أخطر بقعة في العالم للدبلوماسيين الأميركيين

شائعة عن هجوم أميركي على مكة أدت إلى اقتحام وإحراق معظمها

TT

يصعب عليك وانت تقف في فناء سفارة الولايات المتحدة باسلام آباد، ان تتخيل ان هذا اخطر موقع في العالم بالنسبة للدبلوماسيين الاميركيين. فهذا المبنى الحكومي يبدو مثل ناد ريفي، تحيط به الحدائق الغناء، ويتضمن حوض سباحة ذا الحجم الاولمبي وميادين للتنس ومطعماً. ولكن فجأة تنطلق الصفارة، ويتدافع موظفو السفارة الى خارجها. ويردد صوت احد جنود المارينز من خلال مكبرات الصوت: «احفظ كل الوثائق والمواد السرية، اغلق كل النوافذ. وعليكم اخلاء المبنى مباشرة».

ويتزاحم الموظفون على الناقلات المصفحة تقودهم عناصر من مكتب الامن الدبلوماسي، التابع لوزارة الخارجية والذي يتكفل بحماية السفارات الاميركية والدبلوماسيين الاميركيين في الخارح. وتبدأ السيارات في التحرك عندما يسمع الجميع صفارة اخرى. بذلك يكون التمرين قد انتهى، وينظر ضابط الامن الاقليمي مايكل ايفانوف الى ساعته ويلاحظ ان اخلاء السفارة تم في اقل من ست دقائق.

ربما تكون الحرب الاميركية في افغانستان قد اسقطت نظام حركة طالبان واخرجت مقاتلي تنظيم «القاعدة» من حصنهم المنيع، لكنها نقلت المشكلة كلها الى باكستان المجاورة حيث تعمل المنظمات المتشددة المحلية جنبا الى جنب مع «القاعدة»، مما يضع المنشآت الاميركية والجالية الاميركية الصغيرة في هذا البلد، في خطر مستمر من وقوع هجمات ارهابية. قال ايفانوف الذي يشرف على امن السفارة والقنصلية: «اصبح هذا الموقع هو مركز الارهاب حاليا. انه مركز بالفعل. هذا هو البلد الوحيد في العالم الذي يزخر بهذا العدد الهائل من المنظمات المعادية للولايات المتحدة وللقيم الغربية».

وقد نفذت هذه المجموعات في العام الماضي وحده سبع هجمات ضد الجالية الاميركية في باكستان، بما فيها الهجوم على كنيسة باسلام آباد في مارس (آذار) اسفر عن مقتل خمسة اشخاص، بينهم امراة اميركية تعمل بالسفارة وابنتها، والهجوم على القنصلية الاميركية في كراتشي الذي اسفر عن مقتل 14 باكستانيا. وتفادت القنصلية الاميركية هجوما آخر الشهر الماضي، عندما القت الشرطة الباكستانية القبض على المواطن اليمني وليد بن عطاش وخمسة من عناصر «القاعدة»، وبحوزتهم نحو 600 كيلوغرام من المتفجرات. وقد توصلت الشرطة الى ان بن عطاش، المتهم بلعب دور رئيسي في تفجير المدمرة الاميركية «كول» باليمن، كان بصدد شن اعتداء ضد القنصلية الاميركية.

هذه الهجمات الروتينية والاخطار الدائمة، التي يقول مسؤولو الاستخبارات وعناصر الامن الدبلوماسي انها تحدث بمعدل خمس محاولات في كل يوم، حولت المنشآت الاميركية الى قلاع مدججة بالسلاح. فالمبنى الضخم في اسلام آباد محاط بتحصينات متينة من الطوب فوقها اسلاك حادة معززة باعمدة من الفولاذ تحول دون اقتراب اي سيارة مفخخة محتملة من الجدار.

وتلقى الموظفون تدريبات على فحص سياراتهم للتأكد من خلوها من القنابل المزروعة وفحص منازلهم للتأكد من عدم وجود اية مظاهر مشبوهة. وفي عام 2001 اكتشف دبلوماسيان اجهزة متفجرات صغيرة الصقت بسيارتيهما عن طريق المغنطيس. ولذلك يتلقى موظفو السفارة تدريبات مستمرة، على مختلف انواع المخاطر المحتملة من قنابل السيارات وحتى مظاهرات الجموع الغاضبة. في عام 1979 اجتاحت جموع الطلاب الباكستانيين الغاضبة مباني السفارة اثر سماع انباء كاذبة عن طريق الراديو ان الاميركيين قصفوا الكعبة الشريفة. وقد حولوا اجزاء من السفارة الى حطام ولم يملك الموظفون غير الاحتماء بالجزء المحصن من السفارة. وقال ايفانوف ان خطة الاخلاء الحالية لها علاقة بمثل تلك الاحداث.

