لبنان يحتفل بذكرى تحرير الجنوب ولكن مخلفات الاحتلال لم تفارقه بعد

TT

يحتفل لبنان اليوم بالذكرى السنوية الثالثة للانسحاب الاسرائيلي من اراضيه والتي اصبحت منذ 25 مايو (ايار) 2000 عيداً للمقاومة والتحرير.

ورغم ان المناسبة تأخذ الطابع الاحتفالي، الا ان الاحتلال الذي دام نحو 22 سنة خلف وراءه الكثير من المشاكل التي «تنغص» فرحة اللبنانيين بهذه الذكرى والتي فرضت حالاً من عدم الاستقرار على طول خط الحدود، ومنعت عودة الحياة الطبيعية الى المنطقة الحدودية التي تلاقي صعوبة كبيرة في اللحاق بركب التنمية الذي تخلفت عنه لنحو عقدين من الزمن قياساً بالمناطق اللبنانية الاخرى.

وفي ما يرتبط بعض هذه المشاكل بالوضع الاقليمي وقضية الشرق الاوسط، هناك مشاكل اخرى تعتبر «صناعة لبنانية».

واذا كانت قضية مزارع شبعا المحتلة من ابرز مخلفات الاحتلال الذي يرفض الانسحاب منها باعتبارها «اراض سورية» رغم تأكيد بيروت ودمشق عكس ذلك ، هناك ايضاً قضية تلال كفرشوبا التي ما تزال تحتلها اسرائيل وقضية «القرى السبع» التي احتلتها اسرائيل عام 1948وقد استعاد لبنان بفعل الخط الازرق الذي رسمته الامم المتحدة اجزاء منها في العام 2000 لكنه لا يزال يرفض ارسال الجيش الى منطقة الحدود كي لا يكون «حارساً للمستوطنات» وهو تعبير دخل في القاموس السياسي اللبناني للدلالة على رفض توريط الجيش في اي نزاع محتمل قد ينشأ عن استمرار الوضع القائم عند الحدود، ودلالة على عدم اعتراف لبنان بهذا الوضع. ويكتفي لبنان حالياً بنشر نحو 3000 عنصر امن هم عداد قوة مشتركة من الجيش وقوى الامن تسيّر دوريات في المنطقة الحدودية المحتلة. وقد منعت هذه القوة العديد من المحاولات الفلسطينية لاطلاق صواريخ الكاتيوشا ومهاجمة المستوطنات الاسرائيلية باعتبار ان «قرار المقاومة لبناني فقط» في اشارة الى حصر العمل العسكري «المشروع» في منطقة مزارع شبعا التي لا تنتشر قبالتها اية وحدات عسكرية نظامية.

وتعتبر قضية المياه، ثاني قضية خلافية مع اسرائيل بعد قضية الارض، اذا لم تكن الاولى، فقد تعاملت اسرائيل مع محاولات لبنان جر كميات من مياه نهر الوزاني الى قراه في الجنوب بعنف يوازي العنف الذي تعاملت به مع عمليات الحزب في مزارع شبعا.

ويتشارك لبنان جغرافياً مع اسرائيل بنهر الحاصباني الذي ينبع من اراضيه ويصب في بحيرة طبريا بالاضافة الى نبع الوزاني الذي يصب في النهر المذكور والذي رفع لبنان في اكتوبر (تشرين الاول) 2000 حصته من مياهه الى نحو 9 ملايين متر مكعب رغم التهديدات الاسرائيلية المتكررة والتلويح بـ«الحرب» أيضا. ويؤكد لبنان انه ما يزال تحت سقف حصته المشروعة من مياه النهر الذي تقدر الامم المتحدة ان منسوبه يبلغ بين 130 و151 مليون متر مكعب.

وقد تدخلت الولايات المتحدة وبعثت بخبراء مياه زاروا لبنان للتأكد من عدم تخطي لبنان حصته، لكن المسؤولين اللبنانيين ما يزالون متمسكين بحقهم في استغلال مياه النهر التي احتكرتها اسرائيل وحدها طوال 22 عاماً، علماً بأن اية مفاوضات لتقاسم المياه لم تجرِ حتى الان. وقد اكد لبنان في هذا الاطار على ان هذا الدور منوط بالامم المتحدة.

