لا دخول إلى قطاع غزة إلا إذا كنت دبلوماسيا أو مسؤولا فلسطينيا مهما أو حاملا لتصريح من قيادة الجيش الإسرائيلي وحتى ذلك ليس ضامنا

7 ساعات من الانتظار في معبر إيرز والنتيجة عودة بدون تحقيق المراد

TT

رغم سبع ساعات من الانتظار في معبر ايرز الفاصل بين شمال اسرائيل وقطاع غزة دون ماء او شراب او طعام في حر غزة اللاهب، او حتى شخص تتحدث وتشكي همك اليه، رفض جنود الاحتلال الاسرائيلي السماح لموفد «الشرق الاوسط» الدخول الى قطاع غزة.

ولم اكن انا الوحيد الذي رد على عقبيه رغم رحلة العودة الصعبة وتكلفتها. فكان هناك عاملون في منظمات اغاثة واجانب كثر. واقتصر السماح بالدخول على عدد محدود من العاملين في الصليب الاحمر الدولي وبعض الدبلوماسيين، اضافة بالطبع الى مسؤولين كبار في السلطة الفلسطينية لكن بدون سياراتهم كما كان الحال في الماضي، بل بسيارات سفارات اجنبية.

والسبب الذي يعطيه جنود الاحتلال لهذا الموقف المتشنج هو الحصار الشامل والاغلاق الشديد الذي يفرضونه على اهالي القطاع كما هو حال الضفة الغربية.

والواقع ان قوات الاحتلال تحاول تدريجيا اضافة الى فرض الاغلاق على المواطنين، ابعاد الصحافيين ووسائل الاعلام عن القطاع للقيام بعملياتها العدوانية بما فيها من قتل وتصفيات وتدمير وجرف للاراضي وسط تعتيم اعلامي شامل. وسبب التشدد في الاغلاق هو عملية الاقتحام التي نفذتها قوات الاحتلال على بلدة بيت حانون المتاخمة واسفرت عن مقتل 3 فلسطينيين وجرح عدد اخر. اضافة بالطبع الى القرار الذي اتخذته الحكومة الاسرائيلية قبل بضعة ايام بتصعيب دخول الزوار الاجانب الى المناطق الفلسطينية لا سيما قطاع غزة وتحركهم فيها. وتخص هذه الاجراءات تحديدا حملة الجنسية البريطانية ويزداد التشدد عندما يكون حاملها من اصول عربية.

ويتحجج الجنود في المعبر بان الدخول الى قطاع غزة مشروط بحصول الزائر على تصريح من قيادة الجيش. ويطلبون من الصحافيين على وجه الخصوص الحصول على تصريح من المكتب الصحافي في قيادة الجيش. لكن هذا التصريح لا يعفي حامله كما علمت من الانتظار لمدة لا تقل عن 7 ساعات بحجة التأكد من صلاحية التصريح، حتى بتدخل جهات مثل وزارة الخارجية الاسرائيلية.

ومعبر ايرز او كما يسميه الفلسطينيون معبر بيت حانون حيث انه يقع على اجزاء من اراضي بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، هو بشكله وتصميمه معبر حدودي بين دولتين بكل ما في الكلمة من معنى. وهذا المعبر يختلف عن المعابر التي تفصل الضفة الغربية عن اسرائيل، اذ ان هذه المعابر ليست اكثر من حواجز عسكرية مكشوفة ليس فيها اي اجراءات اكثر من الاجراءات الامنية العادية. وهذا ربما يكشف النيات الاسرائيلية في ما يخص الضفة الغربية التي لم يحسم امرها بعد، كما هو الحال بالنسبة لقطاع غزة الذي ابدت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بما فيها حتى الحكومة اليمينية الحالية او بالاحرى جزء منها، استعدادها للانسحاب الكامل من القطاع بما في ذلك تفكيك المستوطنات فيه ليس بدون مقابل بل كجزء من صفقة. اما في معبر ايرز فهناك مبان وقاعات للمسافرين واحدة خاصة بالعابرين الى غزة واخرى خاصة بالمغادرين واجهزة كومبيوتر للتدقيق في بطاقات الهوية وجوازات السفر، كما هناك موظفو جوازات وان كانوا من الجنود الصغار بأسلحتهم الخفيفة.

