الانتقادات تحاصر وكالة الاستخبارات الأميركية من جميع الجهات

TT

مع استمرار النقاش حول أسباب عدم إثبات صحة مزاعم إدارة بوش بوجود أسلحة دمار شامل في العراق تتجه الأصابع الآن صوب نفس الاتجاه: وكالة الاستخبارات المركزية.

فالـ «سي آي إيه» هي المصفاة التي تمر عبرها كل المعلومات الاستخبارية التي تقوم بجمعها عدة منظمات من تلك التي تنتمي إلى البنتاغون وإلى تلك الملحقة بوزارة الطاقة. وإذا اتضح أن العراق لا يمتلك ترسانة أسلحة كيماوية أو بيولوجية فإن الـ «سي آي إيه» ستكون المكان الطبيعي وراء الأسباب التي آلت إلى أخطاء كبرى في التقدير.

لكن المنتقدين للإدارة الأميركية يقولون إن هناك أكثر من منطق يتحكم في مسار الأمور المتعلقة بالاستخبارات. وبعض أعضاء الكونغرس بدأوا بالاستفسار عما إذا كانت إدارة بوش قد بالغت بالمعلومات الاستخبارية المكتشفة كي تتوافق مع الخطط الحربية. وقالت كوندوليزا رايس مستشارة الرئيس للأمن القومي أول من أمس عبر برنامج «هذا الأسبوع» الذي تقدمه محطة «إيه بي سي» التلفزيونية إن «الرئيس يحصل على المعلومات من مدير وكالة الاستخبارات المركزية الذي يدير عملية منظمة تأخذ بنظر الاعتبار كل وجهات نظر الوكالات الاستخباراتية الأخرى».

واستخدمت رايس ووزير الخارجية الأميركية كولن باول فرصة ظهورهما على شاشة التلفزيون يوم الأحد الماضي لينكرا بشدة أن المعلومات الاستخباراتية عن العراق قد جرى تضخيمها أو أن الإدارة الأميركية قد تجاهلت الآراء المتعارضة التي لم تكن تساند التصريحات الحكومية.

فحينما أرادت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب مراجعة المعلومات الاستخبارية التي استخدمت لاتهام العراق بتطوير أسلحة محظورة، لم تذهب رسالتها المتعلقة بهذا الموضوع إلى البيت الأبيض الذي وضع السياسة الحربية أو وزارة الخارجية التي قدمت قضية إدانة العراق للأمم المتحدة أو وزارة الدفاع التي تسيطر على معظم الميزانية المخصصة للاستخبارات، بل أن الرسالة ذهبت إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت. وبدأ مجلسا الشيوخ والنواب بإجراء تحقيق بذلك.

وأصدر تينيت بيانا مختصرا في نهاية الشهر الماضي جاء فيه أن «دورنا هو تسمية الشيء كما نراه، وهذا هو بالضبط ما تم القيام به وما نستمر القيام به حول المسائل الاستخبارية المتعلقة بالعراق».

وحتى قبل بدء الحرب، كان مسؤولو الإدارة الأميركية يجدون صعوبة في التأكيد على أن وكالة الاستخبارات الأميركية تتحمل المسؤولية في نهاية الأمر بما يخص الاستخبارات التي كانت أساس تبرير غزو العراق. وأكثر الأمثلة التي يمكن تذكرها هو إصرار باول على جلوس تينيت وراءه مباشرة يوم 5 فبراير حينما ألقى باول خطابه أمام مجلس الأمن الدولي حول الأسلحة العراقية.

وتطرح وكالة استخبارات أخرى تساؤلات أيضا حول ما قامت به وكالة الاستخبارات الأميركية قبل الحرب. فحسب تقرير يحمل عنوان تقديرات الاستخبارات القومية حول العراق تم التنسيق في العمل عليه بواسطة وكالة الاستخبارات المركزية في الخريف الماضي، لكن ذلك التقرير يحمل آراء معارضة للخط العام خصوصا من مكتب الاستخبارات والبحوث التابع لوزارة الخارجية الأميركية إضافة إلى خبراء الأسلحة النووية العاملين في وزارة الطاقة. وقامت وكالة الاستخبارات المركزية من جانبها بنشر جزء من التقرير.

وهذه الفروع الاستخباراتية قد شكت بمدى صحة المعلومات المتعلقة ببرامج الأسلحة العراقية. وكان خبراء وزارة الطاقة متشككين بالغرض من وجود أنابيب الومنيوم قالت بعض مصادر الاستخبارات الأميركية إن الهدف منها هو تخصيب اليورانيوم لصناعة الأسلحة النووية حسبما قال مسؤول أميركي يعمل في حقل الاستخبارات وعلى إطلاع بالتقييم.

وقال كبير الديمقراطيين في لجنة استخبارات مجلس الشيوخ السناتور جاي روكفلر إنه في حالة عدم العثور على أي أسلحة دمار شامل في العراق فذلك يعني أن المعلومات المقدَّمة من قبل وكالة الاستخبارات الأميركية إما أن تكون «رديئة» أو «تم التلاعب بها لتصعيد العملية... لكن ذلك لا يجعل أي فرق في الحالتين مهما تكن الإجابة فإن النتاج سيئ».

كذلك هناك عدد من العوامل الأخرى بعضها لا صلة كبيرة له مع النقاش حول الأسلحة العراقية قد ساهمت في تسليط الأضواء على وكالة الاستخبارات المركزية في الفترة الأخيرة ومن هذه العوامل:

ـ وجِّهت للـ«سي آي إيه» وتينيت شخصيا انتقادات حادة بعد هجمات 11 سبتمبر لعدم التسلل إلى مخططات المهاجمين الانتحاريين. وجاءت الهجمات في أعقاب فشل آخر وقعت فيه وكالة الاستخبارات المركزية تحت سلطة تينيت بما فيها الفشل في كشف الهجوم الذي وقع في أكتوبر سنة 2000 ضد السفينة الأميركية كول والذي تسبب في مقتل17 بحارا ثم جاء الهجوم ضد السفارتين الأميركيتين في شرق أفريقيا وأدى إلى مقتل 24 شخصا.

ـ جهود الوكالة خلال الحرب ضد العراق قد سبَّبا تذمرا في الكونغرس وبين عدد من مسؤولي البيت الأبيض خصوصا في الجهود الهادفة لإيجاد بعض القياديين العراقيين الأساسيين بضمنهم صدام حسين أو اثبات موتهم.

ـ لم تتمكن الـ «سي آي ايه» من الدفاع عن نفسها إذ كيف يمكن لها أن تناقش طريقة جمعها للمعلومات الاستخبارية أو الكشف عن المصادر والطرق المتبعة في الحصول عليها إذ أن ذلك قد يؤدي إلى تهديد حياة الميدانيين السريين. لكن بما أن وكالة الاستخبارات الأميركية غير مشاركة بشكل مباشر في صياغة السياسة الخارجية فهذا أدى إلى إقصائها عن تحمل المسؤولية وأصبح الهدف الآن إيجاد مسؤولين ميدانيين كبار يتحملون مسؤلوية ما حدث.

* خدمة «يو إس إيه توداي» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»