الداعية المغربي محمد الفزازي لـ«الشرق الأوسط»: تيار «السلفية الجهادية» غير موجود في المغرب واتهامي بزعامة «التكفير والهجرة» يضحك الأجهزة الأمنية

قال: إذا كانت الحداثة هي العري والتفسخ ونبذ قيم الأمة فهذه زندقة نكفر أصحابها

TT

عبر الداعية الشيخ محمد الفزازي، أبرز رموز الحركة الإسلامية في مدينة طنجة المغربية، عن استنكاره لتفجيرات الدار البيضاء، التي وصفها بأنها «إرهابية». بيد أنه رفض التفسيرات الصادرة عن بعض المسؤولين المغاربة، مطالبا بالتفسيرالصحيح لما حدث ونفى الشيخ الفزازي، في حديث ادلى به لـ«الشرق الأوسط» في مسكنه في طنجة، ما تردد عن اعتقاله على خلفية هذه التفجيرات، مثلما نفى أي وجود لتيار «السلفية الجهادية» في الساحة المغربية، من حيث هو تيار أو كيان أوجماعة ذات أهداف. وبخصوص اتهامه بزعامة تنظيم «التكفير والهجرة»، أوضح أن «الأجهزة الأمنية أول من يضحك من هذه الادعاءات الرخيصة.

كيف تلقيتم خبر تفجيرات الدار البيضاء؟

كل نبأ من الأنباء التي تنطوي على دماء وأشلاء، لا شك أن كل مسلم يستقبلها بشيء من الاستنكار والامتعاض. هذا بالنسبة لي أنا المغربي إذا وقعت هذه التفجيرات في بلد خارجي. أما وأنها في المغرب فقد تلقيناها بكامل الدهشة، وبثقل المفاجأة، لأن بلدنا لم يتعود على مثل هذه الأعمال التي لا تدخل في ثقافتنا ولا في أدبياتنا ولا في سلوكياتنا.ومن ثم كغيري من الناس تلقيت النبأ بكامل الدهشة.

* ما هو تعليقك على هذه التفجيرات؟ ـ تلقيت تفسيرات بعض المسؤولين المغاربة بشيء من الرفض. لقد أجمعت القوى الوطنية على عدم تبرير ما حدث، لكن نحن بصدد التفسير لا التبرير. والتفسير يقول حسب المنطق لو كان الفاعلون فعلوها للنيل من المغاربة لأنهم مغاربة كما جاء في بعض التفسيرات، لكان الأولى أن يفجروا الأسواق أو ناطحات السحاب على ساكنيها، أو يفجروا أي مكان آخر تتجمع فيه الجموع من الناس كملاعب الرياضة وما شابه ذلك. لكن هذا لم يحدث، مما يدل على أن الهدف ليس هو الناس. ولو كان المراد هو النيل من المسار الديمقراطي لتم ضرب البرلمان أو سواه من المؤسسات التي تشكل رموزا للديمقراطية، لكن شيئا من هذا لم يحدث. ولو كان المراد هو النيل من المغرب لأنه مغرب لتم تفجير المطار أو الميناء. ولو كان المراد هو النيل من الحرية، لضربوا مصادر هذه الحريات بين قوسين، كأن يفجروا القناة التلفزيونية الثانية مثلا، باعتبارها لسان الإباحية والحداثة المزعومة، أوأن يفجروا دور الطباعة والنشر لصحيفتي «الاتحاد الاشتراكي» و«الأحداث المغربية» وما شابه ذلك.

أما وأن الأمر لا يمت إلى هذه الأشياء بصلة ويهدف، حسب زعمهم إلى النيل من المصالح الإسرائيلية- الغربية، فينبغي أن نقول للشعب إن هؤلاء، بصرف النظر عن من هم، من الداخل كانوا أم من الخارج، ينالون من الغرب في سياق الحرب المفتوحة بين الجماعات المقاتلة في خارج البلد وبين أميركا وحلفائها.

* لكن الضحايا كانوا معظمهم مغاربة؟

ـ نعم. كانوامعظمهم مغاربة. كم كانوا؟ أربعين؟ ثلاثين؟ كان في الإمكان أن يقتلوا المئات، بل آلالاف، لو فجروا أي سوق من الأسواق المزدحمة في الدار البيضاء هل نفهم أنك تتعاطف مع الفاعلين؟

نحن نتعاطف مع الشعوب المجاهدة لنيل حريتها. لكن تعاطفنا مع هذه الجهة أو تلك لا يعني بالضرورة أن نتعاطف معهم في حالة ما إذا أصبحت بلادنا مستهدفة، وهي لا تستحق كل هذا الضغط. نحن نرى أن هذا العمل لا يجوز ولا يليق، والمغرب لا يستحق هذه الضربات وكيف تفسر ذلك؟

أنا شخصيا من المعارضين بأقسى ما تكون الشدة للحكومة المغربية، منذ أن كنت ولا أزال.وأكتب كتبي وانشرها داخل البلد، وانتقد الحكومة بكامل الحرية والعفوية من دون أن يعترض سبيلي أحد.فهناك هامش كبير من الحرية في التعبيرعن الرأي، وأظن أن بلدا مثل هذا لا يستحق أن ينال منه بهذا الشكل الذي لا نقره ولا نرضى به، أيا كان الفاعل.فكل المغاربة مستاؤون من تفجيرات الدارالبيضاء، وكلهم لا يرضون بما حدث.لكننا نطالب بالتفسيرالصحيح لما حدث.

