«الشرق الأوسط» ترصد وقائع مداهمات الأمن السعودي منازل المتهمين بالإرهاب في المدينة المنورة

الخضير استأجر منزلا «كئيبا» وناصر الفهد لم يخرج قبل حلول الظلام

TT

شهد عبد السلام فاروق، وهو سائق اندونيسي يعمل في المدينة المنورة منذ سنوات، الى جانب عشرات السعوديين في حيّي «الاسكان» و«الأزهري»، وقائع مداهمات فرق الأمن لما يعتقد أنها أخطر مجموعة تحرض على الارهاب، وتطعن صراحة في عقيدة ملايين السعوديين المعتدلين، بمن فيهم حشد من علماء الشريعة الاسلامية.

وعلى بعد خطوات من فيلا «حي الأزهري» تحدث فاروق الذي تجاوز الاربعين من عمره، عن جانب من وقائع نحو 6 ساعات تطلبتها ظروف مسرح الاعتقال الذي أوقع في قبضة فرق المداهمة خمسة من المتهمين بالتورط في الارهاب، وكان ناصر الفهد، بالطبع، أبرزهم على الاطلاق. وتكشف لـ«الشرق الأوسط» من جولة ميدانية مطولة في محيط المنزلين، ان المجموعة المتهمة بالتورط في الارهاب والتي تخضع حاليا لتحقيقات أمنية في سجن الحائر في الرياض، كانت متقدمة الى حد ما في استخدام وسائل وأساليب تضليل الاجهزة الامنية، وقبل ذلك جيران المنازل التي استأجروها منذ أربعة اشهر. وبرز بشكل لافت في الجولة تطابق معايير متماثلة في مسألة اختيار المنازل، فبالاضافة الى ان المنزلين اللذين استقر عليهما الرأي لاختفاء قيادات المجموعة كانا داخل احياء سكنية يغلب عليها الهدوء بسبب انصراف سكانهما الى شؤونهم ولا وقت لديهم للانتباه لساكن جديد، كان المعيار الاخر هو موقع المنزلين بالجوار من حدائق عامة كبيرة نسبيا. واحدى الحديقتين، كانت الملاذ المناسب لمن فر من مداهمة فيلا حي الاسكان.

وبدا واضحا، ان خطة المجموعة، التي شكلها الثلاثي المتطرف علي الخضير، وناصر الفهد، واحمد الخالدي، أخذت في الاعتبار فرضية كشفهم واعتقالهم جميعا قبل تنفيذ ما اشار له بيان وزارة الداخلية من عمليات ارهابية. وكان الخيار الطبيعي ان يتوزع قادة المجموعة في منازل مستقلة لكل منهم، ليقتصر نقل الرسائل وتبادل الاراء عبر الاعوان الذين قبض على 12 شخصا منهم في الحملة الامنية الكبرى التي شهدتها المدينة المنورة نهاية الاسبوع الماضي ومطلع الاسبوع الجاري. ففي حين اختار من يسمى في اوساط جماعة التكفير والهجرة التي نشأت خلسة في الاراضي السعودية خلال الاعوام الماضية، «شيخ المجاهدين» علي خضير الخضير، 50 عاما، و«الشيخ المجاهد» احمد حمود الخالدي، 34 عاما، السكن في فيلتين متباعدتين داخل حي الاسكان الذي يحتوي على اكثر من الفي فيلا موحدة التصميم، قرر احد ابرز «شيوخ المجاهدين»، تبعا لتعبير انصاره، ناصر بن حمد الفهد، 35 عاما، السكن في فيلا حديثة البناء في حي الأزهري احد الاحياء الحديثة في المدينة المنورة، ويبعد بضعة اميال عن حي الاسكان. ومن الدلائل اللافتة على ان الحملة الامنية كانت تحكم قبضتها على تحركات الخلية مرور اكثر من 11 ساعة تقريبا فصلت بين مداهمة فيلا حي الاسكان التي بدأت إجراءاتها بعد الرابعة من عصر الثلاثاء وانتهت قبل منتصف الليل، وبين توقيت مداهمة حي الازهري عند الثامنة من صباح الاربعاء وانتهت مع حلول الظهيرة. ويقول السعودي احمد رائد، 47 عاما، انه شاهد في بداية شهر محرم الماضي «ما عرفت لاحقا بأنه ناصر الفهد، وهو ينزل من سيارته الجيب (في أكس آر ـ تويوتا)، كان شابا نحيلا، ولحيته لم تكن طويلة». واضاف رائد، وهو يشير بيده من على عتبة باب منزله المقابل، تقريبا، لمنزل الفهد «في الليل يصعب تمييز ملامح حقيقية على بعد هذه المسافة» التي كانت نحو عشرة امتار هي عرض الشارع الخلفي لمدارس الريان الاهلية (خاصة).