وفي هذه القاعات اقسام مختلفة منها قسم لمعاملات الدبلوماسيين واخر للشخصيات المهمة وثالث للمؤسسات الدولية والسياح ورابع لتسجيل بطاقات الهوية. وهناك ايضا قاعات منفصلة لتفتيش الحقائب والامتعة.

ويمنع في هذا المعبر خروج السيارات الفلسطينية او دخول السيارات الاسرائيلية، والسيارات الوحيدة التي يسمح بدخولها هي فقط السيارات التي تحمل لوحات دبلوماسية والتابعة للصليب الاحمر الدولي وغيرها من المنظمات الانسانية المتفق عليها. ويسبق دخول هذه السيارات عمليات تنسيق بين الاطراف المعنية وجيش الاحتلال. والزائر للقطاع يصل بسيارات اسرائيلية تقف في مرآب خاص يبعد بضع عشرات من الامتار. وبعد ان يترجل من سيارته يتقدم ببطء نحو اول نقطة تفتيش واستجواب قبل الوصول الى قاعات المسافرين. والخارج من القطاع يصل بسيارات فلسطينية الى المركز الحدودي الفلسطيني الذي يبعد عن الاسرائيلي مسافة تصل الى حوالي 500 متر يقطعها المسافر (الداخل والمغادر) سيرا على الاقدام او ربما بسيارات اجرة فلسطينية محددة ومعروفة للجيش الاسرائيلي، اذ لا يسمح بوصول اي سيارة فلسطينية وذلك للحيلولة دون وقوع عمليات تفجيرية.

والسماح بعبور نقطة التفتيش الاسرائيلية الاولية في ايرز لا يشكل ضمانا للمسافر بدخول القطاع وهذا ما حصل معي وغيري من الاجانب.

* مشاهدات في معبر ايرز

1) معالي الوزير وسيارات السفارة الأميركية

نزل في حوالي الساعة الواحدة و25 دقيقة شخص يبدو فلسطينيا من سيارة مرسيدس بيضاء واتجه مباشرة الى قسم الجوازات الفلسطينية في المعبر. وقبل ان يدخل الى القاعة جاءه صوت يناديه بلغة عربية سليمة: اهلا ابو.. (اكتفي باسم ابو حتى لا اكشف اسم الوزير فيغضب مني ويحرمني من اجراء مقابلة صحافية معه).

رد عليه ابو: اهلا برجل المخابرات (تبين لاحقا ان اسمه ربما الحركي سلمان) وصافحه بحرارة شديدة دليلاً على المعرفة والمودة.

سلمان: وين معالي الوزير مش جاي معاك. بدي اشوفه؟

ابو: الوزير بالسيارة.. هيو طلع وبيدخن سيجارة.

اثار الحديث لدي الفضول لمعرفة من هو هذا الوزير لكن هناك سيارة عسكرية تقف بيني وبين سيارة الوزير وتحجب الرؤية عن الوزير ولا اريد ان اتحرك بشكل يثير الريبة خاصة ان الجنود باسلحتهم من حولي. وتحججت بقضاء حاجة شخصية وطلبت اذنا من الجنود للذهاب الى الحمام الذي كان مقفلا بالمفاتيح. ونجحت المحاولة وتعرفت على شخص الوزير الذي كان منهمكا في حديث مع رجل المخابرات.

وبعد حوالي 20 دقيقة تبين ان السيارة لم تكن سيارة الوزير الخاصة بل سيارة تابعة للسفارة الاميركية ترافقها سيارة اخرى من نفس الطراز واللون يبدو انها سيارة للمرافقين حيث تخلو من الستائر التي تغطي من في داخل السيارة الاولى. وتوفر السيارة الاميركية في تل ابيب عملية تنقل الوزراء الفلسطينيين خاصة المهمين منهم، لتجنب اطلاق النار «الخطأ» على المسؤولين الفلسطينيين من قبل الجنود الاسرائيليين عند هذا لمعبر كما جرى قبل سنتين تقريبا عندما تعرض مسؤولون امنيون فلسطينيون عند معبر ايرز كانوا عائدين من اجتماع امني مع الاسرائيليين تحت رعاية اميركية.

