الأجهزة المغربية تقترب من نهاية الشوط لتفكيك تنظيمي «السلفية الجهادية» و«الصراط المستقيم»

TT

أصبح الدخول إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون في حي «بلاس بتري» في وسط الرباط يحتم المرور عبر حاجز أمني يقف خلفه رجال شرطة بزيهم الرسمي يساعدهم موظفون في شركة أمنية خاصة. أحد موظفي الشركة الأمنية يمسك بحزام جلدي يربط به كلباً من فصيلة «دوبرمان» الألمانية المدربة على الكشف عن السلاح والمتفجرات.

واستأنس سكان الحي بهذا المشهد الذي بات مألوفاً لديهم إلى حد أنهم في بعض الأحيان يتبادلون أطراف حديث مرح مع الشرطة وموظفي الشركة الأمنية قرب الحاجز.

وتوجد الحواجز الأمنية الآن أمام جميع المؤسسات في المغرب بسبب تداعيات «الجمعة المرعبة» في الدار البيضاء. والناس لا يتبرمون منها. لعلهم اعتادوا عليها وهم قطعاً يشعرون بضرورتها.

اليوم سيخوض المنتخب المغربي لكرة القدم مباراة حاسمة ضد منتخب سيراليون في إطار منافسات كأس إفريقيا للأمم في ملعب «محمد الخامس» في الدار البيضاء. والسلطات الأمنية تتوقع أن يتجه أكبر حشد من الجماهير نحوالملعب منذ الأحداث. وأقيمت الحواجز الأمنية المتحركة والثابتة المؤدية للملعب منذ أمس.

في غمرة هذه المظاهرالأمنية التي لا تخطئها العين يواصل المحققون المغاربة عملهم في تفكيك تنظيمين متطرفين هما «السلفية الجهادية» و«الصراط المستقيم» والمعلومات المتداولة حالياً تفيد بأن معظم الذين قاموا بتفجيرات الدارالبيضاء ينتمون إلى «السلفية الجهادية» هذا على الأقل ما ذكرته النيابة العامة بعد إحالتها 19 متهماً على التحقيق القضائي. وعدد الذين أحيلوا على التحقيق بلغ حتى أول من أمس 43 متهماً.

وتتوقع الأجهزة الأمنية أن يتم تفكيك «السلفية الجهادية» و«الصراط المستقيم» قبل أن يمضي شهر على «الجمعة المرعبة» أي قبل 16 يونيو (حزيران) الحالي.

ولا أحد يعرف على وجه الدقة المجموعة التي تقود أو تنسق بين الأجهزة الأمنية التي تقوم بعمليات التحقيق، لكن دبلوماسيا أوروبيا قال إن «أداءهم مدهش».

ويساعد المحققين المغاربة محققون من ثلاثة أجهزة غربية هي «إف بي آي» الاميركية و«دي إس تي» الفرنسية و «سيسيد» الأسبانية لكن الواضح أن دور هذه الأجهزة تقني ، وهو ما يفهم من خلال إشارة نسبها صحافيون مغاربة عقدوا لقاء ليس للنشر مع السفيرة الاميركية مارغريت تتوايلر في الرباط.

لا أحد يعرف أسماء أو المواقع الوظيفية للمحققين المغاربة،وهذه أمور تحاط عادة بقدر كبير من التكتم. لكن طبقاً لمصادر تواكب التحقيقات فإن أربع مجموعات يبدو أنها تعمل بتنسيق محكم، وهي الفرقة الجنائية الوطنية التابعة للشرطة، فريق من جهاز حماية التراب الوطني، الذي يعرف بحروفه الأولى مترجمة للغة الفرنسية «دي إس تي» ومجموعة تابعة «للاستعلامات العامة» (المباحث) ووحدة التحقيق القضائي في الدرك الملكي.

والواضح أن فرق التحقيق تعتمد على الفراسة البشرية في تحليل المعلومات وتتبع خيوط التنظيمين المتطرفين وتشديد الخناق عليهما. وأصبح الناس يعرفون أن فرق التحقيق توصلت إلى «معلومات مهمة» من خلال استنطاق المتابعين عندما تتم مداهمة بعض الأحياء في عدة مدن. ويكون فضول الناس عارماً عندما يصل رجال شرطة لإلقاء القبض على شخص ما. ويرجح أن البنية التنظيمية الهشة ساعدت كثيراً المحققين، إذ بدا منذ الوهلة الأولى أن المتورطين في الأحداث أميون أو شبه أميين وبعضهم تلقى قدراً محدوداً من التعليم ولا يعدوا أن يكونوا «إرهابيين هواة» تعوزهم الخبرة والدراية. ويبدو أنهم كانوا يقفزون من هذا التنظيم إلى الآخر طمعاً في «دخول الجنة». فتلك التنظيمات كانت توزع عليهم وعودها من دون حسيب أو رقيب. والثابت أنهم تعرضوا إلى عملية «غسيل مخ» جعلتهم يعتقدون أن «هذه الجنة» توجد تحت الأحزمة الناسفة.

ورغم أن أحداث «الجمعة المرعبة» خلقت حالة أقرب ما تكون إلى الزلزال في بلد سمته الأساسية التسامح والتساكن، فإن المنظمات الحقوقية حذرت من «الانزلاقات» خلال عمليات التحقيق.

وبموازاة مع ذلك يواصل المحققون عملهم الذي أضحى جلياً أنه يسير في خطين متوازيين الأول إلقاء القبض على جميع المتورطين في تفجيرات الدار البيضاء، والخط الثاني تفكيك التنظيمات المتطرفة، ورهانهما أن تفجيرات الدار البيضاء خلقت زخماً مضاداً للإرهاب لا يمكن إيقافه والمطلوب ألا يتكرر أبداً، وان يبقى المغرب بلداً لا تروعه أية أخبار سيئة.