الباجه جي: أميركا وبريطانيا لم تتحسبا لأوضاع ما بعد صدام وتتحملان المسؤولية عن كل ما يحدث في العراق الآن

قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنه يفضل عقد المؤتمر الوطني المرتقب على أساس مندوب عن كل تنظيم منعا لهيمنة هذا الطرف أو ذاك

TT

دعا عدنان الباجه جي، وزير الخارجية العراقي الاسبق واحد اقوى المرشحين لقيادة الحكومة الانتقالية العراقية، الى ان تتحمل الولايات المتحدة وبريطانيا المسؤولية كاملة عن كل متطلبات الشعب العراقي، من امن واستقرار ومتطلبات معيشة وتهيئة الاجواء الديمقراطية الحقيقية التي تساعد على نقل الحكم الى ايدٍ عراقية. واتهم الباجه جي في حديث لـ«الشرق الاوسط» الولايات المتحدة وبريطانيا بعدم الكفاءة، وانهما اقدمتا على الحرب مع علم مسبق بسقوط نظام صدام حسين سريعا، من دون أي استعداد او تكوين اية فكرة عما سيكون عليه الوضع بعد انتهاء حكم البعث. وفي ما يلي نص الحوار:

* السؤال الذي يطرح نفسه الان بالحاح، هو ما يتعلق بمشروع الحكومة والادارة.. من الواضح ان الاميركيين ماضون في اتجاه تشكيل سلطة احتلال، في حين كان الكلام يدور حول اقامة حكومة عراقية انتقالية.. المعروف انكم التقيتم بمسؤولين اميركيين، اخرهم كان الحاكم المدني بول بريمر.. ما هي النتيجة التي خلصتم اليها في هذا المجال..؟

ـ كان حديثنا يدور حول (مشروع القرار) المقدم الى مجلس الامن، والذي تمت المصادقة عليه.. بموجب هذا القرار يطلب مجلس الامن من سلطات التحالف ان تتولى مسؤولية ادارة العراق، والاعداد لحكومة معترف بها.. مما يعني ان ادارتهم للعراق تنتهي مع قيام حكومة عراقية معترف بها دوليا..

* كيف نتوصل الى مثل هذه الحكومة.. حتى ينتهي حكم سلطات التحالف في العراق..؟

ـ الفكرة السائدة الان هي ان تكون هناك عدة خطوات قبل ان تنتخب هذه الحكومة التي يعترف بها دوليا.. يجب ان تكون هناك انتخابات.. وقبل الانتخابات، يجب ان تسن بعض القوانين.. مثل قانون الانتخاب، ومسودة الدستور، وقانون الاحزاب، والصحافة.. وتشكيل هيئة لمراجعة جميع القوانين. هذه المواضيع تكون من مهمة ما سميت في القرار بـ(الادارة الانتقالية) العراقية.

* كيف تتم اقامة هذه الادارة الانتقالية..؟

ـ هذه الادارة الانتقالية يختارها مؤتمر موسع، ذو قاعدة عريضة، تمثل فيها جميع القوى السياسية والاجتماعية، والشرائح و الاطياف العراقية كافة.. هذا المؤتمر هو الذي سيختار الادارة الانتقالية (كما سميت)..

* و كيف يتم اختيار المشاركين في هذا المؤتمر..؟

ـ هناك طريقتان.. الاولى هي ان تؤلف هيئة تحضيرية، تمثل فيها ايضا اكثر القوى السياسية المهمة والفاعلة، وعلى اساس ان هذه الهيئة التحضيرية هي التي تختار المشاركين في المؤتمر، الذين سيبلغ عددهم حوالي 350 ـ 400 مشارك.. ولكن هناك مشاكل في هذا الموضوع، ولم يتم الاتفاق لحد الان على تكوين هذه الهيئة التحضيرية.. ومن سيكون فيها..؟ وهل ستكون هناك عضوية على اساس المساواة.. وليس تفضيل فئة على فئة..؟

