بوش وشيراك يغلقان ملف الخلافات بشأن العراق وإجماع مجموعة الثماني حول الموقف من إيران

TT

في ما يبدو انه اقوى تعبير عن التزام شخصي من الرئيس الاميركي جورج بوش بالسعي الى وضع «خريطة الطريق» موضع التنفيذ والوصول الى السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، اعلن بوش انه مستعد لتكريس الوقت اللازم والضروري من اجل ذلك، داعيا في الوقت عينه الاطراف المعنية، العربية والفلسطينية والاسرائيلية الى تحمل مسؤولياتها للوصول الى السلام.

وجاءت تصريحات الرئيس الاميركي قبيل اجتماع القمة الذي ضمه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، في منتجع ايفيان امس، على هامش اعمال مجموعة الدول الثماني الاكثر تصنيعا، وايضا قبل مغادرته مطار جنيف (سويسرا) متوجها الى مصر، للمشاركة في القمة الاميركية ـ العربية التي تسبق بيوم واحد القمة الثلاثية الاميركية ـ الاسرائيلية ـ الفلسطينية في العقبة، بحضور العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني.

واذا كانت قمة بوش ـ شيراك قد اغلقت فصل النزاع الدبلوماسي بين باريس وواشنطن بسبب المسألة العراقية ومعارضة فرنسا الحرب الاميركية الاحادية على العراق، الا انها خصوصا فتحت الباب امام «تطبيع» العلاقات بين العاصمتين وامام تعاونهما المستقبلي بخصوص الشرق الاوسط والعراق وايران وافغانستان ناهيك عن التعاون في مواجهة المشاكل الاقتصادية والمالية واعادة اللحمة الى الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي «الناتو».

وسارع الرئيس الفرنسي الى اعلان دعمه «من دون اي تحفظ» لمهمة نظيره الاميركي الذي لم يبق في ايفيان سوى 24 ساعة، اذ وصل اليها متأخرا وغادرها قبل انتهاء اعمال قمتها. وقال شيراك الذي اعرب عن «اسفه» لمغادرة بوش انه يريد التأكيد للرئيس الاميركي على «امنياته الصادقة جدا» لنجاح جولته الشرق اوسطية و«حتى تكلل قمة شرم الشيخ بالنجاح». واضاف شيراك: «نحن ندعم من غير تحفظ عمل» الرئيس الاميركي، مؤكدا انه يتحدث باسمه الشخصي وباسم الاتحاد الاوروبي وكذلك باسم روسيا.

وترتدي تصريحات شيراك اهمية خاصة في هذا الوقت بالذات وفي ظل غياب الاتحاد الاوروبي عن قمتي شرم الشيخ والعقبة. واكد مصدر دبلوماسي اوروبي لـ«الشرق الأوسط» ان الاتحاد كان يتمنى ان يرسل مبعوثا من قبله، على الاقل لحضور قمة العقبة، خصوصا ان «خريطة الطريق» نتيجة مساهمات اطراف اللجنة الرباعية التي تضم الى جانب الولايات المتحدة الاميركية، الاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر رسمية فرنسية ان بوش وشيراك اتفقا على ان يكون لفرنسا، في مرحلة لاحقة، دور في توسيع اطار «خريطة الطريق» بحيث تضم لبنان وسورية اللذين تحادث الرئيسان بشأنهما مطولا.

وقالت الناطقة باسم الرئاسة الفرنسية كاترين كولونا بعد ظهر امس ان الاتحاد الاوروبي «موجود داخل عملية السلام». لكنها اضافت: «ان الاتحاد مستمر في العمل وسيقدم مقترحات جديدة بخصوص البحث عن السلام في المنطقة مع الدول المجاورة لاسرائيل» في اشارة الى لبنان وسورية.

وفي مجال الاعلام عما دار بين الرئيسين حول هذه النقطة بالذات، قالت كولونا ان السلام في الشرق الاوسط «يجب ان يكون دائما وشاملا والامران يسيران معا، مما يعني بذل مزيد من الجهد، ربما في اطار اللجنة الرباعية بحيث يتم التعاطي، بالاضافة الى المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، مع المسارين اللبناني والسوري».

