رجال الدين الشيعة في العراق ينشرون أعوانهم لتعزيز نفوذهم في ظل استمرار الانقسامات بين المراجع الدينية في النجف

مراقبون استبعدوا أن يتمكن الأميركيون من تهميشهم وآخرون شككوا في نياتهم «الديمقراطية»

TT

بغداد ـ أ.ف.ب: برز رجال الدين الشيعة في فترة فراغ السلطة التي اعقبت سقوط نظام صدام حسين في العراق، غير ان قياس درجة تأثيرهم يظل امرا صعبا خاصة في ظل الانقسام بين مراجع «الحوزة العلمية» في النجف الاشرف. ويتنافس كل من مقتدى الصدر نجل آية الله محمد صادق الصدر الذي اغتيل سنة 1999 في النجف وحزب الدعوة الاسلامية والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق (معارضة سابقة تتخذ من طهران مقرا) بزعامة آية الله محمد باقر الحكيم، على الزعامة السياسية للشيعة الذين يشكلون الغالبية في العراق.

ومع ابقاء المراجع الدينية الكبرى في النجف على حالة من الغموض بشأن خططها ودورها الروحي والسياسي في عراق ما بعد صدام حسين، فان المعطيات الميدانية تشير الى ان رجال الدين بدأوا يزرعون اعوانهم خاصة في المعاقل الشيعية التقليدية.

ويوجد «ممثلون» للحوزة العلمية الشيعية في النجف (100 كلم جنوب بغداد) في بعض مستشفيات مدينة الصدر (مدينة صدام سابقا)، الضاحية الشيعية الفقيرة في بغداد، يتولون الامن واحيانا دفع الرواتب ومراجعة الحسابات ومراقبة التصرف.

يشار الى ان الحوزة العلمية التي يمثل آية الله علي السيستاني ابرز مراجعها في النجف، تتولى اضافة الى الافتاء والتوجيه الديني جمع «الخمس» والتصرف فيه. ولا يعترف تيار الصدر بمرجعية السيستاني، معتبرا اياها «مرجعية تقليدية»، ويؤكد رمزه مقتدى، 30 سنة، الذي لم يصل بعد الى مرتبة الاجتهاد، ان تياره لا يؤمن الا «بالمرجعية الناطقة» التي تتدخل في مختلف مجالات الحياة الروحية والاجتماعية والسياسية.

وفي مدارس البصرة (جنوب) عين رجال الدين مديرين جددا واعادوا الحياة للنظام التربوي، كما افاد جيفري كيل من صندوق الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، الذي اعتبر هذه الظاهرة «ليست مفاجئة بالمرة». واوضح «ان رجال الدين كانوا ينشطون اجتماعيا في ظل النظام السابق. وفي ظل الفراغ الذي اعقب سقوط نظام صدام حسين كانوا السلطة الوحيدة التي بامكانها التحرك». وتثير هذه الحركة مخاوف، حتى ضمن الشيعة انفسهم، من وقوع قسم من الشعب ومعظمهم من المعوزين في براثن التطرف. وزادت من شدة هذه المخاوف خطب تحدثت عن «اسلمة» المجتمع القاها في الآونة الاخيرة بعض الائمة منهم محمد الفرطوسي في مدينة الصدر ومقتدى الصدر في الكوفة (150 كلم جنوب بغداد).

وحذر استاذ الاقتصاد في جامعة بغداد همام شمعة (شيعي) من «ان القوى المتعصبة والرجعية تملك تأثيرا مهما جدا في السكان». واضاف ان «الشيعة منعوا لمدة 35 سنة من ممارسة شعائرهم والتعبير عن انفسهم. وحرموا من التعليم ومن (التعرف على) اي رؤية علمانية»، معربا عن تشككه في امكانية منع الاميركيين رجال الدين من المشاركة في السلطة، وقال «انهم يملكون حظوظا وافرة لانتخابهم ديمقراطيا». من جهته اعتبر المحلل الكردي عبد القادر بريفكاني الذي يشك في صدق توجهات قادة الشيعة لجهة الديمقراطية «اذا تدخل الدين في السياسة فان ذلك سيمثل كارثة».

غير ان الشيخ حسين الزنزاني مسؤول مكتب اعلام الحوزة الذي فتح اخيرا في بغداد، يرفض هذه الاتهامات ويقول «اننا لا نسعى الى اي مكسب سياسي من تحركنا». واضاف «نحن نقوم بدور تقديم النصح وبدور تربوي. الناس يريدوننا، وهم يتعاملون بريبة شديدة مع اولئك القادمين من الخارج ويدركون اننا نقوم بكل ما في وسعنا من اجلهم. نحن في قلوبهم». وفي المقابل رأى علي، وهو من سكان مدينة الصدر، ان «القول ان سقوط نظام صدام جلب لنا حرية ممارسة شعائر ديننا صحيح، غير انه في ما عدا ذلك فان الاوضاع اسوأ مما كانت عليه ولا احد يساعدنا سواء من الاميركيين او رجال الدين»، متهما الائمة المحليين بتوزيع المنافع التي يحصلون عليها على اسرهم واصدقائهم. من جهته رأى صالح وهو طبيب اسنان في حي الكاظمية الشيعي، انه «بالنظر الى عدم وجود سلطة تماما فان سلطة رجال الدين افضل من لا شيء. غير اني اعتقد ان تأثيرهم سيتضاءل مع اقامة حكومة عراقية».