اما الطريقة الثانية، فهي ان يقوم الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة، بالتعاون مع ممثل عن سلطة التحالف، باجراء مشاورات مكثفة في جميع انحاء العراق، وفي جميع المحافظات، ومع القوى السياسية الخارجية، وهم يدعون المشاركين لحضور المؤتمر.. هذا ما فعلوه في مؤتمر الناصرية قبل شهر، ومؤتمر بغداد الذي اعقبه.. الى الآن لا يوجد اتفاق حول كيفية اختيار اعضاء المؤتمر.. البعض يقول يجب ان يتم اختيار اعضاء المؤتمر من قبل هيئة عراقية (الهيئة التحضيرية)، لكن هناك مخاوف من ان هذه الهيئة التحضيرية قد تواجه مشاكل، اولا: في تشكيلها، حيث يجب ان يكون هناك اتفاق على ذلك، وثانيا: يمكن حتى اذا تم الاتفاق على تكوينها، فان بعض الامور قد تظهر بالنسبة لاختيار المشاركين في المؤتمر.. و في ما يتعلق بالطريقة الاخرى فهي يمكن ايضا ان تنتقد، حيث يترك فيها الامر لجهة اجنبية، او جهتين اجنبيتين، لاختيار المشاركين في المؤتمر العراقي لانتخاب ادارة عراقية.. ومن ناحية اخرى قد يقال ان مبعوث الامم المتحدة ومبعوث سلطات التحالف، يمكن ان يكونا على حياد اكثر من الفئات السياسية التي قد تشترك في الهيئة التحضيرية، وهذا يمكن ان يكون الخيار افضل.. هذا الموضوع يجري البحث فيه لحد الان.

* هذه العملية تعني التاخير المتواصل، واستمرار الوضع المرتبك على ما هو عليه..

ـ بريمر صرح اخيرا، بان المؤتمر سينعقد في منتصف شهر يوليو (تموز).. وفي خلال اسبوعين ـ كما يامل هو ـ يمكن الاتفاق على تكوين الهيئة التحضيرية.

* المؤتمر.. لماذا يعقد..؟

ـ لاختيار الادارة الانتقالية..

* الادارة الانتقالية هي ليست سلطة، ما دامت هناك سلطة ستنشأ بموجب قرار مجلس الامن.. (سلطة احتلال).

ـ في الحقيقة.. للادارة الانتقالية مهمتان، اولاهما تسلم ادارة بعض الدوائر، تدريجيا، وبعضها تسلم لها مباشرة، واخرى تبقى تحت ادارة سلطة التحالف.. وفي نفس الوقت فان جميع الموارد المالية تكون تحت تصرف سلطة التحالف.. سواء كانت من واردات النفط او من الاموال المجمدة او المساعدات الاجنبية.. كلها ستكون في صندوق واحد.. ولسلطة التحالف وحدها حق التصرف. هذه الاشياء كلها تنتهي عندما يتم تشكيل اول حكومة عراقية معترف بها دوليا.

وبالاضافة الى تسلم مسؤوليات بعض الدوائر، كما ذكرت، فان على الادارة الانتقالية اعداد او تشكيل لجنة لوضع الدستور وتشكيل لجنة لمراجعة القوانين ولجنة لوضع قانون الانتخاب وقانون الاحزاب وغيرها.. و كذلك الاشراف على النشاط السياسي الذي سيعقب هذه القوانين، وخاصة ما يتعلق بتشكيل الاحزاب، وحرية الصحافة وحرية الاجتماع وحرية الراي ـ طبعا بمساعدة التحالف، اضافة الى ما نطالب به من اشراف دولي، على مسودة الدستور. وبعد ذلك تجري انتخابات وفق احكام هذا الدستور لانتخاب الحكومة التي ستكون هي المعترف بها دوليا، وتستمد شرعيتها من موافقة الشعب العراقي.

* لاحظنا ان الهم الرئيسي للشعب العراقي الان هو بعيد عن هذه الاشياء، ثمة هم يومي هو الحاجة الى الامن، واعادة النظام والقانون، ومكافحة الجريمة، وخصوصا جرائم السلب والنهب واختطاف الفتيات.. ما الذي تفعلونه انتم كقوى سياسية وما الذي سيفعله الاميركيون والبريطانيون ايضا..؟

ـ الاميركيون اخبرونا، واعلنوا ان اولوياتهم هي الحفاظ على الامن ومكافحة الجريمة وتوفير الخدمات الاساسية للمواطنين. بالنسبة لهم ياتي هذا في المقام الاول ولهذا اجلوا موضوع المؤتمر الذي كان يفترض ان يعقد في نهاية هذا الشهر لكي يفسح المجال لسلطة التحالف ان تعالج هذه المشاكل التي ذكرتموها.

