عريقات: وصلت إلى نقطة السأم ولست مواليا لعرفات وعشراوي قالت لي بعد استقالتي كيف تحملت هذه السنوات؟

الوزير المستقيل في حديث تنشره «الشرق الأوسط»: أدركت أن علي المغادرة والفلسطينيون يستحقون قيادة أفضل

TT

منذ توقيع اتفاقات أوسلو قبل ما يقرب من عقد عيَّن الإسرائيليون ما يقرب من ستة أشخاص بموقع رئاسة الفرق المفاوضة مع الفلسطينيين. أما بالنسبة للفلسطينيين فلم يكن هناك سوى كبير واحد للمفاوضين هو صائب عريقات المتخصص في العلوم السياسية والذي أصبح الرجل الذي يلتفت العالم له كلما أراد سماع وجهة النظر الفلسطينية مطروحة بطريقة واضحة وبارعة. لكن الدكتور عريقات استقال الأسبوع الماضي. وقال مبررا ذلك بأنه وصل إلى نقطة الشعور بالسأم ليس من خطة «خريطة الطريق» لكن من التغيير الذي راح البيت الأبيض يفرضه على السلطة الفلسطينية. وقال عريقات: «هل هذا هو تغيير النظام بطريقة سلمية؟ فإذا كان سلميا حقا فليتم إجراء الانتخابات من فضلكم».

ويتحدث عريقات الانجليزية بشكل أكثر طلاقة من معظم المسؤولين الآخرين في السلطة الفلسطينية، وقد يكون ذلك عائدا إلى شهادة الماجستير التي حصل عليها في العلوم السياسية من جامعة ولاية سان فرانسيسكو ثم شهادة الدكتوراه من جامعة برادفورد البريطانية ولا بدّ أن الكثير سيفتقدون صوته. وبعد العمليات الانتحارية التي حدثت هذا الأسبوع ضد الإسرائيليين قال عريقات إن شبكات محطات التلفزيون العالمية ظلت تتصل به بحثا عن مسؤول فلسطيني يقوم بإدانة العنف.

وأضاف عريقات من مكتبه الذي هو جزء من مجموعة مكاتب عملت كوزارة للإدارة المحلية ثم أصبحت لاحقا مقراً لوزارة المفاوضات: «على الأميركيين أن يفهموا أن وضعنا ليس كالعراق أو أفغانستان نحن نعيش جنب إسرائيل وهذا يعني أننا نتوقع الديمقراطية».

بالنسبة للكادر العامل مع عريقات فلا يبدو أن أي واحد منه مبال اضافة إلى أنهم لا يعرفون ماذا تمثل هذه البناية وهم تواقون لمعرفة ما هي خطوة عريقات المقبلة.

يقول عريقات إنه على الأكثر سيشن حملة يطالب فيها بإجراء انتخابات داخل فلسطين خلال ستة أشهر فهذه الانتخابات لم تجر منذ سنة 1994 حينما انتُخب ياسر عرفات آنذاك رئيسا. وأدى الضغط الأميركي على السلطة الفلسطينية لاختيار رئيس وزراء هو محمود عباس (ابو مازن) ينزع من عرفات سلطاته في الشهر الماضي ولم يكن ذلك الضغط الأميركي إلا بناء على طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون. وعلى الرغم من أن عباس وعريقات معروفان بقربهما من عرفات لكن الأول يحاول أن ينفصل هو وطاقمه الوزاري الجديد عن عرفات سعيا للعودة إلى طاولة المفاوضات التي رفض شارون إجراءها مع عرفات.

وحينما التقى عباس وشارون ليلة السبت الماضي برفقة المفاوضين وهو اللقاء الأول من نوعه بعد سنتين ونصف من العنف الرهيب تُرك عريقات جانبا وهذا ما خلق عنده استياء كبيرا دفعه حسب بعض التقارير الصحافية إلى الاستقالة. لكن عريقات يقول إن ذلك لا علاقة له بقراره فهو قد عزم على الاستقالة منذ فترة ولم يعط مبررا واضحا لها سوى أنه قال: «أنا لا أريد أن أؤذي أحدا». لكنه أظهر قدراً من الشعور بالإحباط لتعيين محمود عباس الذي كان مسؤولا غير منتخب كرئيس للوزراء. وقال عريقات: «الفلسطينيون يستحقون قيادة أفضل». وأضاف عريقات: «أنا أتابع الديناميكيات الداخلية وهي تأخذ شكلا وأنا أدركت أن علي المغادرة».