أما وأن تركب فئات معينة الموجة من أجل النيل من المسلمين، والنيل من الدعاة إلى الله، أو من الإسلاميين الذين يزاحمونهم صناديق الاقتراع الانتخابي ومقاعد البرلمان، فهذا أمر خسيس، ينبغي أن يتجاوزه الجميع

* أي وصف تختارونه لهذه التفجيرات؟

ـ هذه التفجيرات هي تفجيرات، ينبغي أن تسمى باسمها.فإذا كان ولا بد أن نعطيها اسما معينا فهو الإرهاب

* ما هو رأيك في الأشخاص الذين ارتكبوها؟

ـ أولا ، ينبغي أن نعرف من هم هؤلاء.فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. من هم هؤلاء الذين ارتكبوا هذه الأفعال؟ ولماذا ارتكبوها؟ ومن وراءهم؟ وما هي أهدافهم؟ هذه أسئلة جوهرية ينبغي أن تتم الإجابة عنها رسميا، وبالتالي يتم التنديد أو التبرير أو التفسير أو ما شابه، إذا تم يتم عن بينة وعن رؤية صحيحة.

فإذا كان لا بد أن تستفسروا عن رأيي في الموضوع، فلا أظن أن يكون المخططون لمثل هذه الأفعال من المغاربة أبدا. وإن كنت لا أستبعد أن تكون أدوات التنفيذ مغربية

* تردد في الايام السابقة خبر اعتقالك إثر تفجيرات الدار البيضاء، ما صحة ذلك؟

هي وشاية ليس إلا، فوجئت بها شخصيا. قرأت الخبر ككل الناس. وتردد الخبر طيلة يومين في عدة نشرات إخبارية بقنوات فضائية نقلا عن «مصدر مطلع» مدعية أن السلطات المغربية أقدمت على اعتقالي على خلفية تفجيرات الدار البيضاء، وكل هذا لا أساس له من الصحة البتة. أنا لم يعتقلني أحد، ولم يستدعني أحد، بل ولم يعترض طريقي أحد. فأنا حر طليق والحمد لله. ولا حاجة لأحد بأن يمسني أو أن يعتقلني لأنني أكبر من هذه الأعمال التي لا تمت إلى خلقي بصلة

* هل معنى هذا أنك لم تتعرض لأية مضايقات أمنية بعد هذه التفجيرات؟

ـ أبدا.

يحسبك البعض على تيار «السلفية الجهادية»، ما صحة ذلك؟

هذا قولهم بأفواههم. مجرد قول يلوكونه بألسنتهم لا أساس له من الصحة. هل تدري لماذا؟

لماذا؟

ـ لأن تيار «السلفية الجهادية» غير موجود البتة في الساحة المغربية، من حيث هو تيار أو كيان أو جماعة ذات أهداف وأمير.لا وجود لهذا التيار في الشارع المغربي إطلاقا واتفاقا. هناك بعض الناس ربما يستحسنون التسمية، مجرد التسمية.أما أن يكون هناك تيار يحمل هذا الاسم، له معاني معينة وأدبيات وأهداف معينة، فأنا أتحدى أيا كان أن يدلني عن هذا التيار في هذه البلاد.

كذلك أحيانا ينسبونني إلى كوني زعيما لتنظيم «التكفير والهجرة»، وهذا أمر يضحك من يعرفني، ولا سيما أن الأجهزة الأمنية أول من يضحك على هذه الادعاءات الرخيصة. فأنا رجل تعليم متقاعد. والموظفون من المستحيل أن يكون أحدهم تابعا لتنظيم «التكفير والهجرة».

لماذا هذه الاستحالة؟

تنظيم «التكفير والهجرة» يكفر بكل ذنب، ويكفر المسلمين قاطبة ودون استثناء. فكيف يكون الواحد زعيما لـ«التكفير والهجرة» وهو موظف في التعليم؟ وهو إمام في مسجد؟ هذه تهم رخيصة جدا، جدا جدا.

* إذن إلى أي تيار تنتسب؟

ـ قبل عامين أسست جمعية «أهل السنة والجماعة»، وهي جمعية ذات أهداف دينية بحتة. وحتى الآن لم ترخص لنا السلطات بهذا الإطار الذي نود أن نعمل فيه في واضحة النهار.وحيث أن هذا الإطار لم يتوفر فأنا من الدعاة إلى الله عز وجل، حر من كل التبعات، وأنا في كل مكان من البلاد، أحاضر في دور الثقافة ودورالقرآن والجمعيات دون أي تضييق أو منع، اللهم إلا ما كان من المنع الذي تعرضت إليه من إلقاء خطبة الجمعة والدروس في المساجد، نظرا لموقفي من العدوان الأميركي على الشعب الأفغاني

* هل معنى هذا أنك لا تنتسب لأي تيار؟

ـ إطلاقا

* في ماذا تختلف مع الجهات المسؤولة؟

ـ نحن نطالب الحكومة المغربية أن تحذف ما تتفق معنا على أنه حرام، مثل الخمر والبغاء والرشوة وما شابه ذلك.وأن تطبق بالفعل ما تدعو أنه حق. القرآن عندها مقدس فلتطبق تعاليمه، وكذلك السنة فلتحترمها، والمذهب المالكي فلتلتزم به.