* لكن لم يلمس الشعب العراقي أية اجراءات.. ـ مع الاسف الشديد، هذا صحيح، ونحن حذرناهم بان استمرار هذا الوضع قد يؤدي الى انفجار، لان الناس قد نفد صبرها، هم يقولون بانهم يحاولون، ولكن الغريب في الامر انه بالرغم من ان الكثيرين كانوا يتوقعون سقوط النظام السابق بسرعة الا ان الاميركيين جاءوا الى العراق بدون استعداد، لمرحلة ما بعد صدام.. لم يكن هناك استعداد او اهتمام وعدم كفاءة في هذا الموضوع، ولذلك هم يجب ان يتحملوا مسؤولية كبيرة في هذا الشان.

* لكنكم ايضا تتحملون مسؤولية امام الناس.. اين القوى السياسية ؟

ـ عرضت بعض القوى ان تقوم وحدات منها بحفظ الامن، ولكن الاميركيين لم يقبلوا ومن جانبهم لم يأتوا بالبديل.. فقط وعدوا بزيادة اعداد قواتهم المختصة باعمال الشرطة، واظن ان قوات من دول اخرى ستاتي لتدريب الشرطة العراقية.. يقال ان سبعة الالف شرطي موجودون وسيدربونهم ويحركون رواتبهم ويقومون بتسليحهم. اما حسب الاحصائيات السابقة، فقد كان هناك 70 الف شرطي عدا الاجهزة الاخرى.

* بقايا حزب البعث.. ما هو مصيرهم؟

ـ صدر قرار من التحالف باقصاء جميع المنتسبين لحزب البعث من درجة عضو فرقة فما فوق من القطاع العام وهناك من يقول ان من بين هؤلاء اصحاب كفاءات يجب الاستفادة منها. اما انا فاقول ان الكفاءات كثيرة، والكفاءات التي يجري الحديث عنها ابعدت فقط عن القطاع العام.

* نعود الى الحديث عن (اللجنة التحضيرية) للمؤتمر الموسع.. قلتم ان هناك طريقتين.. العراقية والدولية، فايهما تفضلون انتم؟

ـ اذا كانت هناك لجنة تحضيرية عراقية، قاعدتها عريضة، وتمثل فيها كل القوى السياسية الرئيسية فانها تكون افضل، لكي لا يقال ان الحكم، او المؤتمر العراقي اختارته سلطات اجنبية.. رغم وجود خلافات كبيرة حول حق تكوين الهيئة.. ممن.. ؟ وما هي نسبة التمثيل.. نحن نقول ان التمثيل يجب ان يقوم على اساس المساواة.. أي ان من حق كل مجموعة سياسية ان ترسل مندوبا واحدا عنها.. وليس القول ان من حق هذه المجموعة ارسال اثنين واخرى ثلاثة، وما الى ذلك.. وهذا يعني اعطاء الفرصة لبعض الفئات لتسيطر على المؤتمر.

* حسنا.. الا يمكن دمج الفكرتين، او الطريقتين معا.. أي ان تكون اللجنة التحضيرية عراقية بمشاركة سلطة التحالف والامم المتحدة؟

ـ اختيار المشاركين في المؤتمر هو الاساس.. من الذي سيختار هؤلاء المشاركين.. هيئة تحضيرية، ام سلطات التحالف والامم المتحدة؟ ان فكرة دمج الطريقتين تبدو معقولة، بحيث يكون هناك جهد مشترك بين اللجنة التحضيرية لسلطات التحالف والامم المتحدة لضمان الحيادية وكبح جماح بعض الفئات التي تحاول الهيمنة.

* اخيرا.. بعد قرار مجلس الامن حول العراق، ما هو المطلوب؟

ـ ان نقول لسلطة التحالف انها حصلت على «غطاء شرعي» للاحتلال.. وعليها ان تتحمل مسؤولياتها كاملة، وفق القواعد والقوانين الدولية كما تتحمل مسؤولية حماية امن وممتلكات وكل متطلبات سكان البلد المحتل.. وهذا ما تفرضه القوانين الدولية.