نظام صدام واصل تصفية معارضيه حتى قبل أيام من زواله

رجل دين يقول: «كان هناك عقيد عارض عمليات القتل قائلا إن النظام على وشك السقوط لماذا تعدمون الناس؟ فأعدِم هو أيضا»

TT

في مركز خاص بالاستخبارات العراقية السابقة يقع عند حدود بغداد بدأ العراقيون أول من أمس بإخراج جثث مدفونة في مقبرة جماعية قليلة العمق اعتقادا منهم أنهم قد يجدون بقايا عدد من الجنود الهاربين من الجيش تم إعدامهم خلال الأيام الأخيرة من حكومة الرئيس المخلوع صدام حسين.

وقال شاهدان من قرية سلمان باك الواقعة إلى جنوب العاصمة إنهم شاهدوا 115 جثة موضوعة على هيئة أكداس هنا يوم 10 أبريل (نيسان) الماضي وكلهم كانت أيديهم مشدودة خلف ظهورهم وأطلِق الرصاص على مؤخرة رؤوسهم. وفي محاولة لنقل الجثث يوم السبت الماضي وأمس استطاع العراقيون أن يعثروا على رفات ثمانية أشخاص لا يبدو أن أيا منهم قُتل في الفترة الأخيرة.

وإذا ثبتت صحة ما قاله شهود العيان فإنها ستدعم التقارير الأخرى التي قالت إن حكومة صدام حسين انكبت على عمليات قتل واسعة قبل أن تفقد السلطة بشهرين. وقال بعض الجنود الذين وقعوا في أسر القوات الأميركية إنهم قاموا بنقل بعض الجنود إلى مواقع مجهولة بينما قالت بعض التقارير الأخرى إن معارضين لصدام حسين كانوا هدفا في هذه التصفيات.

ويتذكر بعض سكان سلمان باك أنهم شاهدوا ثلاثة باصات حكومية مملوءة برجال متوجهة إلى المجمع العسكري الشاسع في بداية أبريل وهو المجمع المعروف من منذ فترة طويلة بأنه تابع للدوائر العسكرية والاستخباراتية.

وبعد سقوط بغداد يوم 9 أبريل قال قرويان إنهما تجرءا ودخلا إلى المجمع وهناك وجدا جثثا متكدسة بعضها فوق بعض مثل أحزمة الحطب. وقال سعيد سلومي، 47 سنة، الذي وجد حسب ادعائه الجثث ما زالت لم تتحلل بعد: «إنهم قُتلوا وتُركوا بدون أن يُدفنوا». أما داود محمد، 30 سنة، فلاحظ أنهم يرتدون ملابسهم العسكرية بالكامل أو جزئيا: «كان هناك 11 منهم يرتدون ملابس حمراء وعلى رؤوسهم شُدَّت أكياس. بينما كان هناك تسعة آخرون يرتدون بجامات مخططة» شبيهة بتلك التي يرتديها السجناء. الرجال المغطاة رؤوسهم لديهم لحى. وكل الرجال كانوا تحت سن الأربعين.

وقال الرجلان إنهم أحصوا عدد القتلى ودفنوا معظمهم ثم أخبروا السلطات الأميركية عن المقبرة الجماعية حيث أعلمتهم أنها ستقوم بفحص الموقع. لكن لم يحدث شيء مما دفع منظمة إسلامية متطوعة الى البدء بحفر هذا الجرف باستخدام رافعة ومجرفتين وأيادي المتطوعين تحت حرارة شمس تتجاوز الأربعين مئوية.

وعثر الباحثون على أربع جثث يوم السبت الماضي ثم أربع أخرى أمس فقاموا بوضع الجماجم والبقايا الأخرى في أكياس بلاستيكية ونقلها بعيدا لتدفن لاحقا.

وقال الشيخ كاظم الفرطوسي أحد رجال الدين البارزين الآن في بغداد والذي تكفل بالإشراف على عملية نقل الرفات: «هؤلاء الناس أخِذوا من السجون ومراكز الاعتقال لكي يعدَموا. نحن مقتنعون من وجود آلاف آخرين من الضحايا هنا».

