خليفة بن زايد آل نهيان لـ«الشرق الأوسط»: الوضع في العراق يسبب حالة عدم توازن في المنطقة وهيكلة الحياة السياسية هناك يجب ان تتم وفق إرادة الشعب العراقي

التغيير في المجلس الوطني الاتحادي بالإمارات مرتبط بالحاجة وقد يطال أسلوب اختيار الأعضاء وعددهم وصلاحيات المجلس * نقف بكل إمكانياتنا إلى جانب أشقائنا في السعودية والمغرب في مواجهة الإرهاب

TT

* الحديث عن رسم خريطة جديدة للمنطقة تعبير عن حالة ظرفية ولا يمثل بالضرورة خططا سياسية لأي طرف

* سورية تتحرك بعقلانية وواقعية وحوارها مع واشنطن ساهم في تطور التفاهم بين البلدين

* لا قيود أمام دخول المرأة الإماراتية للمجلس الوطني أو انضمامها لعضوية الحكومة

* حريصون على استمرار الحوار مع الإخوة في إيران باعتباره الطريق الأمثل لحل الخلافات

* يبدأ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، ونائب القائد الاعلى للقوات المسلحة بدولة الامارات اليوم زيارة لبريطانيا تستغرق عدة ايام وتشكل محطة مهمة في علاقة تاريخية مستمرة بين البلدين، كما انها تتزامن مع التطورات الجارية في العراق والشرق الاوسط والحرب على الارهاب مما يعطيها دلالات سياسية عديدة.

وقبيل وصوله الى لندن أدلى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بحديث شامل لـ«الشرق الأوسط» تناول اجندة محادثاته مع مضيفيه البريطانيين، مركزاً على ان محادثاته ستتناول الوضع في العراق والقضية الفلسطينية بعد اعلان خارطة الطريق والاحداث الارهابية خاصة الموجة الاخيرة التي استهدفت السعودية والمغرب.

وشدد الشيخ خليفة في ما يتعلق بالوضع في العراق على ان الحرب الاخيرة ما زالت تلقي بظلالها على المنطقة برمتها وتسبب حالة من عدم التوازن، داعياً الى التوجه سريعاً نحو اعادة هيكلة الحياة السياسية بالشكل الذي يختاره الشعب العراقي ورغم ان الشيخ خليفة لم يستبعد امكانية انضمام العراق الى منظومة مجلس التعاون وتأكيده على ان الاحتمالات في هذا الشأن مفتوحة، الا انه اعتبر هذه المسألة سابقة لاوانها، مشيراً الى ان توجهات العراق السياسية والاقتصادية المستقبلية ستبين مدى الفائدة المشتركة لوجود العراق ضمن اطار مجلس التعاون.

وجدد الشيخ خليفة في حديثه ادانة بلاده الشديدة للاعتداءات الارهابية التي وقعت في السعودية والمغرب، مؤكداً ان هذه الاعتداءات استهدفت الامن والاستقرار العربيين. وذكر ان الاعتداءات الارهابية تؤكد مدى التخبط الذي يتسم به عمل من يقومون بهذه الاعمال خلف شعار الدين من حيث انهم باتوا يستهدفون بلداناً تحمي الدين الاسلامي وتسخر امكانياتها في خدمته.

وقلل الشيخ خليفة من قيمة التحليلات التي تتحدث عن اعادة رسم خريطة المنطقة بعد الحرب على العراق، وقال ان هذه التحليلات املتها ظروف آنية. واشار الى ان وتيرة التجاذبات السياسية هدأت وبرزت بعدها مفردات الحوار والتفاهم والتي تجسدت في الحوار بين الولايات المتحدة وسورية. وامتدح موقف سورية، وقال انهم يتحركون بعقلانية وواقعية سياسية عرفوا بها.

