مؤتمر الليكود يوجه اتهامات لشارون بالخنوع وبعض الحاضرين حاول الاعتداء على ابنه عومري

TT

خرج رئيس الوزراء الاسرائيلي اربيل شارون، من مؤتمر حزبه الحاكم (الليكود)، مثخنا بالجراح، فجر امس، وذلك اثر تلقيه العديد من الصفعات من عشرات مندوبي المؤتمر، بمن فيهم وزراء في حكومته، الذين اتهموه بالخنوع والاستسلام، وحاول بعضهم الاعتداء الجسدي على ابنه عومري ورجالاته.

وقد كان عزاؤه الوحيد ان المؤتمر لم ينفجر تحت قدميه. لكن هذا العزاء مؤقت. اذ ان المؤتمر قرر ان يلتئم مرة اخرى بعد اسبوعين، ليبحث في لب المشكلة، حيث سيجري المناقشات حول «خريطة الطريق» من اجل رفضها او اقرارها.

وكان شارون قد حضر الى المؤتمر وهو يدرك انه سيواجه فيه معارضة قوية، رغم ان موضوع البحث لم يكن سياسيا، بل اقتصر على استعدادات الليكود للانتخابات البلدية القادمة، والمتوقع اجراؤها في شهر اكتوبر (تشرين الاول) المقبل. الا ان معارضيه تمكنوا من توجيه صفعتين اليه. فقد رفضوا اقتراحا بأن ينتخب مرشحو الحزب للبلديات بواسطة لجنة داخلية يرأسها شارون نفسه، حتى لا يستغل هذا المركز للانتقام من معارضيه السياسيين. وحولوا الجلسة الى ساحة وغى حول «خريطة الطريق» واعلان شارون قبولها، هاجموا خلالها سياسته بشدة واتهموه فيها بـ«الخنوع للارهاب».

وبدأ الهجوم على شارون حال دخوله الى القاعة. ففي حين راح مؤيدوه يصفقون له واقفين، اخذ معارضوه يهتفون «بوووز..» ويطلقون الصفارات. وهكذا فعلوا مع كل من خطب في المؤتمر مؤيدا لسياسته. كما حاولوا منعه هو نفسه من الكلام، ورافقوا خطابه من الكلمة الاولى حتى الاخيرة بالصخب والضجيج. فلم يسمعه احد بتاتا، باستثناء الصحافيين الذين وضعوا آلات التسجيل على منصة الخطابة، ورفعوا شعارات تقول: «شارون خنع للارهاب، لكن الليكود لا يخنع» و«خريطة الاوهام» (يقصدون «خريطة الطريق») و«اذهب الى البيت». وصاح عدد قليل منهم: «شارون خائن»، علما بأن عددا من افراد عصابة الارهاب اليهودية «كاخ» كانوا يتظاهرون خارج القاعة وسط غابة من الشعارات التي تصفه بالخيانة.

ووقف وزير الشؤون الاستراتيجية، عوزي لانداو، معلنا ان شارون يقود اسرائيل الى كارثة بهذه السياسة. فيما قال وزير المالية، بنيامين نتنياهو، ان اقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل هي بمثابة «اقامة مصنع للعمليات الارهابية. مدرسة للارهاب».

وعندما وقف وزير الخارجية ، سيلفان شالوم، ووزير التجارة والصناعة، النطاق بلسان الحكومة، ايهود اولمرت، يدافعان عن سياسة شارون، جوبها بحملة اسكات واخراس من الجمهور مما جعل وزير الدفاع، شاؤول موفاز، المؤيد لشارون، يكرس خطابه لمهاجمة الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، ويساير الجمهور بالقول انه لا يثق بأن القيادة الفلسطينية الحالية، برئاسة محمود عباس (ابو مازن)، ستنفذ التزاماتها في كبح جماح الارهاب مما يعني انه ـ اي موفاز ـ يرى ان موافقة اسرائيل على «خريطة الطريق» مجرد خطوة تكتيكية تقوم بها مع الاقتناع بأن الفلسطينيين لن يفوا بالتزاماتهم. وعندها تكون اسرائيل في حل من هذا الاتفاق.