وتحدث الرئيس الاميركي، لدى الاجابة على عدة اسئلة صحافية، عن مهمته في الشرق الاوسط مطولا، مركزا على رسالتين اثنتين: الاولى التزامه الشخصي والتام بتنفيذ «خريطة الطريق» والوصول الى السلام والثانية اصراره على ان يقوم الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي بتحمل مسؤولياتهما.

ولم يخف بوش الصعوبات التي تنتظر اول رئيس اميركي يلتزم علنا باقامة دولة فلسطينية تعيش الى جانب اسرائيل. وقال بوش انه يعرف ان مهمته «ليست سهلة» لوضع حد لسنوات من العداء في المنطقة. غير انه اضاف: «اعتقد اننا نحقق تقدما». وقالت مصادر اميركية في ايفيان امس ان بوش يريد ان يطلب من القادة العرب الذين يلتقيهم اليوم في شرم الشيخ «اظهار مزيد من الدعم» لرئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس. وقال بوش، في ايفيان: «ان توقعاتي بالنسبة للشرق الاوسط هي ان تتحمل كل الاطراف كل مسؤولياتها من اجل تحقيق السلام» مضيفا ان بلاده وهو «شخصيا» «مستعدون لتكريس الوقت اللازم لانجاز رؤية قيام دولتين (فلسطينية واسرائيلية) تعيشان جنبا الى جنب».

وقدم الرئيس الاميركي لمضيفه في ايفيان هدية، هي كناية عن ثلاثة كتب عن «هنود اميركا». فشكره شيراك «بحرارة» قائلا انه «اصاب منه وترا حساسا» بسبب تعلق الرئيس الفرنسي بالحضارات الاولى وبفنونها، التي اقام لها متحفا في باريس.

وظهر تناغم الطرفين وعزمهما على السير الى الامام في ما خص الملف العراقي. ذلك ان بوش شكر شيراك لموقف بلاده المؤيد للقرار الاخير في مجلس الامن الدولي. ورغم التحفظات الفرنسية على القرار 1483 الذي انتهت باريس الى التصويت لصالحه معتبرة انها حصلت على «تنازلات» بشأنه، فقد قال شيراك، قالبا صفحة الماضي: «لدينا قاعدة صلبة (بالنسبة للعراق) وهذه القاعدة اسمها القرار 1483» الذي يحكم عمل المجموعة الدولية في العراق ودور كل طرف.

وكان لافتا ان شيراك حرص على عدم اثارة موضوع فشل التحالف العسكري الاميركي ـ البريطاني في العثور على اسلحة الدمار الشامل في العراق، رغم ان هذه الاسلحة كانت «السبب» الذي حفز واشنطن ولندن على اجتياح العراق واسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين.

وعلقت الناطقة باسم الرئاسة الفرنسية على المسألة قائلة «ليس من المجدي العودة الى الخلافات الماضية» مضيفة ان تركيزهما هو على «الزمن الحاضر، اي كيفية احلال السلام في العراق».

وفي ذات السياق، نالت ايران حيزا هاما من مباحثات مؤتمر ايفيان وتحديدا برنامجها النووي. ووصفت كولونا موقف باريس وواشنطن منه بانه «متطابق». وبحسب الناطقة الرئاسية فان البلدين «نقلا الى ايران الرسالة نفسها» مضيفة ان بوش وشيراك استخدما بشأن ايران «العبارات نفسها» وعبرا عن «المشاغل نفسها» وعن ضرورة قبول ايران التوقيع على البروتوكول الاضافي للوكالة الدولية للطاقة النووية التي تفرض قبول البلد الموقع حصول عمليات تفتيش على منشآته من دون اعلام الهيئات المعنية مسبقا. وامس رفضت ايران مجددا هذا البروتوكول. وفي السياق عينه، فقد قالت المصادر الرئاسية ان الرئيس الروسي بوتين «استخدم» العبارات نفسها بخصوص ايران، مما يظهر «اجماعا دوليا» حول المسألة الايرانية.