* ما هي ابعاد زيارتكم الى بريطانيا؟ وما هي الموضوعات المدرجة على اجندة البحث مع المسؤولين البريطانيين؟

ـ دولة الامارات العربية المتحدة وبريطانيا ترتبطان بعلاقات ذات جذور تاريخية عميقة، وقد وصلت الى درجة عالية من التطور والرسوخ بفضل السياسة الحكيمة للوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، التي وضعت قواعد ثابتة لعلاقاتها الثنائية مع بريطانيا والدول الاخرى، وفي مقدمتها الاحترام المتبادل في التعامل والحرص على المصلحة المشتركة والتشاور في كل الامور التي تهم الطرفين، الامر الذي ساعد على بناء قاعدة من الثقة ساهمت في تعميق الصلة بين البلدين، ودفعت نحو علاقة ذات ابعاد سياسية واقتصادية وثقافية مدعومة باتفاقيات ثنائية في مجالات مختلفة وسمحت للبلدين بتبادل القدرات والخبرات ضمن اطار من المصالح المتوازنة والفوائد المشتركة.

ان لبريطانيا، كدولة كبرى، دوراً مهماً ومؤثراً في القضايا العالمية والاقليمية وبالتالي فان التشاور معها وتبادل الرأي مع حكومتها يصبح امراً هاماً وضرورياً خاصة في القضايا والتحولات التي تمس بشكل مباشر مستقبل منطقتنا وأمنها واستقرارها.

من هذا المنطلق فاننا سنناقش مع الاصدقاء البريطانيين، اضافة الى العلاقات الثنائية للبلدين، التطورات في العراق الشقيق على اصعدتها السياسية والانسانية، كذلك الامر تطورات مشكلة الشرق الاوسط، ونعني بها القضية الفلسطينية التي دخلت منعطفا جديدا بعد اعلان خارطة الطريق وتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، وهناك ايضاً الاحداث الارهابية المؤسفة التي شهدتها الشقيقتان السعودية والمغرب، والتي نرى ان للمجتمع الدولي والقوى المؤثرة فيه، ومنها بريطانيا دوراً رئيسياً في عملية التصدي لها سياسياً وثقافياً وامنياً، ومواجهة اسبابها وآثارها التي لم تعد تقف عند حدود منطقة بعينها او شعوب بذاتها، بل اصبحت في ظل غياب لغة الحوار ومنطق العقل، تهدد مجتمعاتنا الامنة ومثلها وقيمها التي قامت عليها ونشأت.

* وضعتم موضوع العراق ضمن مقدمة اجندة محادثاتكم في بريطانيا، ما هي رؤيتكم لمستقبل هذا البلد في ضوء النتائج التي اسفرت عنها الحرب، وما افرزته من قوى سياسية هناك؟

ـ المتتبع لسياسة دولة الامارات الخارجية، يستطيع ان يلمس مدى الاهتمام والحرص الذي اولته للعراق الشقيق باعتباره بلداً عربياً محورياً تنعكس الازمات التي يمر بها على حالة التضامن العربي وعلى امن واستقرار المنطقة.

من ناحية اخرى، فان هذا البلد وشعبه الشقيق قد مر بمنعطفات حرجة وخطيرة هددت امنه الوطني والاجتماعي، وسببت الكثير من المعاناة الانسانية والاجتماعية لشعب يستحق ان ينعم بالاستقرار والرفاه، خاصة ان الله قد منح هذا البلد العزيز مقومات الرخاء من ثروات طبيعية وبشرية.

ان الحرب الاخيرة التي ما زالت تلقي بظلالها على المنطقة برمتها، تسببت في حالة مما يمكن ان نسميه بعدم التوازن، والتي نعتقد انها ستزول في حال خروج العراق من ازمته، عائداً الى دوره العربي والاقليمي والدولي بعد ان غاب عنه لسنين طويلة، اما بالنسبة لرؤيتنا المستقبلية، فاننا واثقون من ان شعب العراق لديه القدرة والامكانية للوصول الى رؤية مشتركة وموحدة لمختلف فئاته وشرائحه السياسية والاجتماعية، والتي لا نرى انها افراز للحرب كما جاء في سؤالكم، بل انها جزء اساسي من النسيج العراقي، والتي غابت عن الحياة السياسية والاجتماعية في العراق لظروف يعرفها الجميع.

