باحثون مغاربة يحاولون تفكيك «شفرة» تفجيرات الدار البيضاء

قالوا: إنها تتطلب معالجة جادة وتحليلا عميقا يتجاوز التقييمات الأخلاقية لها

TT

قال باحثون وخبراء اجتماعيون وسياسيون مغاربة إن تفجيرات الدار البيضاء تتطلب معالجة جادة وتحليلا عميقا يجب أن يتجاوزا مجرد التقييمات الأخلاقية لهذه الأعمال غير المقبولة.

وقال عبد الله ساعف، وزير التعليم المغربي السابق ورئيس مركز الدراسات الاجتماعية والاقتصادية في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن قراءة حدث من هذا القبيل «لا يمكن فهمه بالاعتماد فقط على المؤشرات القليلة والمحدودة والمشتتة التي وصلتنا عن نتائج أبحاث المحققين، ومع ذلك فإن السؤال الذي يمكن طرحه هو هل نحن فعلا أمام ظاهرة سياسية؟ أي هل نحن أمام أعمال سياسية منظمة ومبنية إراديا، أم أننا أمام حدث أقل من هذا المستوى؟».

وتساءل ساعف عما إذا كانت تفجيرات الدار البيضاء هي ظاهرة مجتمعية يمكن مقارنتها بقوارب الموت التي يذهب ضحيتها بعض الشباب في مضيق جبل طارق، فربما توخى هؤلاء تغيير الاتجاه والانتحار داخل بلدهم بشكل مشهدي وعنيف ومدمر، بدل أن يموتوا في سواحل اسبانيا وفوق رمالها بعيدا عن كل الأنظار، باستثناء رجال الحرس المدني الإسباني وكلابهم. ولكن يظل هذا السلوك بمثابة تجسيد لحالة مجتمعية وليس بالضرورة سياسية، ومفادها أن خطوطا حمراء ودرجة قصوى من اليأس وقع تجاوزها.

واشار الى انه «من الأجدر أن نرى فيها مظهرا لمرض اجتماعي ووجوها متعددة لمشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى نتمكن من معالجتها، وذلك قبل أن نركز على الجانب المؤامراتي حول وجود تنظيم سري وتكييف تلك الأعمال من خلال قاموس الإرهاب».

من جهته، يرى محمد البردوزي، الباحث المغربي في العلوم الاجتماعية والسياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن رسائل تفجيرات الدار البيضاء، موجهة إلى مظاهر انفتاح المغرب لكنها رسائل تتجاوز في عمقها البعد المحلي من حيث الأهداف ومنفذي العملية، مشيرا الى مؤشرات دالة على ارتباط المنفذين بـ«أمميات الإرهاب»، وبخلايا تابعة لها في دول أوروبية وعربية وإسلامية.

وقال البردوزي إن المعلومات المتوفرة حتى الآن لا تؤشر الى ان المغرب يوجد به كثرة في عدد الخلايا الإرهابية المدربة والمستعدة للانتقال الى الفعل الدموي، واعتبر ان هذه الظاهرة «تتطلب معالجة جادة كي لا تستغل الحريات لشحذ خناجر ذبحها». وقال محمد الطوزي، الباحث في العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء والمتخصص في قضايا الحركات الأصولية، إن تفكيك خلفيات حادث تفجيرات الدار البيضاء يظهر وجود تداخل شديد بين المستويين المحلي والعالمي، وأضاف «من الواضح ان هناك عناصر مغربية قامت بعمليات التفجيرات، وتشير ملامح هؤلاء العناصرالى نموذج للاحتجاج الاجتماعي، فهم شبان مهمشون يقطنون حيا مهمشا يقع بحزام فقر في مدينة الدار البيضاء». وتابع القول «ان الحي (سيدي مومن) الذي يقطنه هؤلاء الشبان، برزت فيه منذ سبع سنوات مظاهر تشير إلى تأزم الوضع وغياب الأمن وسيطرة بعض الجماعات المتطرفة على الأمن داخل الأحياء، ووقعت حوادث قتل وعنف».

واعتبر الطوزي ان الأمر يتعلق بنموذج لمجموعات ليست لها ملامح الحركات الإسلامية السياسية، بل هي جماعات سلفية متشددة وليس لها عمق فكري وعقائدي في الدين الإسلامي، بقدر ما تتداخل في تكوين عناصرها خلفيات الإجرام الصغير (تهريب، جرائم عنف) بالتوجهات السلفية المتشددة.

وقال إن هنالك مؤشرات وافتراضات على ارتباط عمليات الدار البيضاء بالإرهاب الدولي، مشيرا الى الطريقة والتقنية التي استخدمت في التفجيرات، واضاف ان طريقة عمل تنظيم «القاعدة» تعتمد على خلايا منتشرة في العالم من دون أن تكون له بها علاقة مباشرة.

واشار الطوزي الى ان رسالة تفجيرات الدار البيضاء غير مفهومة على الصعيد الداخلي، بقدر ما هي مفهومة على المستوى الدولي، انطلاقا من تصريحات سابقة لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، صدرت عنه بتاريخ 11 فبراير (شباط) الماضي، والتي وجه فيها تحذيرات للمغرب، اضافة للتحذيرات التي وردت من أجهزة أمن غربية باحتمال وقوع عمليات إرهابية.

وقال ان الاحتمال الأقوى هو أن تكون عمليات الدار البيضاء محطة في مسلسل دولي للإرهاب، وليست بداية لمسلسل داخلي، مشيرا الى ان اندماج المغرب في خطط مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي التي تتزعمها الولايات المتحدة، جعلت من المغرب الحائط القصير الذي توجه شبكات الإرهاب من خلال ضربه رسائل على مستوى دولي. ويرى الدكتور عبد الحي المؤذن، الباحث في العلوم السياسية ورئيس «مركز التعلم بين الثقافات» في الرباط، أن المعطيات المتوفرة حتى الآن قليلة ولا تسمح للباحث بتحليل ما حدث بشكل معمق، لكنه أشار الى أن الإرهابيين الذين نفذوا تفجيرات الدار البيضاء وظفوا رموزا دينية، وأحدهم مثلا كبر قبل أن يفجر نفسه في نادي «دار اسبانيا».

وأضاف «ان القيام بعمليات انتحارية يتطلب آيديولوجية بالغة التأثير حول قيمة الانتحار في سبيل جزاء الحياة ما بعد الموت والتي لا نجد مثيلا لقوتها اليوم إلا في التآويلات الدينية المتطرفة».

وقال المؤذن ان اختيار الأماكن المستهدفة من المحتمل جدا أن يكون ذا علاقة بتصور يحرم ارتياد المقاهي والمطاعم والفنادق أو بدعوات ذات صبغة دينية متطرفة تدعو لمحاربة اليهود.

واوضح أن تفجيرات الدار البيضاء تثير تساؤلات في المستقبل حول العلاقة بين الدين والإرهاب، وبين الإرهاب والتيارات الإسلامية، والمخاطر التي تقود إليها الآيديولوجيات المتطرفة، معتبرا ان ما حدث يوم الجمعة الماضي يؤكد نهاية مقولة «الاستثناء المغربي» التي كانت تقول بأن مقومات الهوية والثقافة في المغرب تحصنه ضد التطرف الديني.