منكوب في زلزال الجزائر حاول الانتحار بإحراق نفسه غضبا من «غياب الدولة»

TT

وجدناه في حدود الساعة السابعة من صباح أمس أمام خيمة متراخية، رأسه بين كفيه يراقب بعينيه حركة الشاحنات والسيارات من حوله. كانت أول كلمة تلفظ بها لما اقتربنا منه هي «الدولة لم تتكفل بنا وتركتنا وحدنا نصارع موتا بطيئا ونعيش مهانة لم نكن نتوقعها».

بلال عوقي، 43 سنة، رفض أن يحبس دموعه حتى وهو أمام أحد أولاده. بعد خمسة أيام من الزلزال الذي ضرب مدن وسط الجزائر، ما يزال المنكوبون ينتظرون «الدولة»، ورموز الدولة لدى سكان مدينة زمّوري (60 كلم شرق العاصمة) وهم رئيس البلدية في أسفل القائمة إلى رئيس الدولة في أعلى السلم، لا أحد من هؤلاء قدم لمواساة منكوبي هذه المدينة التي كان بها مركز الهزة والتي أصبحت يوم الخميس أشبه بالأطلال. أغلب المساكن والمحلات والمرافق العمومية تهاوت بفعل الضربة التي بلغت 6.8 على سلم ريختر، أما المباني الأخرى التي لم تنهر فإنها ليست صالحة للسكن أو أن أهلها يخشون العودة إليها خوفا من أن تسقط على رؤوسهم بفعل الهزات الارتدادية التي لم تتوقف منذ مساء الأربعاء.

كان بلال جالسا على صندوق بلاستيكي خاص بزجاجات الصودا، وعلى طاولة خشبية كؤوس قهوة وصحن داخله بضع قطع بسكويت تبرع بها محسنون يأتون من مناطق مختلفة من البلد. وقبل أن نسأله عن ظروف العيش بعد الكارثة التي ألمت به وبمدينته، بادرنا بالإشارة إلى أن هذه الخيمة «وضعها أحد الجيران يوم السبت تحت تصرفنا إلى حين، وهي تؤوي عائلتي وأربع من جيراني.. وحدهم النساء والأطفال الذين يقيمون فيها، أما نحن الرجال فنبقى خارجها نفترش ما وجدناه ونبيت في العراء، كما أن هناك فرقا من الشرطة تقوم بحراستنا وحراسة عماراتنا المنكوبة تحسبا لقدوم اللصوص الذين يحاولون نهب ممتلكات المنكوبين ويهددونهم بالسلاح».

بعض جيران بلال قالوا إنه يعاني وضعا صعبا، وقبل أن يكملوا، قاطعهم هذا الأخير قائلا «أصبت الليلة الماضية بانهيار، وقد صعدت إلى شقتي المهددة بالسقوط وحاولت الانتحار بإضرام النار في جسدي وفي كامل العمارة لعل المسؤولين يتفطنون وينظرون إلى حالنا، وقد منعني من ذلك بعض رجال الشرطة الذين صعدوا وأخذوني إلى المستشفى». وضع صعب يعيشه بلال الذي يعيل 11 ولدا. لم يفقد فقط منزله الواقع في العمارة التي انجزتها شركة حكومية عام 1991، بل انه حتى مصنع «الرياض» بمدينة قورصو والخاص بطحن الدقيق وصناعة العجائن الغذائية، حيث كان يشتغل كرئيس مصلحة، لم يعد صالحا، وجميع الآلات والتجهيزات تضررت بفعل الزلزال. وليس هذا فحسب، فإن «هذه هي مشيئة الله»، كما يقول بلال، لكن المؤسف هو أن لا نجد في الأوقات الصعبة من يأتي إلينا لمواساتنا. سمعنا أن الرئيس بوتفليقة زار عاصمة الولاية (بومرداس)، ورغم أننا لا نبعد عن هذه المدينة سوى بضعة كيلومترات إلا اننا لم نحظ باهتمام الرئيس ولا أحد من وزرائه. بل حتى رئيس البلدية أو المنتخبون الآخرون لم يطلوا علينا للاطلاع على أحوالنا. مضت خمسة أيام ونحن نقاسي الأمرّين من دون أن نرى سيارة رسمية تنزل إلينا». نفس الغصة تخنق الآن سكان هذا الحي، إنهم يتأسفون لأن السلطات العمومية، (أو الدولة كما يحلو لهم تسميتها)، لم تنتبه إليهم ولم تتذكرهم كما تتذكر المقيمين في المناطق الحضرية الأخرى التي يقع عليها التركيز الإعلامي. إنهم لا يريدون طعاما ولا ماء، فالمحسنون من كل جهات الوطن يتكفلون بذلك منذ أول يوم من وقوع الكارثة، بل لديهم ما يكفي وزيادة من الطعام والألبسة، فقط يريدون مكانا يؤويهم وعائلاتهم ويسترهم. وهذا المكان ليس أكثر من خيمة لائقة لكل عائلة. المساعدات الأجنبية تتضمن الكثير من الخيم، لكنها في العادة لا تصل إلا بعد أيام طويلة وقد لا تصل أبدا إلى المناطق النائية مثل مدينة زمّوري، هذه المدينة التي فقدت حوالي مائة من سكانها وسقط المسجد الوحيد فيها رغم أن الأشغال لم تنته به إلا قبل أسابيع قليلة.

أحد شباب المدينة شدد على مسألة «غياب الدولة»، ورأى أن ذلك هو الذي زاد في انهيار معنوياتهم. هؤلاء الذين فقدوا طفلا من أبناء الحي بقي لمدة 24 ساعة كقطعة لحم بين حائطين سقطا عليه وهو أمام مدخل العمارة، لم يستطع أهل الحي إخراجه إلا بعد أن تحرك والده صباح الخميس لإحضار رافعة بعد أن بقي طول الليل جالسا قرب جثته.

سكان زمّوري وباقي المدن المنكوبة يقولون إنهم معزولون عن العالم، لا يعرفون ماذا يجري في باقي المدن. إنهم يستقون المعلومات من فرق المتطوعين والمتبرعين الذين ينقلون إليهم بعض ما يرونه في مدن منكوبة أخرى أو يحضرون لهم بعض الجرائد، وقليل من المحظوظين يتابعون نشرات الأخبار الإذاعية داخل سياراتهم، وفي بعض الأحيان ينزل إليهم من يمدهم بهواتف نقالة للاتصال ببعض ذويهم وأصدقائهم.