ان حالة عدم التوازن التي تحدثنا عنها، تتجلى واضحة في الساحة السياسية العراقية الآن، وتأتي كنتيجة طبيعية للتحولات الكبيرة التي حدثت، ليأتي بعد ذلك دور ابناء العراق في اختزال هذه المرحلة، والتوجه سريعاً نحو اعادة هيكلة الحياة السياسية بالشكل الذي يختاره الشعب ويرضاه، ونحن واثقون من رجاحة وحنكة الكثير من رجالات هذا البلد العظيم في القيام بمثل هذا الدور وانهاء حقبة صعبة وقاسية كان الضحية الاولى والاخيرة لها هو الشعب العراقي الشقيق.

* بعد عودة العراق الى حالته الطبيعية، وبناء مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هل تتوقعون انضمامه الى مجلس التعاون الخليجي؟

ـ مجلس التعاون الخليجي هو الاطار الجامع لمجموعة دول التقت في عوامل مشتركة عديدة قبل ان يقوم المجلس، فهذه الدول شكلت كتلة سياسية واقتصادية واجتماعية متشابهة تقريباً، فتقاربت في هذا الاطار لقناعتها بأن توحدها سينعكس ايجابياً على عالمها العربي الذي لم تتحرك بمعزل عنه، بل دعمت كل خطوات تقاربه ووحدته.

ضمن هذا الاطار، لا نجد العراق الشقيق بعيداً جغرافياً عن دول المجلس، بل يكاد يشكل عمقاً لها، لكن هناك عوامل اخرى عديدة تحدد جدوى انضمامه الى هذه المنظومة من عدمها، وهو امر نجد من السابق لأوانه الخوض فيه، فالأيام المقبلة وتوجهات العراق السياسية والاقتصادية سوف تبين لدول المجلس والعراق مدى الفائدة المشتركة لوجودهما ضمن هذا الاطار، فالاحتمالات في هذا الخصوص مفتوحة، خصوصا ان العراق الشقيق له تجربة سابقة في العمل الخليجي المشترك على الصعيد الاجتماعي والثقافي، اوقفتها للأسف الظروف المؤسفة التي رافقت اجتياح الكويت، وهي تجربة مفيدة.

* هل يعني هذا ان فكرة انضمام العراق لمجلس التعاون غير واردة حالياً؟

ـ لا نريد هنا ان نركز على هذا الامر، فالأولوية الآن لإعادة اعمار العراق ولملمة جراحه بعد ثلاث حروب مدمرة، وهو ما تضعه دول المجلس على رأس اولويات علاقتها مع العراق الشقيق، ولم تتأخر دول المجلس قبل الحرب واثنائها وبعدها في اداء دورها المطلوب، فبذلت قصارى جهدها للتخفيف من معاناة الشعب العراقي فعلاً وعملاً، وتخطط لتقديم كل ما من شأنه المساعدة في بناء عراق قوي معافى، له دوره العربي والاقليمي المتناسب مع حجمه كدولة محورية كما ذكرت.

* هل ستطرحون بهذا الخصوص نقاطا محددة في محادثاتكم في بريطانيا؟

ـ موقفنا بهذا الخصوص واضح ومعلن، وهو مساعدة العراق على قيام حكومة عراقية قادرة على التوظيف الافضل للثروات والامكانيات البشرية لهذا البلد فيما يخدم شعبه، وان نرى عراقاً فاعلاً بايجابية مع اشقائه العرب، صديقاً لجيرانه، متجاوزاً الماضي الى المستقبل الذي يحتاج لجهد ووقت ابنائه بمساعدة اشقائه واصدقائه.

بهذا الخصوص، نرى ان للاصدقاء البريطانيين دوراً مؤثراً في تحقيق هذا الهدف، لما لهم من قوة سياسية وعسكرية كان لها دورها في رسم الاحداث والتحولات الاخيرة.

