زعيم «الصراط المستقيم» المغربية شاهد تفكيك عصابة الـ «45 حرامي» في طفولته وأصدر فتاوى غريبة في شبابه

TT

في حي سيدي مومن الشعبي والهامشي في الدار البيضاء، ولد زكرياء الميلودي زعيم جماعة «الصراط المستقيم» عام 1965، وقضى كل طفولته وشبابه وسط بيئة من الفقر المدقع والجريمة، ذلك أن زكرياء لم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره عندما تم تفكيك أخطر عصابة اجرامية في تاريخ الدار البيضاء الحديث في نفس الحي الذي يسكن فيه، والتي عرفت آنداك بعصابة الـ«45 حرامي». وفي منتصف التسعينات كان حي سيدي مومن مسرحا للصراعات والنقاشات بين أجنحة حركة الشبيبة الاسلامية المحظورة آنذاك والتي تعرضت لعدة انقسامات بعد اتهام قيادييها بتدبير اغتيال الزعيم اليساري المغربي عمر بنجلون، ومطاردة قيادييها من جانب الأمن المغربي، وفرار مجموعة منهم الى الخارج. كما ظهرت خلال تلك الفترة في الحي ذاته النواة الأولى لجماعة «التكفير والهجرة» المتشددة، التي تدعو الى تكفير المجتمع بكل مؤسساته الدينية والسياسية والاقتصادية والعيش على هامشه.

في تلك الظروف توفي والده، فغادر زكرياء المدرسة. وكان مستواه التعليمي لا يتجاوز الرابعة اعدادي، وذلك للبحث عن مورد قوت أسرته التي أصبحت تعول عليه. وبعد أن جرب عدة مهن استقر به الحال في تعاطي تجارة الأعشاب مستفيدا من مستواه التعليمي الذي يمكنه من التعاطي مع كتب الثراث، وايضا من قابلية البيئة التي يعيش فيها لازدهار مثل هذه المهنة، سواء بسبب الفقر المدقع للسكان أم بالنسبة للتيارات الفكرية المهيمنة فيها.

وبحكم مهنته ومستواه التعليمي تقرب زكرياء من النشطاء الأصوليين في حي سيدي مومن، وسرعان ما انضم خلال الثمانينات لتيار «الجماعة الاسلامية» المتحدر من «حركة الشبيبة الاسلامية»، وأصبح من ضمن أطر هذا التيار الذي تطور فيما بعد الى «حركة التوحيد والاصلاح» التي ستندمج بدورها في حزب «العدالة والتنمية» خلال عام 1997، وهو الحزب الذي حقق المفاجأة بالفوز بالمرتبة الثالثة من حيث عدد المقاعد البرلمانية خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة في شهر سبتمبر( ايلول) الماضي.

غير أن زكرياء كان قد غادر «الجماعة الاسلامية» مند بداية التسعينات بسبب خلاف مع قيادتها حول اختيارات القيادات الجهوية في منطقة الدار البيضاء. ومند ذلك الحين بدأ زكرياء ينظر من خلال محاضراته في المساجد والولائم التي يحضرها في حي سيدي مومن لتيار فكري أقرب لتوجهات «التكفير والهجرة» حيث اعتبر المشاركة السياسية التي يسعى اليها تنظيمه القديم كفرا، واعتبر الاحتكام للدستور والقانون والعمل التشريعي شركا.

ومنذ صيف 1999 بدأ زكرياء يظهر في واجهة الأحداث بشكل لافت، حيث أصدر العديد من الفتاوى والدعوات لتأسيس جبهة لمواجهة العلمانيين، وشن حملة ضد حكومة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي الذي قاد الائتلاف الحكومي بعد انتخابات عام 1997، واتهمها زكرياء في المقالات والحوارات التي كان ينشرها في الصحف بالسعي الى علمنة المجتمع المغربي وتغريبه. ودعا زكرياء الى محاربة حكومة اليوسفي «بكل الوسائل»، كما دعا الى محاربة الذين أسماهم «دعاة القومية الأمازيغية» والذين وصف دعوتهم بالكافرة. وقال عنها انها تهدف الى طمس الهوية الاسلامية للمغاربة ومحاربة الاسلام عبر الترويج للمعتقدات الوثنية القديمة التي كانت سائدة في المغرب قبل الاسلام.

ومن أغرب آرائه الدينية أنه أفتى بتحريم كتابة عقود الزواج وتوثيقها واعتبر ذلك بدعة. هكذا فبعد زواجه من امرأة أولى بعقد موثق لدى العدول، وهي الوحيدة التي لا تزال على ذمته، تزوج زكرياء ثلاث نساء أخريات بدون عقد غير أن حظهن معه كان سيئا حيث طلق الأولى بعد سنة من المعاشرة وله منها بنت، وطلق الثانية بعد سنتين من الزواج، أما الأخيرة فتزوجها بدون وثيقة أسابيع فقط قبل اعتقاله خلال شهر مارس (اذار) من السنة الأولى بتهمة التحريض على القتل والنصب والاحتيال.

وكان الأمن المغربي قد وجه لزكرياء تهمة تكوين جماعة أصولية تحت اسم «الصراط المستقيم»، وانه أصدر فتوى لأتباعه يوم عيد الأضحى قبل الأخير برجم مروج مخدرات في حي سيدي مومن انتقاما منه لاعتدائه على أحد أتباعه. وتوبع في هذه القضية 13 من أعضاء المجموعة الذين اتهموا بتنفيذ الفتوى ورجم مروج المخدرات حتى الموت. غير أن المحكمة برأت زكرياء من تهمة التحريض على القتل ولم تدنه الا بجريمة النصب والاحتيال وجمع تبرعات بدون رخصة، وحكمت عليه بسنة واحدة حبسا نافذا، بينما حكمت على متهم واحد بـ20 سنة سجنا وعلى آخر بـ5 سنوات، وآخر بـ4 سنوات، وسنتين لمتهمين اخرين.