انتحاريو الدار البيضاء عرفوا بمهماتهم قبل 5 ساعات من تنفيذ الهجمات

TT

مع حلول الساعة الرابعة والنصف عصرا يوم 16 مايو (ايار) الماضي أي قبل خمس ساعات من مقتلهم في انفجارات متزامنة، اجتمع الأربعة عشر رجلا في كوخ له سقف صفيحي متغضن مثبت ببعض الصخور. وكان عمر معظم المتطوعين في تنفيذ هذه العمليات يتراوح بين 21 و32 عاما، وهم يعرفون بعضهم البعض قبل ذلك في تلك المنطقة الفقيرة التي تغطي شوارعها النفايات.

في البدء قام هؤلاء الشباب بالصلاة التي بدأوا يؤدونها قبل فترة قصيرة حسبما قال محققون مغاربة ثم وضع عماري، 24 سنة، الحارس في مرآب للسيارات الخطة مع التفاصيل. وقال لهم عماري إنهم سينقسمون إلى خمس مجموعات لمهاجمة خمسة أهداف عن طريق تفجير متفجرات موضوعة في حقائب ظهر في الساعة التاسعة والنصف مساء بالضبط. وأعطى كل واحد منهم ساعة توقيت لضبط موعد الانفجار بها.

ويعرف المكان الذي اجتمع فيه الانتحاريون بحي «طوما» وعلى الرغم من أنهم ذاهبون لملاقاة حتفهم لكن لم يكن أي منهم حتى ذلك الوقت على علم بأبعاد الهجوم، حسبما قال مسؤولون مغاربة شاركوا في التحقيق مع الناجين من المجموعة المهاجمة.

ومع غروب الشمس صلوا مرة أخرى ثم خرج الفريق واحدا بعد الآخر بين الثامنة والثامنة والنصف مساء متوجهين إلى مركز المدينة بواسطة سيارات التاكسي الحمراء المتوفرة دائما في هذه المدينة الساحلية. كانوا متوجهين إلى مطعم اسباني حيوي وناد اجتماعي يهودي ومقبرة يهودية ومطعم إيطالي يمتلكه يهودي مغربي. أما مجموعة عماري فتوجهت إلى فندق «فرح» وكانت آخر من غادر مكان الاجتماع.

وقال مسؤولون مغاربة إن الأهداف كانت اما لها صلة باليهود أو مما يطلق عليها «أماكن الفسوق». ثم انفجرت القنابل الواحدة تلو الأخرى. وسبَّبت العمليات مقتل 32 شخصا في خمسة مواقع وقتل كذلك 11 مهاجما ويبدو أن ثلاثة من المتواطئين ضمنهم عماري بدلوا رأيهم في آخر دقيقة.

وقال المسؤولون المغاربة إن هجمات الدار البيضاء هي من عمل شبكة «القاعدة» التي أمضت عدة أشهر لترتيبها، وأصدر أوامر تنفيذها الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي حصل على ما يقرب من 50 إلى 70 ألف دولار من قيادة المنظمة لتمويل الهجمات.

ويرأس الزرقاوي تنظيما اسمه «التوحيد». وكان محللو الاستخبارات يظنون أنه مرتبط فقط بـ«القاعدة» لكن بدا يتضح أكثر فأكثر أن هذه المنظمة لا يمكن تمييزها عن «القاعدة». وقال محللو الاستخبارات الأميركيون إن الزرقاوي لجأ إلى العراق قبل وقوع الحرب الأخيرة لكنه الآن قد يكون في إيران، وذكرت انباء في الاونة الاخيرة انه اعتقل بها. وقال مسؤول مغربي كبير: «الزرقاوي أعطى الأوامر لتنفيذ الهحمات وأوجد نفقاتها... إنه الشخص الذي رتّب كل شيء».

وكان التفجير المتزامن تقريبا بين كل القنابل قد أشار إلى تنظيم «القاعدة» لأن التنسيق بين هذه الهجمات هو العلامة الفارقة للتنظيم إضافة إلى وصفة صناعة القنبلة باستثناء أداة التفجير التي استعملها الرجال، والتي وجدت التعليمات لاستخدامها في أفغانستان بعد سقوط طالبان حسب ما قاله المسؤولون المغاربة. ويعتقد المحققون أن صانع قنابل قد تم إرساله إلى المغرب من قبل «القاعدة» لإعطاء التوجيهات للمجندين.

وتعكس خطة الدار البيضاء قدرة «القاعدة» على التكيف أمام الإجراءات الأمنية المتشددة ضدها عبر أنحاء العالم.

ففي بلد يمتلك عددا كبيرا من رجال الشرطة وحيث ظل أعضاء «القاعدة» القدامى موضع مراقبة متواصلة منذ سنة 2001 لم يكن أي من الأربعة عشر شخصا الذين اجتمعوا في حي طوما قبل أسبوعين معروفين لدى الشرطة حسبما قال المحققون.

بل لم تتعرف السلطات على المنسق القومي لـ«القاعدة» في المغرب إلى أن وقعت الهجمات الانتحارية وهو إسكافي من فاس يبلغ عمره 30 سنة حيث قام هذا الشخص بتنسيق نشاطات المجموعة وجمع عماري رئيس المجموعة مع الزرقاوي. لكن المسؤولين يتجنبون كشف هوية المغربي الذي تعاون مع الزرقاوي.

ولم يعرف المسؤولون المغاربة أيضا أي شيء عن 33 شخصا انتحاريا آخر وهؤلاء هم بانتظار أن يقوموا بهجمات مستقبلية أخرى وتم تجنيدهم من المناطق البائسة، وتم ظهور هؤلاء الأفراد أثناء التحقيق حول الهجمات الأخيرة لكن المسؤولين يخشون أن يكون هناك آخرون ما زالوا طلقاء.