* شهدت المنطقة في الفترة الاخيرة حوادث، يرى البعض انها من افرازات الحرب الاخيرة، ونقصد بها التفجيرات الارهابية في السعودية والمغرب، كيف تنظرون الى هذا الامر؟ وما هي برأيكم ابعاد هذه الحوادث على استقرار المنطقة ككل؟

ـ الارهاب كظاهرة، هو من الافرازات السلبية التي ترافق عملية تطور المجتمعات السياسية والاقتصادية، وقد عانت منها العديد من دول ومناطق العالم المختلفة عبر تاريخ طويل ومستمر حتى يومنا هذا.

وفق ذلك، لا نرى في الارهاب وفي الاحداث الاخيرة على وجه الخصوص إفرازاً من افرازات الحرب الاخيرة فقط، بل يمكن ان نقول بشكل عام ان الحروب وسط مشجع وحاضن للفكر الارهابي، ومن هذا المنطلق نجد في تكريس السلام العالمي تجريداً للارهابيين من اهم ادواتهم، وسحباً للذرائع التي ينفذون من خلالها الى فكر بعض الشباب.

اما بخصوص الاعتداءات الارهابية على الشقيقتين السعودية والمغرب، فإننا نرى فيها استهدافاً للامن والاستقرار العربيين، وان نتيجة اعمال مثل هذه، لا يمكن ان تصب الا في صالح اعداء العرب والمسلمين.

ان محاولة اقران هذه الاعمال العدائية الدموية بالفكر الاسلامي واستهداف بلدان تحمي الدين وتسخر امكانياتها في خدمته، يدخل الامر في مفارقة تبين لنا تخبط هؤلاء وضياعهم في متاهات تحولهم، ليس الى طاقات معطلة فحسب، بل الى طاقات عدائية موجهة الى نهضة الامة الاسلامية وتقدمها، وقوة داعمة لكل من يعادي الاسلام وفكره مسيئين الى قضايانا العادلة، مجردينها من عناصر قوتها وعدالتها.

اننا اذ ندين مثل هذه الاعتداءات، وإذ نعبر عن استنكارنا لها اياً كان مصدرها، فاننا ايضاً نقف وبكل امكانياتنا الى جانب اشقائنا في السعودية والمغرب في تصديهما ومواجهتهما للجناة ومن يقف خلفهم، مثلما كنا وما زلنا جزءاً فاعلاً في المواجهة العالمية للارهاب في اي مكان كان من اجل اجتثاثه واستئصاله.

* تتداول الاوساط السياسية عبارة ترددت كثيراً وهي «ان الحرب على العراق بداية لاعادة رسم خارطة المنطقة». هل تجدون ان هذا الامر ممكن الحدوث على ضوء ما تعرضت له سورية من ضغوط في الفترة الاخيرة؟

ـ تصاحب الحروب عادة، حملات سياسية لا تمثل بالضرورة خططاً او توجهات سياسية لهذا الطرف او ذاك. من بين هذه الحملات العبارة التي اوردتموها، وهي اعادة رسم خارطة المنطقة، إننا نرى فيها عبارة املتها ظروفها الانية، وانها لم تكتسب بعداً رسمياً ورد ضمن بيانات محددة، وهذا ما اثبتته الفترة التي اعقبت توقف العمليات العسكرية، اذ هدأت وتيرة التجاذب السياسي، وبرزت مفردات الحوار والتفاهم، وهذا ما لمسناه في تطور العلاقة بين الولايات المتحدة وسورية في الفترة الاخيرة، فقد وجد البلدان صيغة لتبادل وجهات النظر، وطرح رؤية كل منهما للاحداث الاخيرة وافرازاتها، وهو امر سيساهم في ازالة التوتر ان وجد، ويغلب لغة التفاهم، خصوصاً ان ما ينطبق على بلد ما، لا ينطبق بالضرورة على بلد آخر، فما شهده العراق مختلف عما عداه، فهناك اشكالية قرارات الامم المتحدة والحروب المتكررة وما خلفته من اشكالات كبيرة، مهدت للحرب، بعد ان دخلت المشكلة العراقية في طريق مسدود.

الاخوة في سورية، يعون كل هذا، ويتحركون بعقلانية وواقعية سياسية عرفوا بها، وكان من افرازاتها الايجابية، طرح المبادرة السورية المطالبة بأن تكون منطقة الشرق الاوسط بكل دولها، منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل.

