وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: واشنطن أثارت معنا موضوع مكاتب حركة حماس... ومستعدون لإعادة النظر في وضعها إذا ثبت أنها تمارس دورا غير سياسي

إسماعيل: أميركا تفرض علينا 38 نوعا من العقوبات وتريد سلاما خلال أشهر

TT

قام وزير الخارجية السوداني الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل بزيارة للولايات المتحدة خلال الأيام الأخيرة، وصفت بأنها مهمة للغاية، التقى خلالها وزير الخارجية الأميركي كولن باول.

وكشف اسماعيل في حوار مع «الشرق الأوسط» ان واشنطن طلبت خلال هذه الزيارة من السودان وقف التعامل مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، وقال ان الخرطوم مستعدة للنظر في هذا الطلب اذا ثبت ان «حماس» تمارس أي نشاط في البلاد خارج اطار النشاط السياسي المحدد لها. وأوضح انه ناقش موضوع الارهاب مع المسؤولين الأميركيين واكتشف ان واشنطن تفرض على السودان 38 نوعاً من العقوبات في كافة المجالات بعضها متفرع من وضع السودان في قائمة الدول التي ترعى الارهاب. وحول موضوع السلام السوداني قال ان الولايات المتحدة تريد الوصول الى سلام خلال الأشهر القليلة المقبلة. وحول العلاقات مع مصر قال اسماعيل ان الحديث عن التكامل مع القاهرة لم يتطرق الى اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري وطالبت الحركة الشعبية لتحرير السودان بالغائها في العام 1988، مشيراً الى ان وقت تطبيقها سيأتي لاحقاً.

وفي ما يلي نص الحديث:

* ماذا حققت الزيارة والمباحثات الأخيرة في الولايات المتحدة؟

ـ هذه الزيارة تميزت بأنها فتحت الأبواب التي كانت مغلقة امامنا في السابق، كما ان اللقاءات والمحادثات تميزت بالشمول، فجاء الاهتمام بالشأن السوداني سواء في وزارة الدفاع (البنتاغون) او مقر وزارة الخارجية او مبنى الأمن القومي او الكونغرس، وكذلك التقيت بالجالية السودانية حيث يوجد عشرات الألوف من السودانيين واعتقد انهم سيلعبون دوراً مهماً في العلاقات السودانية ـ الأميركية وتطويرها لصالح التعاون الثنائي والمصالح المشتركة.

* ما هي بالتحديد القضايا التي جرى تداولها؟

ـ الواقع ان التناول كان شاملاً، فقد تحدثنا عن قضايا السلام في المنطقة وعلى رأسها عملية السلام في السودان، وكذلك القضايا الأخرى ذات الصلة بالقرن الأفريقي. وكذلك تطرقنا للاهتمامات الأميركية في المنطقة، والقضايا العالمية ذات الاهتمام المشترك.

* هل يعني ذلك ان العلاقات الثنائية لم تأخذ حقها الكافي في التداول؟

ـ الواقع اننا خصصنا وقتاً طويلاً للتداول حول العلاقات الثنائية خاصة ونحن نتهيأ لتوقيع اتفاقية السلام، وكذلك الرؤية المشتركة تجاه الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي.

* إذن ماذا تحقق من الزيارة والمباحثات الثنائية؟

ـ الزيارة أتاحت فرصة للطرفين لمناقشة رؤية مستقبلية للعلاقات السودانية ـ الأميركية وأوجه التعاون المشترك في المحاور الثنائية والاقليمية والدولية، ولقد التزم كل منا بأن يتابع كل جانب ما توصل اليه من أفكار ورؤى والاتفاق على خطة زمنية لتطور هذه العلاقة.

* هل يمكن معرفة طبيعة المباحثات مع وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول؟

ـ كان الاجتماع مع باول موسعاً من الطرفين وشاركت فيه من الجانب الأميركي كل المكاتب التابعة للخارجية الأميركية بدءاً من مساعد وزير الخارجية وولتر كنيستانير وانتهاء بالقائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم. وبالنسبة للجانب السوداني، ابتداء من رئاسة وزارة الخارجية ممثلة في السفير الكارب مدير ادارة شؤون الأميركتين وانتهاء بأعضاء السفارة السودانية في واشنطن وعلى رأسهم القائم بالأعمال السفير خضر هارون.