وخلف الاحتلال الاسرائيلي وراءه نحو 500 الف لغم ارضي موزعة على حقول عند خطوط التماس السابقة وحول المواقع الاسرائيلية السابقة، بلغ عدد المكتشف منها 527 حقلاً. وقد امتنعت اسرائيل بادئ الامر عن تقديم خرائط لهذه الحقول ثم قدمت بعد نحو سنة خرائط تبين في ما بعد انها مغلوطة وناقصة.

وقد أودت هذه الالغام بأرواح نحو 900 لبناني وتسببت بإعاقة نحو 1000آخرين، بينهم نحو 20 قتيلاً و80 جريحاً مدنياً، وقتيلان و13 جريحاً عسكرياً بينها اربع حالات بتر في الاطراف.

وما تزال وحدات الجيش اللبناني الذي تتخطى المشكلة امكاناته تحاول ازالة الالغام بمؤازرة برامج دولية وعربية ابرزها برنامج التضامن الاماراتي الذي انهى عمله بتنظيف المنطقة الموكلة اليه الشهر الماضي.

أما قضية الاسرى والمعتقلين في السجون الاسرائيلية فما زالت عالقة بدورها، فالسلطات الاسرائيلية تحتجز نحو 16 لبنانياً ينتمون الى فصائل مقاومة مختلفة وبعضهم مسجون منذ 24 عاماً كسمير القنطار الذي اصبح يعرف بعميد الاسرى والمعتقلين .

وتأخذ لجنة دعم قضية الاسرى المعتقلين في السجون الاسرائيلية على الدولة اللبنانية «تناسيها هؤلاء». وقد طالبت في مذكرة رفعتها الاسبوع الماضي الى وزارة الخارجية بتحرك فعال في المحافل الدولية، وشكت من ان الحكومة لا ترى سوى الطائرات الاسرائيلية التي تخترق الاجواء اللبنانية لتشكوها الى الامم المتحدة.

والى هؤلاء ما يزال نحو 2500 اسير محرر لبناني ينتظرون وصول التعويضات المقررة لهم عن سنوات الاسر والتي صدرت بقانون عن مجلس النواب بعد اعتصامات قام بها الاسرى، وهم يهددون اليوم بالعودة اليها اذا لم تبادر وزارة المال الى دفع تعويضاتهم، فيما يبرر وزير المال فؤاد السنيورة هذا الوضع بانهماك وزارة المال في الانتقال من موقع الى آخر.

ويحتفظ «حزب الله» بثلاثة جنود اسرائيليين اسرهم في عملية عسكرية في منطقة مزارع شبعا في سبتمبر (ايلول) 2000 بالاضافة الى العميد في المخابرات الاسرائيلية الخنان تتنباوم الذي تم استدراجه الى لبنان بعدها بنحو اسبوع.

وما تزال المفاوضات لتبادل الاسرى متعثرة بين الجانبين منذ ذلك التاريخ، ذلك ان «حزب الله» يصر على ان لكل معلومة عن هؤلاء الاسرى ثمنها خصوصاً وضعهم الصحي مما دفع اسرائيل الى اعلان وفاتهم تهرباً من ضغوط اهالي الاسرى. وقد طلب «حزب الله» ثمناً غالياً للاسرى الموجودين لديه، اذ اصر على تضمين اية عملية تبادل الاسرى العرب والفلسطينيين في السجون الاسرائيلية وهو ما رفضته اسرائيل بشدة. وقدم الحزب عرضين لمبادلة الاسرى خلال الانتفاضة للافراج عن امين سر منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة مروان البرغوثي، ثم لفك الحصار عن مقاتلين فلسطينيين في مخيم جنين، غير ان اسرائيل لم ترد على العرضين.

ويكاد لا يمر يوم من دون ان تخترق الطائرات الاسرائيلية والبوارج الحربية المجال الجوي والمياه الاقليمية اللبنانية رغم ادانة الامم المتحدة لهذه الخروقات التي تقارب المائة خرق اسبوعياً. وقد احصى الاعلام الحربي في «حزب الله» 7059 خرقاً اسرائىلياً جوياً وبحرياً وبرياً منذ 17 يونيو (حزيران) 2000.

و بادر «حزب الله» مؤخراً الى مواجهة الخروقات الجوية الاسرائيلية باطلاق نيران مضاداته الارضية في اتجاه الطائرات الاسرائيلية عند الحدود بحيث تسقط شظايا هذه القذائف على المستوطنات الاسرائيلية احياناً التي يهرع سكانها الى الملاجئ، في محاولة من الحزب للحد من هذه الطلعات.