القومية بالإضافة إلى منظور الحركة لقضية اقتسام الثروة والسلطة والمناطق المهمشة.

إلى ذلك قالت مصادر أخرى لـ«الشرق الأوسط» إنها تتوقع وصول العقيد جون قرنق للقاهرة اليوم إن لم يكن قد وصلها أمس، فيما سيتوقف وصول الصادق المهدي الموجود حاليا بالعاصمة الليبية طرابلس على تمكنه من لقاء العقيد القذافي بعد وصوله من زيارة للخارج، وقالت نفس المصادر المقربة من المهدي إن الأخير ربما يصل اليوم أو غدا لينضم إلى المرغني.

وأضافت أن زيارة المهدي لليبيا ولقاء العقيد قرنق بالقاهرة كانتا بترتيب سابق لزيارة المهدي للقاهرة التي جاءت للمشاركة في الاجتماع 15 لمجلس الشؤون الإسلامية التي خصصها لمناقشة مستقبل الأمة الإسلامية في ضوء تداعيات الحرب على العراق.

يشار هنا إلى أن آلان غولتي المندوب البريطاني في محادثات ماشاكوس كان قد أشار قبل مدة إلى جهود بريطانية وأميركية لجهة مشاركة ما للمعارضة الشمالية في الترتيبات اللاحقة لمفاوضات السلام بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية التي انطلقت في 20 يوليو (تموز) من العام الماضي الأمر الذي يلقي ببعض الضوء على أسباب اجتماع القاهرة الثلاثي بين الميرغني والمهدي وقرنق.