إسرائيل تقبل عشية قمة العقبة بهدنة يسعى أبو مازن للتوصل إليها مع «حماس» و«الجهاد»

بوش وشارون يلتقيان على انفراد قبل اللقاء لبلورة موقف مشترك

TT

لمح رئيس اركان الجيش الاسرائيلي، الجنرال موشيه يعلون، امس، الى أن اسرائيل ستوافق على الدخول في اتفاقية الهدنة التي تنوي السلطة الفلسطينية توقيعها مع «حماس» وغيرها من الفصائل المسلحة المعارضة. وهذه اول مرة يعلن فيها مسؤول اسرائيلي كبير موقفاً كهذا، بعدما كان رئيس الوزراء ارييل شارون يرفضها باستمرار.

وتأتي هذه الموافقة عشية لقاء القمة الثلاثية في ميناء العقبة الأردني اليوم، لتكون بمثابة رسالة للمشاركين فيها، وبشكل خاص للرئيس الأميركي، جورج بوش، الذي سيجتمع على انفراد مع شارون وأبو مازن صباح اليوم.

وكان شارون قد سرب الى الصحافة خلال الأيام الأخيرة عدة تصريحات ومواقف في اطار هذه الرسائل، التي تثير اعجاب بوش وتجعله اكثر احتضاناً لشارون، خصوصاً الاعلان عن اخلاء ما يسمى بـ«المستوطنات غير الشرعية» اي المستوطنات التي أقيمت من دون قرار حكومي وآخرها ما قاله، رئيس الكنيست، روبي رفلين، اكثر المقربين من شارون، عن ان شارون ينوي ازالة 17 مستوطنة «شرعية» من تلك القائمة بقرار حكومي و«ذلك لكي يتاح للفلسطينيين ان يقيموا دولتهم على اراض متصلة وغير متقطعة».

يذكر ان اسرائيل تغلي كالمرجل عشية قمة العقبة وذلك بسبب النشاط المحموم الذييقوم به قادة اليمين المتطرف وألوف المستوطنين في المناطق الفلسطينية المحتلة ضد خطة «خريطة الطريق» وتبعاتها. وبدأ هؤلاء يتهمون شارون بالخيانة، مما جعل جهاز المخابرات العامة (الشاباك) يشدد من الحراسة عليه ويغير برامج تحركاته ويلغي عدة نشاطات مقررة له ويشوش جدول اعماله من أجل تمويه تنقلاته. ورغم قيام العديد من المقربين من شارون بطمأنة المستوطنين بأن ما يجري على الساحة هو معركة سياسية هدفها الحفاظ على تواصل الدعم الأميركي وبأن هناك ثقة كاملة بأن الفلسطينيين لن يتابعوا المسيرة حتى نهايتها وسيوقفونها في مرحلة ما، فلا تضطر اسرائيل عندئذ الى الانسحاب وازالة مستوطنات، إلا ان اليمين المتطرف وقادة المستوطنين يرفضون الوقوف جانباً. ويعتبرون نشاطهم الرفضي «ضرورة ملحة وواجباً دينياً وقوميا ًمقدساً»، وكما قال احد قادتهم، بنحاس فاليرشتاين، «نشاطنا فضلاً عن كونه واجباً فانه يساعد على الصمود في وجه الضغوط الأميركية والعربية. فكلما زدنا رفضاً ونشاطاً، زاد موقف شارون قوة».

والملاحظ ان مساعدي شارون الذين يلتقون المستوطنين، هم بالأساس مبعوثون غير معروفين من الليكود ومن اصدقائه الشخصيين. لكن كبار موظفيه يحاولون بث توجه سياسي آخر للخارج، وخصوصاً للأميركيين، باتجاه التأكيد على جدية رئيسهم في العمل على دفع مسيرة السلام الى الأمام ودفع ثمن هذا السلام.

وكان أبرزهم موشيه يعلون، الذي اجتمع، امس، مع اعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست ليطلعهم على موقف الجيش من «خريطة الطريق» ومن التطورت المتسارعة على الساحة السياسية منذ ان قرر الرئيس بوش الالقاء بوزنه الشخصي لاستئناف مفاوضات السلام بين اسرائيل وفلسطين. وفاجأ يعلون مستمعيه بلهجته المعتدلة، إذ قال ان اسرائيل تؤيد اتفاق الهدنة. ورفض التعليق على التساؤلات حول سبب هذا التغيير الجذري في الموقف، إذ انه ورئيس الحكومة ومعظم الوزراء كانوا قد أعلنوا انهم لا يريدون هدنة مع «حماس» و«فتح» بل يريدون تصفية البنية التحتية لهما ولكل التنظيمات الفلسطينية المسلحة. واكتفى يعلون بالقول ان هناك عدة اشارات تدل على ان الفلسطينيين مستعدون لهدنة طويلة الأمد، إذ ان «حماس وغيرها يدركون ان الشعب الفلسطيني تعب من الصراع ونتائجه، ويريد الهدوء والسكينة، والتغيير. وبناء على ذلك ينبغي ان تتجاوب اسرائيل وتمد يدها لمساعدتهم على النجاح في ذلك».

من جهة ثانية قال مسؤول سياسي كبير في مكتب شارون، امس، ان الادارة الأميركية عموماً والرئيس بوش شخصياً ومعه وزير الخارجية، كولن باول، وكبار الموظفين الآخرين، يبذلون مساعي كبرى لدى القادة العرب حتى يساعدوا شارون ورئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) على فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما. وأضاف هذا المسؤول ان الأميركيين يحاولون اقناع العرب باقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل لمساعدة شارون في التغلب على المعارضة الداخلية، وبدعم حكومة ابو مان في الضغط على «حماس» وغيرها من التنظيمات المعارضة وان توقف نشاطها المسلح وتنجح الحكومة الفلسطينية في تثبيت السيطرة الأمنية وتنفيذ الاصلاحات.

وأكد هذا المسؤول ان بوش قرر عقد جلسة ثنائية مع شارون لكي يبلور وإياه أقصى حد من التنسيق والتفاهم قبل ان يشاركا في لقاء القمة مع ابو مازن والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. قال: «ليس سراً ان الرئيس بوش يريد ان يخرج من لقاء العقبة بانجاز سياسي كبير، وهو يعرف ان المفتاح لذلك هو بيد شارون».

وتجدر الاشارة الى ان اجهزة الأمن الاسرائيلية تعمل في اطار حالة استنفار شامل داخل اسرائيل وعلى الحدود مع المناطق الفلسطينية بهدف منع تنفيذ عملية تفجيرية، وذلك رغم تلقيها وعداً رسمياً من السلطة الفلسطينية بأن تعمل كل ما في وسعها لمنع عمليات كهذه. وفي اطار هذه الحملة فرضت قوات الاحتلال حصاراً مكثفاً على المناطق الفلسطينية وأعلنت رام الله منطقة عسكرية مغلقة.