اننا نرى ان ما تشهده الساحة العربية من تحركات سياسية، ليس سببه الضغوط الخارجية، بل الشعور بالحاجة الى التغيير، من اجل الدخول بالمنطقة ضمن حركة التغيير العالمي خصوصاً ان شعوبنا لديها من الكفاءة والرجاحة ما يؤهلها لأخذ دور مؤثر في صناعة الحدث العالمي بدلاً من الوقوف في الجهة المتأثرة به.

* كيف ترون التطورات واحتمالات استئناف المسيرة السلمية على صعيد القضية الفلسطينية، خاصة بعد الاعلان عن خارطة الطريق؟

ـ هناك عوامل عديدة تجعل من ايجاد حل لمشكلة الشرق الاوسط مسؤولية دولية، فقد افرزت المشكلة الفلسطينية شعورا بالغبن، واحساسا بأن المجتمع الدولي يغلب قضايا اقل الحاحاً وحساسية من هذه القضية، فيبادر بايجاد الحلول لها، على الرغم من ارتباط هذه المشكلة بمصير شعب عانى ويعاني من التهجير والاضطهاد والظلم ومهدد بالالة العسكرية الاسرائيلية وافراطها غير المحدود في استخدام القوة امام شعب اعزل صودرت حقوقه في الحياة والعيش وتقرير المصير.

من هذا المنطلق نرى في اعلان خارطة الطريق خطوة مهمة ولكن يجب ان تتبعها خطوات تتمثل في الضغط على الحكومة الاسرائيلية كي تعود الى طاولة المفاوضات الجادة للوصول الى حل عادل ودائم على اساس قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات المفاوضات ابتداء من قرارات مجلس الامن ذات الصلة وخاصة القرارين 242 و338، والمبادئ التي قام عليها مؤتمر مدريد في 1991، وما تلاه من اتفاقيات، وذلك بروح الوصول الى الحل وليس بروح المراوغة وكسب الوقت كما فعلت في مرات كثيرة سابقة.

ان هناك الكثير من السبل التي تملكها القوى العظمى بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام، من اجل الضغط على اسرائيل والزامها بالحفاظ على تعهداتها بعد الوصول الى اي اتفاق يرضي الشعب الفلسطيني المتطلع الى بناء دولته المستقلة، فقد سبق للحكومات الاسرائيلية ان وقعت اتفاقات ثم التفت عليها، مما اشاع روحاً من الاحباط وعدم الثقة بالمستقبل.

وهنا لا بد من التنويه والاشارة بالتقدير الى الدور الذي لعبه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في تشكيل اجماع دولي على ضرورة استئناف عملية السلام، التي ما ان انطلقت حتى وضعت الحكومة الاسرائيلية العصي في عجلتها، لكننا، كما ذكرنا، نرى ان مرافقة المفاوضات بضغوطات من الدول الراعية لعملية السلام والمؤثرة على اسرائيل، سوف يضعها امام خيار واحد هو السلام، ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

* مسألة شعور دول المنطقة بالحاجة للتغيير كما ذكرتم يدفعنا الى ان نسألكم عن توجه دول المجلس نحو تعزيز المشاركة السياسية، اين تقف دولة الامارات العربية المتحدة من هذه التوجهات؟ وهل هناك خطط محددة في هذا المجال؟

ـ كان المجلس الوطني الاتحادي جزءاً من الحياة السياسية في دولة الامارات رافق انبثاقها، وتأسس مع تأسيسها في 1971، وهو ما يعني ان الفكر السياسي الذي قامت عليه وبنيت وفقه الدولة، هو فكر مؤمن بآلية التشاور في صناعة القرار.