تأخذ عليك بعض الجهات عداوتك للحداثة، ما صحة ذلك؟

ـ إذا كانت الحداثة هي والعري والتفسخ في القيم ونبذ قيم الأمة والتطاول على دين الله عز وجل والتبجح بالكفر وسب رسول الله والطعن في الشريعة، فهذه زندقة، نكفر بها ونكفر أصحابها.

أما أن تكون الحداثة هي الاستفادة من تقنيات العصر، ومن أدوات التكنولوجيا المتوفرة، ومن دفع الأمة إلى الأمام في مجال الرقي الحضاري والعمراني والبحث العلمي، فمن قال إننا ضد هذا التقدم وضد هذا التحديث؟ بل بالعكس نحن دعاة إلى هذه الحداثة، ونحن نستفيد منها، ولا نألو جهدا في أن نتعلم من هذه الآليات. ونتمنى أن تدخل شبكة الأنترنت إلى كل بيت من بيوت المسلمين.

من قال إننا ضد التقدم؟ نحن لا نريد أن نرجع هذه الأمة إلى حياة الصحابة، فنركب الجمل ونتعامل بقلم القصب ونكتب على الألواح ونجلس على الحصير. نحن نريد أن نأخذ قيم الصحابة ومبادئهم في رفع قيمة الإنسان وربط الإنسان بربه وبالإيمان باليوم الآخر. نريد أن نأخذ تلك القيم إلى هذا الزمان، لنعيش في ما بيننا بقيم السلف الصالح، لا أن نرجع نحن إلى الوراء.نريد نقل القيم السامية التي لا تبلى ولا تفنى إلى هذا الزمان، لنعيش على مبادئ الإسلام لا على ما نستورده من مبادئ لا تمت إلى ديننا الحنيف بأية صلة.

إلى أي حد يمكن لتفجيرات الدار البيضاء أن تسيء، أو تشوش على التيارات الأصولية في المغرب؟

التيارات الأصولية في المغرب، على اختلاف مشاربها وأطيافها ستتأثرلا شك بذلك ، لا بالتفجيرات في حد ذاتها، ولكن ستتأثر بتفسيرات اليسار لهذه التفجيرات. فأهل اليسار في المغرب لا يألون جهدا في النيل من الحركات الإسلامية بسبب وبغير سبب. فكيف وأن السبب هذه المرة تفجيرات راح ضحيتها العشرات في قلب العاصمة الاقتصادية. فبدون شك أن تيار اليسار، ولا سيما الاستئصالي منه، سيصول ويجول من أجل سحب البساط من تحت أقدام الحركات الإسلامية، خصوصا تلك التي تنازعه على صناديق الاقتراع من أجل أن يظهر هذه الحركات للشعب المغربي على أساس أنها حركات دم وتقتيل لإسقاط الثقة بها عند جمهور الناخبين.وأظن أن الناس في المغرب على قدر من الوعي بحث لا أظن أن الاستئصاليين يمكن أن يفلحوا في مرماهم هذا.

* بالمقابل إلى أي حد يمكن لهذه التفجيرات أن تساهم في توحيد التيارات الأصولية في المغرب؟

التيارات الأصولية المغربية مختلفة جدا، أحيانا حتى في توابث الدين. لكن في هذه القضية بالذات هي متفقة، فالتفجيرات وحدت الشعب المغربي برمته بكل أطيافه وتوجهاته. والحركات الإسلامية ليست نشازا.

* محمد الفزازي في سطور

* محمد الفزازي، من مواليد قبيلة مرنيسة بضواحي تازة (شمال شرق المغرب) عام 1949 درس القرآن في المساجد العتيقة بالبادية، ثم تلقى الدراسة العصرية في المدارس الرسمية، وتخرج من مدرسة المعلمين بالرباط عام 1970 اهتم بالدراسات الشرعية ونال الإجازة في علوم الحديث مارس الخطابة والوعظ بدءا من عام 1976 في طنجة ألف ما يناهز 20 كتابا منها رسالة الإسلام إلى مرشد جماعة «العدل والإحسان» ألا في الفتنة سقطوا عملاء لا علماء الشورى المفترى عليها والديمقراطية حوارات حية على شبكة الأنترنت لماذا لا نشارك في الانتخابات الديمقراطية؟

فتاوى متسيبة له تحت الطبع أباطيل متداولة بين الشريعة الرفيعة والقوانين الوضعية الوضيعة