وتتنقل السفيرة نانسي باول في المدينة داخل عربة مصفحة، ويحيط بها على الدوام عنصران من عناصر الامن. وعندما تزور القنصليات الاميركية في بيشاور ولاهور وكراتشي، تتبعها دوما شاحنات رباعية الدفع مكتظة بالعناصر الامنية الباكستانية المدربة من قبل الاميركيين. ومنعا لاية تحضيرات مسبقة من قبل الارهابيين، فان تحركاتها تحاط عادة بالسرية الشديدة الا في حالات نادرة. وتقول السفيرة نانسي باول: «اقوم بكثير من الاشياء فى الدقيقة الاخيرة. ولكن عملي لم يتعطل لهذا السبب. انني اذهب الى حيث ينبغي ان اذهب».

ولكن الموظفين يقولون ان التوتر العام الذي يتعرضون له، مضافة اليه المجهودات اليومية مثل فحص السيارات تجنبا للقنابل، لها تأثيرها الواضح على الاعصاب. ويقول انجي برايان، منسق شؤون اللاجئين بالسفارة: «هذا الوضع يكون في آخر اهتمامك على الدوام. وانت لا تذهب الى وسط المدينة لتتعرض الى كراهية الناس الصريحة، ولكنك تعرف تماما ان اولئك الذين لا يحبوننا سيفعلون شيئا للتعبير عن ذلك».

ولا تنحصر مجهودات عناصر الامن الدبلوماسي في حراسة الدبلوماسيين، بل عليهم كذلك فحص طوفان يومي من التهديدات. وقد نجحوا حتى الآن في تفادي الكارثة. فقد تم احباط هجوم بالقنابل على كنيسة اخرى في اعياد الميلاد، بعد ان اكتشف ايفانوف والموظفون العاملون تحت امرته الامر وابلغوا السلطات المحلية.

ومع ان الرئيس الباكستاني برويز مشرف صار واحدا من الحلفاء المقربين للولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب، فان وزارة الخارجية الاميركية خفضت عدد الموظفين الدبلوماسيين بباكستان بصورة درامية. وهذا يعني ان الموظفين المؤقتين يمثلون الجزء الاكبر من الموظفين. ويشير سجل الوزارة الى ان حوالي 7 آلاف موظف مؤقت مر بالسفارة منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وتعترف السفيرة نانسي باول بان الانتقال الدائم للموظفين يؤثر كثيرا على العلاقات في بلد تمثل العلاقات الشخصية مع الموظفين المحليين مدخلا هاما لاداء العمل الدبلوماسي. وتضيف السفيرة: «بالنسبة لاولئك الذين يعملون في مجال المساعدات الاقتصادية، او في برامج تطبيق القانون، فان اقامة العلاقات والالمام السريع بدقائق الوضع السياسي بباكستان، هو امر بالغ الاهمية. وانتقال الموظفين يضر بهذه العملية».

ويحتج الدبلوماسيون كذلك على ان قبول العمل بباكستان يعني الغياب عن الاسرة. فالنساء والاطفال لم يعد يسمح لهم بمصاحبة ذويهم الدبلوماسيين منذ هجمات 11 سبتمبر. ولذلك فان معالجة الشعور بالوحدة تعتبر هما مشتركا بين جميع الدبلوماسيين الاميركيين في باكستان. ولكنهم جميعا يقولون انهم اذا خيروا مرة اخرى في المجيء او عدمه فانهم سيحضرون مع ذلك. ويقول نائب رئيسة البعثة وليام مونرو، الذي ترك اسرته وراءه عندما انتقل الى العمل بباكستان: «اعتقد ان هذا سؤال يسأله الجميع لانفسهم. إنك تشعر بانك تؤدي عملا من الاهمية بحيث لا تستطيع ان تقول: اتمنى لو انني لم اقبله».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»