هذه المؤسسة السياسية ليست الوحيدة في بناء علاقة الحكم بأهل الامارات، فالباب المشّرع للمواطن جزء من التركيبة الاجتماعية المتوارثة، والتي استطاع الوالد الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان رئيس الدولة واخوانه اعضاء المجلس الاعلى للاتحاد حكام الامارات بلورتها واكسابها شكلا يواكب تطورات الحياة الاجتماعية والسياسية، شكلت قناة هامة اوصلت صوت الشعب الى قادته في كل وقت وفي اي مكان، الامر الذي كرس روح المبادرة وافرز مؤسسات مجتمع مدني تعمل ضمن اطار من الخصوصية الاجتماعية، مثل المؤسسات الصحافية والهلال الاحمر وصندوق الزواج والمؤسسات الثقافية والمهنية وغيرها.

* لكن اختيار اعضاء المجلس الوطني الاتحادي ما زال يتم بالتعيين، أليست هناك تصورات بخصوص تطوير التجربة؟

ـ تطوير التجربة، ينبغي الا يكون لمجرد التطوير او التغيير، بل يجب ان يكون متوافقاً مع حركة تطور المجتمع، واذا ما توصلت الدراسات المستمرة والرصد الدائم لادخال اشكال جديدة من اشكال العمل التنموي على كافة الاصعدة ومنها الصعيد السياسي، فإننا سنبادر الى ايجاد الصيغ المناسبة لها، دون المساس بخصوصيتنا الفكرية والاجتماعية والثقافية.

* ما هي طبيعة اشكال التغيير الممكنة؟

ـ التغيير، ان كانت هناك حاجة له فقد يكون في طريقة اختيار اعضاء المجلس وعددهم ونسبة التمثيل، وايضاً في الصلاحيات الممنوحة للمجلس واعضائه.

ان هناك اساليب كثيرة ومتعددة، لكننا نريد ان نتجنب دائماً ان يشوب عملية التغيير ما يمكن ان نسميه بالاستعراض السياسي على حساب هيكل سياسي متماسك بني على تراكم خبرة وحكمة قيادة ذات نظرة ثاقبة، اثبتت صوابها الايام والاحداث وانعكست سلامتها ايجابياً على معدلات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، سواء على مستوى الفرد او على مستوى الشعب المشارك في تحمل مسؤولية هذا البناء الذي انجز في زمن قياسي وجهد قيادي وشعبي متميز ومخلص.

* هل هذا يعني ان من الممكن ان تشهد دولة الامارات دخول النساء الى المجلس الوطني الاتحادي؟

ـ هذا الامر لا يحتاج الى ادخال تعديل على الدستور او على النظام الداخلي للمجلس الوطني الاتحادي، فقد اكد الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في اكثر من مناسبة على انه لا توجد فقرة في الدستور تحول دون هذا الامر، لذا فان وجودها سواء كان في المجلس او كان في الحكومه نفسها، متاح ولا موانع دستورية تحول دونه.

* ابرمت دولة الامارات خلال السنوات الماضية عدة صفقات شراء سلاح، الى اي مدى لبت المعدات العسكرية والمنظومات الدفاعية الاحتياجات العسكرية للدولة؟ وهل هناك خطط للمزيد من صفقات التسليح في المرحلة المقبلة؟

ـ تستند السياسة الدفاعية لدولة الامارات على ثوابت محددة، أقرت وحددت منذ تشكيل القوات المسلحة، من بين هذه الثوابت تأسيس قوة نوعية متطورة تعتمد في اداء مهامها الدفاعية على رفع المستوى الاكاديمي للفرد، واستيعاب التكنولوجيا العسكرية ومتابعة مستجداتها، بما يكفل استمرارية كفاءة هذه القوات، وحالة استعدادها للقيام بمهامها الدفاعية، سواء على مستوى الدولة، او على مستوى منظومة درع الجزيرة، او على مستوى الدور العسكري الانساني، كما رأينا في كوسوفو وجنوب لبنان والصومال والعديد من المناطق الاخرى.

هذه الثوابت مكنتنا من السير بخططنا سواء في التسلح والتدريب باستقرار وروية، متجنبين التغييرات المفاجئة التي تمليها التطورات العسكرية والاحداث العسكرية هنا وهناك ومن هذا المنطلق كانت سياسة التسلح في دولة الامارات وما تزال تصاغ وفق تقدير احتياجات القوات المسلحة وبناء على تقييم للتوازنات العسكرية والتطور الذي تشهده صناعة التسليح في مصادرها المختلفة.