وأتيحت فرصة كافية للتداول حول كافة القضايا في جو اتسم بالموضوعية والحرص على ازالة ما تبقى من عقبات في طريق تطبيع العلاقات السودانية ـ الأميركية وبالرغم من اننا لا نقول اننا توصلنا الى تطبيع كامل بين البلدين ولكن قطعاً فان الزيارة والمباحثات الثنائية سجلت تقدماً ملموساً في مسار العلاقات بين البلدين.

* هل هنالك اتفاق على التعاون الثنائي في محاربة الارهاب؟

ـ التعاون في محاربة الارهاب مثل أحد الموضوعات التي نالت حيزاً في المباحثات الثنائية وكان هنالك تأمين على تعاون ايجابي يجري في هذا الملف، واننا نوصي باستمرار هذا التعاون بين البلدين، ولا توجد مشكلة، وأن ما تبقى من مسائل، في امكان البلدين معالجتها من خلال الحوار المفتوح. وهنالك أصلاً آلية موجودة بين الأجهزة الأمنية، وهذه الأجهزة تتعاون في ما بينها، والاجتماع أوصى باستمرار هذا التعاون لمصلحة البلدين.

* هل صحيح ان الادارة الأميركية طلبت منكم وقف التعامل مع «حماس»؟

ـ جاء ذكر «حماس» أثناء المباحثات وكان هنالك خلاف حول ما اذا كانت «حماس» تمارس عملاً ارهابياً في السودان أم لا، وكانت وجهة نظرنا ان وجود «حماس» في السودان هو وجود سياسي ولكن اذا ثبت للسودان ان «حماس» تمارس أي نشاط تقتنع به الحكومة السودانية وتعتبره يخرج عن دائرة النشاط السياسي المسموح به فان الحكومة مستعدة ان تنظر في هذا الموضوع.

* هل يمكن تحديد زمن لإحداث التقارب بين البلدين؟

ـ تحديد الزمن متروك للتشاور بين الخرطوم وواشنطن، وقد اكتشفنا ان الحكومة الأميركية تفرض على السودان قائمة عقوبات وصلت الى 38 قراراً في كافة المجالات ضد السودان، وهنالك عقوبات تفرعت من وضع السودان في قائمة الدول التي ترعى الارهاب، وهو ما يصعب المهمة.

* وكيف يمكن ان ترفع هذه العقوبات؟

ـ حرصنا جداً في مباحثاتنا في واشنطن على ان نؤكد للادارة الأميركية انها ليست في حاجة الى دولة تكون تابعة لسياساتها، فلديها ما يكفي، بل هي في حاجة الى شريك فاعل يحترم وجهة نظر الادارة الأميركية ولكنه يقدم لها الرؤية، والرأي السديد خاصة في القضايا ذات الصلة باهتماماته او المتمكن منها، ويعرفها جيداً كالقضايا القطرية والاقليمية، وهذه العلاقات هي التي نسعى اليها من خلال هذا الحوار.

* وهل قبلت الادارة الأميركية بمثل هذا الطرح؟

ـ نعتقد بوجود امكانية، وبجهد مقدر من الطرفين يمكن الوصول الى هذه المعادلة، وقطعاً فان السودانيين هم الأدرى بمشاكل السودان رغم انهم بحاجة الى تدخل الولايات المتحدة، فالتدخل يجب أن لا يفهم منه ان الولايات المتحدة تفهم مشكلات السودان أفضل من السودانيين أنفسهم، وانما لأن لدى الولايات المتحدة نفوذاً يمكن ان تستخدمه في حلحلة مشاكل السودان، فنحن في سياساتنا الخارجية نعرف تماماً ان السودان ليس جزيرة معزولة عن العالم، وكذلك نحرص على ثوابت الأمة السودانية مع اصطحاب المتغيرات الاقليمية والدولية، وهذا الجانب في غاية الدقة يقوم على هندسة رفيعة في التسديد والمقارنة.

* هل تراجع اهتمام الادارة الأميركية بعملية السلام في السودان؟

ـ الاحساس الذي لمسناه بالنسبة لتناول عملية السلام، أظهر ان الادارة الأميركية ليست فقط حريصة على السلام بل انها مصممة على الوصول الى اتفاقية سلام، وفي هذا الاطار فهي تفتح الباب للاستماع الى وجهة نظر كافة الأطراف السودانية المعنية في عملية السلام.