قد تكون المغادرة من المكتب لكن الكثيرين يتساءلون إن كان ذلك من أجل السعي للحصول على منصب مهم آخر في القريب العاجل. فهو ما زال يحتل مقعداً في المجلس التشريعي الفلسطيني حيث يمثل أريحا المدينة التي تعتبر «أقدم مدينة في العالم». وأشار عريقات الى أن استفتاءات الرأي بين الفلسطينيين كشفت أن 14 بالمائة من الفلسطينيين يعتبرونه واحداً من زعمائهم والجميع باستثناء عرفات لم يحصلوا إلا على أصوات تقل عن 10 في المائة.

وعريقات حريص جدا على اظهار ان استقالته ليست نتيجة لنوع من الولاء لعرفات، حتى أنه نوه بالفساد الواسع الانتشار بين زملائه، زاعما أنه امتنع عن الحصول على الفيلات أو السيارات الفاخرة أو الكماليات الغالية التي يستطيع مسؤولو السلطة الفلسطينية أن يقتنوها لأنفسهم، وهو بعد كل السنوات التي ظل خلالها ضمن الدائرة الداخلية يحاول أن يضع نفسه خارج دائرة السلطة التي يطلق عليها اسم «النادي الاستثنائي» الذي لم يكن جزءا منها لأنه بعكس عرفات ومسؤولين كبار آخرين في منظمة التحرير الفلسطينية لم يعد معهم من «اليمن أو من تونس».

فهو كابن لصاحب شركة باصات عاش معظم حياته في أريحا حيث يلبس دائما بذلة حينما يخرج للتحدث مع ناخبيه مثلما فعل يوم الاثنين الماضي على الرغم من الطقس الشديد الحرارة والرطوبة الثقيلة الناجمة عن وقوع هذه المدينة في اكثر نقطة انخفاضا في العالم.

وقال عريقات: «أنا لست مواليا لعرفات... أنا مخلص لشعبي وللعملية السلمية. السلام ممكن تحقيقه. أنا كنت دائما مع السلام. أنا مع الحياة التي ستأتي بعد تحقق السلام». ولجعل السلام أمرا قابلا للتحقق على شارون أن يقبل بالمبادئ الأساسية التي تضمنتها «خريطة الطريق». وبالنسبة لعريقات فإن واحدا من أفضل الأفكار في خريطة الطريقة هو وقوف المجموعة «الرباعية» وراءها وهذه تتضمن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. فهذه المجموعة هي الحكم في الخطوات اللاحقة التي يجب اتباعها في عملية السلام.

وقال عريقات إنه ينصح محمود عباس بعدم البدء في تنفيذ تفاصيل خطة السلام مع شارون بدون أن يكون الأخير قد وافق على الخطة ككل. لكن هذه الايام رئيس الحكومة الفلسطينية الجديدة غير مستعد للاستماع إلى أي نصيحة من عريقات. وقال سعدي الكرنز وزير النقل: «أي رئيس وزراء لديه الحق في اختيار حكومته وعريقات قدم استقالته عبر الإعلام بدلا من أن يرسلها إلى أبو مازن وهذا ما آلمه، إذ قال إنه كان عليه أن يتكلم معه أولا».

ولم يكن عريقات أول وزير فلسطيني يقدم استقالته إذ سبقته قبل عدة سنوات حنان عشراوي التي لم تستطع أن توفق بين سمعتها كناشطة بارزة في الدفاع عن حقوق الانسان مع عضويتها في حكومة عرفات. وقال عريقات انه في اليوم الذي استقال تسلم منها مكالمة هاتفية تخفف عليه. وقال عريقات: «هاتفتني وقالت لي باكية كيف تحملت كل هذه السنوات؟ أجبتها أنا أدركت ما أدركته قبل خمس سنوات».

*خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»