اما عن سؤالكم فيما اذا كانت صفقات التسليح الاخيرة قد لبت احتياجاتنا العسكرية ام لا، فالجواب هو اننا نضع الاحتياجات اولاً ثم نبرم الاتفاقات التسليحية على اساسها، الامر الذي يجعلها ملبية لحاجة موجودة املتها ثوابت السياسة العسكرية التي ذكرناها.

اما في ما يخص الخطط المستقبلية للتسليح، فانها وكما ذكرنا خاضعة لتطورات الصناعة العسكرية من جهة، والخطط الموضوعة سلفاً من جهة اخرى، وهي امور لا تتأثر بردود الفعل للاوضاع السياسية والعسكرية.

* المتابع لصفقات التسليح في دولة الامارات، يرى انها من مصادر مختلفة، ألا يخلق هذا الامر صعوبات في استيعاب المدارس العسكرية المختلفة؟

ـ تنويع مصادر السلاح، احد اهم ثوابت الاستراتيجية العسكرية في الدولة، فهي احد دعائم القرار السياسي المستقل، وهي ايضاً عامل اثراء للذهنية العسكرية التي تكتسب، بوجود اكثر من مدرسة تسليح واكثر من اسلوب عسكري، مرونة وقدرة اكبر على التعامل مع المستجدات.

من جهة اخرى، وفرت مصادر السلاح المختلفة الادوات المتكاملة لبناء ما يمكن ان نسميه بالمشروع الاماراتي العسكري المستقل، اذ استفدنا من تجميع عناصر القوة في كل من المصادر المعروفة، مكملين ما ينقص هذا المصدر من مصدر اخر، وبجهد ومثابرة ضباط وجنود قواتنا المسلحة ومن خلال برامج التدريب المكثفة استطعنا ان نتجاوز صعوبات التنوع وان نحولها الى امتياز يسعى اليه الكثيرون.

* الحديث عن السوق النفطية، يعيدنا الى المسألة العراقية، ما هو برأيكم تأثير عودة العراق الى السوق، خصوصاً انه صدرت اشارات من هنا وهناك بأن السوق لن تكون محكومة بنظام الحصص؟

ـ عودة العراق الى السوق النفطية هو الامر الطبيعي، كونه احد اكبر البلدان المنتجة للبترول واحد المؤسسين لمنظمة «أوبك» ووجوده خارج السوق هو الامر غير الطبيعي، فاستعادة العراق موقعه بين الدول المنتجة لا يثير المخاوف والتحفظات بقدر ما يشيع الارتياح، كون هذه العودة تعني بدء مرحلة جديدة يعيد فيها هذا البلد الشقيق بناء ما تهدم ويساهم في استقرار السوق النفطي الذي يشكل مصلحة جماعية للدول المصدرة هذا من الناحية المبدئية التي تمليها ضرورة الوقوف الى جانب الشعب العراقي، اما من ناحية الواقع الحالي للسوق، فان العراق يحتاج الى فترة لاعادة تأهيل منشآته النفطية، ثم الوصول الى سقف حصته الحالي الذي هو الاخر يحتاج الى وقت للوصول اليه.

* لكن هناك من يخشى خروج العراق من منظمة «اوبك»؟

ـ لا يمكننا ان نبني احكاماً على افتراضات او معلومات متداولة عبر وسائل الاعلام غير منسوبة او مسندة بمصدر رسمي، كما اننا يجب ان نتعامل مع قرارات صادرة عن الحكومة العراقية المنتظرة، ومسألة الخروج او البقاء في «اوبك» لا يمكن ان يتقرر في الظروف الحالية، هذا من ناحية، اما من ناحية اخرى، فاننا لا نخشى من زيادة الانتاج العراقي، وذلك لوجود ثوابت تحكم السوق، من اهمها ان الهبوط في اسعار البترول سوف يشكل ضرراً ليس على الدول المنتجة فقط بل ايضاً الى الدول المستهلكة التي ستخسر سوقاً واسعة قادرة على استيعاب المنتج الصناعي والاستهلاكي للدول المستوردة.