* هل حددت الادارة الأميركية موعداً لتوقيع اتفاقية السلام؟

ـ الموعد الذي سبق ان أعلن تحديده لتوقيع الاتفاقية قبل 30 يونيو (حزيران) ورد في البيان المشترك عقب الاجتماع الذي تم بين الرئيس عمر البشير وزعيم الحركة الشعبية جون قرنق في نيروبي، والآن فان كبير المفاوضين سيمبويا أعلن موعداً جديداً وهو 30 اغسطس (آب) المقبل. ولكن الحركة الشعبية من جانبها تردد في أجهزة الاعلام انها غير مهتمة بتحديد موعد بقدر ما هي مهتمة بعملية التفاوض نفسها.

* ولكن ما هو انطباعكم المباشر بالنسبة لموقف الادارة الأميركية من اتفاق السلام؟

ـ ما فهمته من الادارة الأميركية انها حريصة على الوصول الى اتفاقية سلام في الأشهر القليلة القادمة، واعتقد انها تعني ذلك.

* كيف تفسرون اهتمام الادارة الأميركية بعملية السلام في السودان رغم مشاغلها الجمة؟

ـ حرص الادارة الأميركية على تحقيق السلام في السودان ينبع من عدة عوامل: اولاً ـ الحرب في السودان تعتبر أطول الحروب في افريقيا وأصبحت جزءاً من قضايا السياسة الأميركية أي ان لها أنصارها ومجموعات الضغط لتحقيق السلام بمجهود الادارة الأميركية لأنه يصب في صالح الادارة الأميركية بالنسبة لسياساتها الداخلية والخارجية.

ثانياً ـ الحملة الدولية لمكافحة الارهاب تضع في مقدمة أولوياتها معالجة النزاعات وبؤر التوتر حتى لا تسهم في خلق أجواء لتفريخ الارهاب.

ثالثاً ـ الادارة الأميركية في الفترة الأخيرة أظهرت اهتماماً بالقارة الأفريقية خاصة عبر مبادراتها في تنمية افريقيا وعلاقة شراكة اقتصادية وتجارية وسياسية بين الولايات المتحدة وافريقيا، وهذه تحتاج الى سلام ومعالجة بؤر التوتر في داخل الدول الأفريقية وبين بعضها البعض، والذي ينظر الى خريطة السودان يجد ان افريقيا بدونه تكون ممزقة الأوصال، مشتتة الأطراف، فالسودان هو الشريط الوحيد ما بين شمال افريقيا، وجنوبها وغرب افريقيا وشرقها.

رابعاً ـ السودان من حيث الحجم ومن حيث التركيبة السودانية المتعددة الأعراق والثقافات والديانات يمثل صورة لكل المشكلات الموجودة في العالم تقريباً، فاذا تحققت المعالجة للمشكلة السودانية يمكن ان تكون نموذجاً لحل المشكلات ليس في افريقيا وحدها وانما في العالم اجمع.

خامساً ـ الولايات المتحدة تعلم تماماً ان السودان واحد من ثلاث دول في افريقيا (السودان، والكونغو الديمقراطية ونيجيريا) لديها من الثروات الضخمة التي اذا أحسن استثمارها فانها لا تعالج مشكلات افريقيا فحسب، بل تسهم في حل مشاكل العالم، ولذلك فان السلام يعد الخطوة الأولى في استثمار هذه الثروات.

* هل العودة الى تنشيط اتفاقيات التكامل بين السودان ومصر تشمل اتفاقية الدفاع المشترك التي اشترطت الحركة الشعبية الغاءها في نوفمبر (تشرين الثاني) 1988؟

ـ الذي طرح في لقاءات القمة السودانية ـ المصرية هو العمل على تنشيط اتفاقيات التكامل بصورة عامة وبوجه خاص في المجالات الاقتصادية والتجارية وبالتالي تصبح اتفاقية الدفاع المشترك كغيرها من بعض الاتفاقيات الأخرى، سيأتي وقتها لاحقاً وهي ليست مطروحة الآن.

* هل انحسر التوتر والعداء بين الخرطوم وأسمرة؟

ـ اذا كان السودان يتحدث عن استقرار الاقليم وتنميته، فقطعاً لا يمكن ان تكون اريتريا بمعزل عن ذلك وليس في سياسة السودان التدخل في الشؤون الداخلية في أي دولة إلا اذا اضطر لذلك وفق القوانين الدولية التي تتيح ذلك.

ولذلك فان كل الذي نرجوه هو ان تكف اريتريا عن التدخل في الشأن السوداني وان تتركنا نعالج اشكالاتنا وأن تركز هي بدورها على معالجة مشكلاتها الداخلية حيث ان هذه الخطوة مهمة لكي نتحدث عن أي خطوة قادمة.