وقال الميكانيكي سمارنة بعد العثور على هذا الموقع في أبريل إنه تعرَّف على ثلاثة ضحايا وهم هاربون من الجيش وقد رآهم لحظة اعتقالهم على أيدي الشرطة العسكرية في مدينته قبل أيام قليلة فقط من إعدامهم. وحاول عند مشاهدتهم مقبوضا عليهم إقناع المسؤول عن الاعتقال لإطلاق سراحهم لكن بدون جدوى، «أنا تكلمت مع الشرطة بلغتنا العشائرية وتخاصمت معه». وقد تمكن أن يأخذ جنديا هاربا ويخفيه في بيته حتى وصول القوات الأميركية. وحينما شاهد الجنود الفارين الثلاثة بين المعدومين أخذ بطاقات تعريفهم الشخصية من جيوبهم واتصل بأهاليهم.

وقال الفرطوسي وسط رائحة العفن المتصاعد من الجثث حوله إن مصادر أمنية من الحكومة السابقة أخبرت منظمته أن البعض عارض تنفيذ عمليات الإعدام «كان هناك عقيد عارض عمليات القتل قائلا النظام على وشك السقوط لماذا تعدمون الناس؟ فأعدِم هو أيضا».

وتم العثور لحد الآن على أكثر من 100 مقبرة جماعية في العراق تحتوي على آلاف الجثث منذ سقوط صدام حسين، حسب منظمة «مراقب حقوق الإنسان» غير الحكومية.

وقالت السلطات الأميركية إنها غير قادرة على إعطاء رقم مضبوط على عدد الضحايا في المقابر الجماعية وإنها تتوقع العثور على مقابر أخرى في الأشهر المقبلة. ولم يكن سهلا الحفاظ على الاحصائيات خصوصا مع عوائل الضحايا المتهالكة للحصول على أي معلومات حول أحبائها، فحالما ينزل أفراد هذه العوائل إلى موقع مقبرة جماعية ويعثرون عليهم يلتقطون عظامهم ويذهبون وهذا ما يعرقل جمع الأدلة لأي محققين سيجيئون لاحقا.

ولم يأت تقريبا أي من أقارب الضحايا إلى موقع سلمان باك. ويقع المجمع المعزول على شارع متكون من ممر واحد ومختف تحت أجمة من الشجيرات وهذه المنطقة استُعملت من قبل المخابرات والجيش معا حسب بعض العاملين السابقين فيها وتضم ما يقرب من ست بنايات تستخدَم للبحوث العسكرية وتكنولوجيا التجسس. كما يضم المجمع مركز اعتقال خاص للمسؤولين الكبار الذين فقدوا الحظوة لدى صدام حسين وهناك غرف تعذيب يستخدمها الأمن الداخلي.

لكن ساحة الإعدام بعيدة عن هذه المباني. وأول من أمس لم يكن هناك سوى خندق واحد طوله 100 قدم محفور في الأرض الهشة، ولعله كان من أجل أن يدفن الجلادون ضحاياهم كمقبرة جماعية للجثث. ولم يكن هناك أي مسعى للحفاظ على هذا الموقع في كونه مكانا لجريمة محتملة.

وليس واضحا إن كانت الجثث التي أخرجت أول من أمس هي لأولئك الناس الذي قُتلوا في أبريل، خصوصا مع غياب أي آثار لوقوع تحلل كبير في الجثث. وحالما تم العثور على جمجمة قام الباحث بتقصي أجزاء وجه إنسان حيث وضع الجمجة فوق قطعة فك لكن بقية الرفات لم يتم التعرف عليه وسط تجمع كبير من العظام والأنسجة البشرية والتراب.

وقال سلومي إنه شعر بالخيبة لعدم مجيء الأميركيين للمقبرة الجماعية على الرغم من مساعيه لإخبارهم «فمنذ 11 أبريل رحت أخبر كل شخص وبقيت أقول إن هناك مقبرة جماعية في سلمان باك لكن الأميركيين ظلوا يرددون ولثلاث مرات إنهم قادمون لكن لم يأت أي منهم».

أما عبد اللامي من معهد الولاء الإنساني في بغداد الذي هو منظمة خيرية إنسانية فكان يحمل معه دفتر ملاحظات لتسجيل أوصاف الضحايا كي يمكن التعرف عليهم لكن على الرغم من العثور على عدة أجساد لكنه لم يستطع أن يقوم بذلك.

وقال نادبا: «إذا كان يرد إعدامهم فلماذا لم يعدمهم ويعيدهم إلى عوائلهم؟ لماذا يقتلهم بهذه الطريقة؟ كيف يمكن لشخص كهذا أن يحكم بلدا إسلاميا؟ ما الذي على شعوب العالم أن تفعله مع شخص كهذا؟».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»