ولعل العديد من جوانب الخطة تظل مجهولة لأن الاسكافي الذي يعتبره المحققون المنسق لتنظيم مواز لـ«القاعدة» داخل المغرب قد قتل هو أيضا حينما كان محتجزا لدى الشرطة يوم الأربعاء الماضي بعد إصابته بسكتة قلبية جاءت بعد ثلاثة أيام من التحقيق المتواصل معه حسبما قال رجال الشرطة.

وفي مقابلات أجريت معهم قال بعض كبار المسؤولين المغاربة انهم انتصروا على «القاعدة» داخل المغرب. ولكنهم عندما كانوا يدلون بتلك الاقوال كانت القاعدة تتحرك تحت راداراتهم. وقال احد هؤلاء المسؤولين: «إنهم أذكياء جدا. كان هؤلاء الناس مجهولين تماما بالنسبة لنا».

وقبل أكثر قليلا من سنتين كان محمد مهني، 25 سنة، مغرما بالأساليب الغربية. كان يرتدي بناطيل الجينز الزرقاء ويترك شعره مسترسلا على سجيته. ويقول شقيقه صلاح ان أخاه كان يحضر للشهادة في الاقتصاد حتى تخرجه من حياة الفقر والمعاناة. ولكنه تخلى عن الكلية عام 2001. وقال صلاح، 23 سنة: «رأى كثيرا من الشباب هنا يتخرجون ولا يحصلون على وظيفة. وكان الجدل محتدما حول هذا السؤال: ما هو مستقبلنا؟ وقبل سنتين صار يكثر من الصلاة».

ومثله مثل المشاركين الآخرين في تفجيرات يوم 16 مايو، صار مهني يتردد على مسجد صغير متواضع يقع على حافة الحي حيث كان يلتقي هناك بجيران له لا يقلون عنه غضبا وإحباطا.

كان يوسف كوثري، 31 سنة، معروفا بأنه من هواة الموضة وبناء الأجسام حتى أواخر العام المنصرم عندما فقد وظيفته كعامل صناعي إثر حادث وقع له. وقد حاول رفع دعوى ضد صاحب العمل، لكنه فشل في ذلك. ويقول الجيران ان عادل طاهر، 23 سنة، حاول أن يعمل فنيا كهربائيا ولكنه لم يعثر على أية وظيفة. وأضاف الجيران كذلك أن 14 من الخاطفين كانوا عاطلين وكانوا يبحثون عن وظائف مؤقتة. وخلال العامين الماضيين أصبح مذهب إسلامي معين يملأ عليهم فراغ حياتهم. وأصبح المسجد بديلا من المدرسة التي اضطروا لمغادرتها في وقت مبكر جدا. فقد ترك عماري على سبيل المثال مدرسته عندما كان في سن الثامنة. وقال شقيقه جلال:

«كان متدينا ولكننا لم نكن نعرف عن انتمائه هذا. من كان يمكنه أن يعرف ما يدور داخل رأسه؟».

ينص القانون المغربي أن على المساجد أن تغلق ابوابها بعد 15 دقيقة من نهاية الصلاة. ولكن الجدل كان يستمر بعد المسجد في حي «طوما». وكانت مواضيع هذا الجدل حسب ما يذكر الجيران هي: فلسطين، أفغانستان، العراق، القوة الأميركية والنفوذ اليهودي. وكانت تتردد فكرة أن المغرب استعمره الكفار.

وقال عبد الكريم عطار، وهو صحافي نشأ ولا يزال يعيش في حي «طوما»، انهم بدأوا يتحدثون حول الجهاد، وان الجميع كان يدرك انهم تغيروا وذلك من خلال احاديثهم المستمرة التي لا تنتهي.

بدأ هؤلاء يطيلون لحاهم وتخلوا عن ارتداء بنطلونات الجينز وباتوا يرتدون الثياب الفضفاضة، كما انهم بدأوا ينتقدون الآخرين على تصرفات يعتبرونها غير اسلامية مثل تجول النساء والرجال غير المتزوجين وتدخين الحشيش، اذ تعتبر هذه ظاهرة منتشرة في الحي.

رغم كل ذلك، لم تنتبه السلطات لهذا التشدد. وقال محققون ان المنسق عمر قال لهم ان بوسعهم الرد ضد ما يعتبرونه ردة من جانب الناس من حولهم.

وكان اسامة بن لادن قد قال في تسجيل صوتي ان المغرب «بات جاهزا للتحرير»، فقد ادان اسلاميون متشددون تعاون المغرب مع الولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب وتسامحه ازاء الطائفة اليهودية. واشار المحققون الى ان الاهداف اختيرت بواسطة عماري دون موافقة قيادة «القاعدة» التي طالبت بشن هجمات داخل المغرب. كان عماري آخر شخص في تلك المجموعة يتوجه الى وسط المدينة، وعندما وصل الى فندق «فرح» سمع دوي الانفجارات وصفارات سيارات الشرطة والطوارئ وظن في ذلك الوقت ان الانتحاريين في المواقع الاخرى قد فجروا انفسهم جميعا.

وداخل الفندق فجر احد اعضاء المجموعة عبوته قبل الوقت المحدد مما ادى الى مقتله مع شريك له وجرح عماري. ويعتقد المحققون ان عماري تخلص من عبوته وانه فر عندما اصيب، اذا يقول واحد من المحققين ان عماري لم يكن ينوي الموت.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»