ان عملية تطوير الحقول من اجل الانتاج والتصدير ستتعرض الى صعوبات تجعل من الايفاء بمتطلبات السوق امراً صعباً، انها علاقة متداخلة تقتضي تفهم الاطراف لاحتياجات بعضها البعض وفق اطار من المصالح المشتركة والمشروعة لتلبية حاجتها من اجل تحقيق خططها ومشاريعها على الاصعدة المختلفة.

* تشكل التركيبة السكانية في الامارات مشكلة مزمنة، هل هناك خطوات تتخذونها لمعالجة هذ المشكلة؟

ـ ارتبط الخلل في التركيبة السكانية بالظروف التي املتها عملية التنمية ومرحلة قيام البنى التحتية للدولة، حيث تطلبت الاستعانة بعمالة وافدة وبأعداد تضمن تنفيذ البرامج القياسية للبناء والتي اختزلت مراحل زمنية كبيرة من اجل الوصول الى ما خطط له في وقت قياسي احتاج لجهد اكبر من الاعتيادي.

بعد النجاح في تحقيق ذلك، دخلت التنمية في الوتيرة الاعتيادية لدولة استوفت اسس تقدمها وتطورها، واصبحت تتعامل مع متطلبات تطورها المرحلية، ليعود السوق الى استيعابه الطبيعي للقوة البشرية الوافدة، ومع مستجدات التطوير اصبح الاحتياج نوعياً اكثر منه كمياً، فأصبح التركيز على القوى ذات الخبرة والتجربة، فانتجت شريحة واسعة من مواطني الدولة القادرين على ملء الفراغ وتلبية الكثير من احتياجات السوق. ان صياغة قوانين خاصة بتوطين العمالة سوف يشكل إطاراً عملياً نحو حل فعلي للمشكلة.

نحن نعرف ان للقطاع الاقتصادي العام والخاص، حساباته في هذه الامور، لكننا نرى ان هناك دوراً يجب ان يقوم به في هذا المجال، وهو دور يأتي في صلب عملية الامن الاقتصادي التي لا يقوم اي اقتصاد بدونها. ومن اجل التوازن بين تصحيح الخلل في التركيبة السكانية واخذ حسابات الجدوى الاقتصادية بنظر الاعتبار، نرى ان دور القطاع الاقتصادي يقتضي استيعاب الكوادر المواطنة من خلال زجهم في عملية تدريب وتأهيل حقيقية تجعل منهم قوة منافسة في السوق، تفرض وجودها بمهاراتها لا بقرارات مفروضة تجعل من عملية استخدامهم عملية صورية، وليس لحاجة فعلية ذات جدوى.

هذا الامر، الى جانب الاجراءات المتتالية التي تتخذ وفق مصلحة البلاد العليا سوف يصحح هذا الخلل على المدى الطويل، وبشكل متدرج بحيث الاقتصاد والتنمية الخلل في تحقيق خططهما.

* شهدت العلاقات مع ايران تطوراً ايجابياً في الفترة الاخيرة، هل لنا ان نعرف فيما اذا انعكس هذا التطور على قضية الجزر الثلاث؟ واين وصلت الجهود في هذا المجال؟

ـ نحن حريصون كل الحرص على ان يتواصل الحوار مع الاخوة في ايران، وذلك انطلاقاً من ايماننا الراسخ، بأن الحوار هو الطريق الامثل لحل الخلافات خصوصاً ان البلدين يسعيان بمشروعية للحفاظ على مصالحهما وحقوقهما ضمن اطار الشرعية والقانون الدولي وروابط الجوار والدين والعلاقة التاريخية في ما بينهما، والجهود في هذا المجال ما تزال مستمرة وفق الاسس التي ذكرناها.

لقد وجه الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، الدعوة الى الرئيس محمد خاتمي لزيارة الامارات وقد قبلها فخامته لحرص متبادل بين البلدين على علاقة الاخوة والصداقة بين قياديتهما وشعبيهما.