ويجزم الجار القريب للمنزل الذي يخضع لسيطرة أجهزة الأمن حاليا، بأن «كل سكان المدينة المشرفة بمسجد وقبر سيد الخلق، لم يخطر على بالهم ما شاهده بعضهم وسمعه اكثرهم عن حجم الجريمة التي كانت تدبر في عقر دارهم». ووفق رائد فان طابق الفيلا الثاني كان فارغا الى ان استأجرها الفهد في ذلك الحين. واعتبر ان تحركات الفهد، وزواره كانت غالبا ما تتم بعد صلاة المغرب. وعند سؤاله عما اذا كان المتهمون ينتظمون في أداء الصلوات في المسجد المجاور، اجاب رائد بالقول «لم يسبق أن رأيتهم داخل المسجد». وأشار الى انه بعد مضي فترة، لاحظ تغير السيارة التي كان يقودها، ما يعتقد انه ناصر الفهد، الى سيارة «تويوتا كامري» جديدة «ولم نعد نشاهد الجيب يقف في مكانه». فيلا الأزهري لم تكن تحمل تسلسلا رقميا، لكنها الوحيدة في ممر الفلل المجاورة التي ترى في ركن بابها الخارجي صندوق اشتراكات صحيفة «الشرق الأوسط» الدولية. وهنا ابتسم رائد وهو يهز كتفيه اجابة على استفسار حول ما اذا كان شاهد، بالصدفة، احد المطلوبين يفتح الصندوق ليأخذ الصحيفة.

بالعودة، الى فاروق فانه عندما استخدم لفظ «والله» المغلظة بلكنته الاندونيسية الشهيرة، كان يجيب بذلك على سؤال لـ«الشرق الأوسط» تكرر مرات كثيرة على عدد من شهود العيان وهو: هل سمعت اصوات طلقات الرصاص اثناء المداهمة؟ ليضيف: «اذا كنت لا تصدقني اسأل اناسا كثيرين كانوا هنا».

وبالفعل، فبالاضافة الى معلومات متحفظة من بعض المصادر الرسمية، رصدت «الشرق الأوسط»، على مدى ساعات، معلومات مترابطة رواها مدنيون من مختلف الاعمار والاجناس وضعتهم الصدفة مباشرة امام مسرح عملية المداهمة لعناصر شبكة ارهابية كانت، وفق تلميح بيان وزارة الداخلية السعودي الصادر مساء الاحد، تستعد لتنفيذ عمليات مدمرة في البلاد التي لم تخرج بعد من دوي تفجيرات العاصمة الرياض. واتفق شهود عيان على مداهمة فيلا حي الازهري ان اجهزة الامن نفذت واجبها على مرأى اناس تجمعوا في المكان. ويقول معتز، 14 عاما «بالعكس كانوا (الامن) يسمعوني وانا اتجادل مع أمي على (الهاتف) الجوال وكانت تصر على عودتي للمنزل بسرعة وحذر». وبسؤاله عما لفت انتباهه اثناء وقوفه ملامسا لشريط الحاجز البلاستيكي لموقع المداهمة، قال «صراحة لم أكن اعرف ما يحصل في الداخل. ولكن ما استطيع ان اقوله هو انني لم أر الشرطة تعمل مثلما رأيتها في ذلك اليوم»، «الشرطة ما شفتها كدا»، وبدا معتز، وهو طالب في اولى ثانوي، مبهورا اكثر، بأشكال وتجهيزات سيارات الأمن ذات الطرز المتنوعة، بالاضافة الى احجام والوان المنبه الضوئي الجديدة.

وهنا يقول رائد «اظن انه في الساعة 8 صباحا كلمتني (هاتفيا) زوجتي. وبربكة واضحة طلبت حضوري فورا لأن شارعنا يعج بسيارات ورجال الامن. وجيد انها سارعت الى تطميني على نفسها والابناء». ويضيف بالقول «وصلت واذا بمداخل حي الازهري مليئة بنقاط التفتيش والجدية الكاملة في التعامل مع المارة. وما ان تأكد الاخوة (رجال الامن) من هويتي ومقر سكني حتى سهلوا لي الدخول الى منزلي الذي كان في قلب المشهد». وقال «عرفت اثناء توجهي بمرافقة بعض رجال الامن ان الحالة تتعلق بضبط اشخاص مطلوبين للشرطة». لكنه أشار بالموافقة على انه فهم سريعا ان للامر علاقة بما حدث قبلها بليلة، مساء الثلاثاء، في حي الاسكان.

وفي حي الاسكان، وبشهادة مرافقين لـ«الشرق الأوسط» وجيران الفيلا رقم 9 كان الاجماع على انها تبدو من الخارج نافرة و«مكتومة» مقارنة بالفلل الاخرى الملاصقة لها. وقال أحد الجيران للفيلا «هذه الفيلا تثير الكآبة. ولم نهتم عند ملاحظة تردد قلة من الاشخاص على فترات متقطعة». وقد تسبب الساكن الجديد بعد اشهر قليلة في خضوع الحي بكاملة لأكثر من 108 ساعات متواصلة من التطويق الامني المحكم لكامل محيط الحي.