2) تدريبات عسكرية في المعبر أمام سمع المسافرين

فجأة وبدون مقدمات اثارت مخاوف في داخلي بدا جنود اسرائيليون بكامل عتادهم وبلباسهم الميداني، يتراكضون بحذر من غطاء الى اخر وكأنهم يتعرضون لهجوم مسلح. وتبين بعد دقائق انهم كانوا يتدربون على هجوم وهمي وكيفية انقاذ الجرحى. رجل في اواخر الستينات من العمر يبدو عليه انه اجنبي وصل الى قاعة المسافرين يجر حقائبه من خلفه، دخل قاعة المسافرين، جلس بصمت يقرأ كتابا في يده وهو ينتظر كما هو حالي، الموافقة من جنود الاحتلال على دخوله غزة.

تحرشت به وسألته: اراك تنتظر مثلي كلمة السر بالعبور. اعتقد انك ستنتظر كثيرا، فانا هنا منذ الساعة 11.45 (كانت الساعة في حينها الثانية بعد الظهر).

فأجاب: انا انتظر منذ اكثر من يومين تصريحا بالدخول. واليوم طلبت مساعدة اناس كبار وآمل في الدخول. واذا لم يسمحوا بذلك فانني سأعود ادراجي الى بلدي نيوزيلندا.

سألت: ما الذي اتى بك الى هنا وماذا تريد ان تفعل في غزة؟

اجاب: انا جراح قلب واريد الدخول لاجراء عمليات لاطفال في مستشفى الشفاء في مدينة غزة.

واستطرد: هذه ليست المرة الاولى التي اجيء فيها الى غزة فقد كنت هناك في يناير (كانون الثاني) الماضي واجريت عمليات جراحية لعدد من الاطفال.

تمنيت له التوفيق في مهمته الانسانية النبيلة. ولحسن الحظ او بالاحرى حظ اطفال غزة ان الوساطة نجحت وسمح له بالدخول بعد حوالي ساعة ونصف ساعة من الحديث معه. ولم ينس الجندي المسؤول ان يطلب منه توقيع وثيقة تعفي الجيش الاسرائيلي من اي مكروه يصيبه حتى ولو كان على ايديهم. اذ لا يسمح لاي شخص اجنبي بدخول غزة الا بعد توقيع مثل هذه الوثيقة رغم اعتراض المنظمات الانسانية والمدافعة عن حقوق الانسان عليها. يذكر ان عددا من كبار الاطباء والجراحين المتعاطفين مع الفلسطينيين يخصصون بضعة اسابيع في السنة للقيام بمثل هذه المهام في مستشفيات الضفة الغربية والقطاع.

3) الدخول ممنوع بدون التصاريح العسكرية

* فلسطيني يحمل الجنسية الاميركية ويعمل مع منظمة للعون الطبي منع من الدخول وعاد ادراجه الى القدس.

* دخل قاعة الجوازات رجل انجليزي في الخمسينات من العمر وجهه احمر من حرارة الشمس. توجه مباشرة الى الجندي المسؤول والقى بجواز سفره وهو يتأفف من شدة الحر. امسك الجندي ببرود شديد جواز السفر وسأل: هل لديك تصريح خاص بالدخول؟

البريطاني: ليس لدي تصريح واريد الدخول.

الجندي: الا تدري ان القطاع مغلق تماما ولا يسمح بالدخول؟

البريطاني: لا. لا اعرف ذلك.

الجندي: للاسف الحدود مغلقة ولا يسمح بالدخول.

البريطاني: هل يعني كلامك انه من المستحيل الدخول بأي شكل من الاشكال؟

الجندي: ليس ممكنا الدخول.

البريطاني: يعني استحالة؟

الجندي: نعم.. سأعطيك رقم هاتف للاتصال به اذا اردت الدخول. تناول البريطاني جواز سفره ببرود شديد وجر حقيبته وانسحب بهدوء شاكرا الجندي متمنيا لنفسه ان يوفق في المرة القادمة.