اما شارون نفسه، فقد بدا انه لا يخاطب اعضاء المؤتمر، بل يتجاهلهم. ويخاطب كاميرات التلفزيون حتى يتجاوز رفاقه الدوغمائيين في الحزب ويتخطاهم باتجاه الجمهور اليهودي قائلاً: «انظروا كم هو صعب وضعي داخل الحزب؟ وكم انا معتدل في مواقفي السياسية؟ وكم اضحي في سبيل السلام». وأعلن انه متمسك بوعده قبل الانتخابات في ان يجلب السلام والامن لاسرائيل. وقال انه ملتزم بتطبيق القانون (يقصد ازالة المستوطنات «غير الشرعية»، حسب المنطق الاسرائيلي). ووعد بأن ينتصر في المعركة ضد الارهاب «التي حققنا فيها مكاسب كبرى واصبحت في مرحلتها النهائية».

ولكن شارون في الوقت نفسه، لم يذكر كلمة الدولة الفلسطينية قط في خطابه. واختلف مساعدوه في تفسير ذلك، اذ قال احدهم ان الكلمة وردت في الخطاب وان شارون اغفل ذكرها من دون قصد، فيما قال آخر انه اسقطها ولم يقرأها خوفا من تفجير اكبر للجلسة.

لقد خرج شارون من الجلسة برفقة اقرب مساعديه، ولم ينبس اي منهما ببنت شفة طول الطريق الى البيت. فيما راح مساعدون يحللون ما جرى. وكانت الخلاصة من تحليلاتهم ان شارون عبر هذا الاختبار بنجاح، حيث تمكن من اكمال خطابه واستمرت الجلسة حتى نهايتها ولم ينجح معارضوه في ما خططوا له لتفجير الجلسة.

والحقيقة ان شارون اكثر من يعرف ان كان هذا يسمى نجاحا ام لا، اذ انه في الماضي، قبل ان يصبح رئيس حكومة، كان يقود المعارضة ايضا داخل حزبه، ان كان ذلك في زمن اسحق شامير او بنيامين نتنياهو، بل في مرحلة معينة فعل ذلك بشكل جزئي ضد مناحيم بيغن. وهو عمليا يقطف اليوم ثمار ما كان قد غرسه في الماضي داخل الليكود. يحصد ما يزرع. فالمعارضون له هم في الاساس من قوى اليمين المتطرف التي وقفت طوال الوقت ضد احقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ودعت الى جعل الاردن دولة فلسطينية، وهو نفسه الذي كان يقودها. والمعارضون هم في الاساس من المستعمرين اليهود في المناطق الفلسطينية المحتلة، وهو نفسه كان قد دعاهم الى التمرد على اتفاقيات اوسلو واحتلال رؤوس الجبال واقامة المستوطنات اليهودية عليها، رغم انف الحكومة.

وهناك قضية اخرى تتعلق بمكنون نفس شارون. فهو في الواقع، ورغم خوفه من ان تتفاقم الامور ضده داخل حزبه، سعيد في الوقت نفسه بهذه المعارضة. اذ انه يستخدمها خير استخدام امام العالم كله وبشكل خاص امام الادارة الاميركية، ليظهر وكأنه معتدل ورجل سلام يتحدى قوى معارضة كثيرة داخل بيته بسبب سياسته السلامية هذه. وهو ينجح في هذا، حتى الآن، رغم ان هناك شكوكا كبرى حول حقيقة موقفه من مسيرة السلام. فهو ما زال يصر على ان تؤخذ بالاعتبار اعتراضاته على الـ14 بندا من «خريطة الطريق». والدولة الفلسطينية التي يريدها حاليا، هي مؤقتة، على مساحة 42 ـ 48 من الضفة الغربية وقطاع غزة، لا اكثر. وما زال يتردد في مساعدة حكومة ابو مازن الفلسطينية في مساعيها لتثبيت الامن والاستقرار، وينفذ عمليات عسكرية يوميا، بدعوى الحفاظ على أمن اسرائيل.