المحرضون الثلاثة الكبار على العنف في السعودية.. كيف تكوّنوا وماذا يريدون؟

فتاوى التكفير طالت الأحياء والأموات ومثلهم الأعلى طالبان * الفهد والخضير والخالدي اعتبروا علماء المسلمين في الكيمياء والطب والرياضيات ضالين ووصفوا هجمات سبتمبر بغزوة مانهاتن ودافعوا عن المطلوبين الـ19 في السعودية

TT

«الشرق الأوسط»

تردد كثيرا في الآونة الاخيرة، ومنذ تفجيرات 12 مايو (ايار) في الرياض اسماء ثلاث شخصيات، باعتبارها الموجه النظري لتيار التحريض على العنف وهم «ناصر الفهد، علي الخضير، واحمد الخالدي. واحتفى الاعلام بخبر اعتقال الثلاثة قبل بضعة ايام، كما تداولت مواقع الانترنت تفاصيل طويلة تتعلق بهم. فمن هم، وكيف تكونوا، ولماذا برزوا؟ يعتبر هذا التيار «الجهادية السلفية» من احدث التيارات الاسلامية التي برزت الى السطح، وتزامن صعوده مع بروز حكومة طالبان الاسلامية في افغانستان، والادعاء بأنها المثل الارفع للنموذج الاسلامي (الشديد النقاوة)، الذي تمثل بالصرامة الحادة في تطبيق بعض السلوكيات والمعايير المحافظة (اللحية، والملابس، وتحريم الموسيقى..) ثم توجت ذلك بنسف تماثيل بوذا التاريخية في باميان والتي سببت احراجا كبيرا للمسلمين امام العالم. وتصدى هذا التيار للرد على كل من انتقد اجراءات طالبان التي لم تحظ بموافقة الفقهاء المرموقين في العالم الاسلامي، الذي عدوا ما قامت به طالبان نوعا من التعصب والغلو الديني. وتزعم شيخ هذا التيار حمود العقلا (استاذ سابق للشريعة، ورجل مسن توفي اعقاب 11 سبتمبر) مناصرة طالبان، ونشط العقلا ومعه الخضير والفهد في ابداء التأييد للملا عمر وحكومة طالبان معتبرين اياها النموذج الارقى. ومما جاء في رسالة مشتركة وقعها العقلا والخضير، وغيرهم، موجهة الى (امير المؤمنين) الملا عمر، نشرت في مواقعهم على الانترنت كتبا فيها «أمير المؤمنين: إن إعجابنا بأفعالكم ومناصرتنا لها لا ينقطعا ولن ينقطعا أبداً بإذن الله تعالى ما لم تبدلوا وتهنوا أوتتراجعوا، نسأل الله لنا ولكم الثبات حتى الممات . وإننا نطمئنكم بأننا وشريحة عظيمة من العلماء والدعاة وطلبة العلم معكم ونؤيدكم، ونقول لكم لا يسوءكم ولا يفت من قوتكم وإصراركم قول بعض المتخاذلين والمرجفين الذين ذموا صمودكم ولاموا أفعالكم، وزعموا بأنكم قتلتم أنفسكم وشعبكم ومزقتم دولتكم بفعلكم، إن فعلكم هذا هو عين الصواب».

كما وجهوا رسالة اخرى لعلماء باكستان طالبوهم فيها بمعارضة انضمام الحكومة الباكستانية للحملة ضد طالبان والقاعدة، معللين ذلك بواجب الاخوة الاسلامية، واستمر الامر على هذه الوتيرة، وغني عن القول ان هجمات 11 سبتمبر كانت من منظور هذا التيار نوعا من الجهاد في سبيل الله، او كـ (غزوة مانهاتن) كما سموها، كان موقفهم الحاد في وجوب نصرة طالبان مؤسس على مشروعية العمل الجهادي الذي تم في اميركا، ولا مشروعية الرد الاميركي باعتباره غزوا صليبيا وباعتبار طالبان الممثل الاصدق للاسلام. ولذلك فقد صّعد ناصر الفهد الموقف، فبين أن من انضم للحملة العالمية ضد الارهاب، التي كان اسقاط نظام طالبان والقاعدة احد فصولها، كافر خارج عن الاسلام كما في رسالته «التبيان في كفر من أعان الأمريكان: الجزء الأول: الحملة على أفغانستان». وبعد أن بدأت الحملة الاميركية ضد نظام صدام حسين، ووقتها كان الشيخ حمود العقلا قد توفي، غائبا عن الفصول التالية من نشاط «الجهادية السلفية» اصدر الفهد الجزء الثاني من رسالته هذه تحت عنوان «التبيان في كفر من أعان الاميركان: الجزء الثاني: الحملة على العراق». ثم اصدروا عددا من البيانات المحذرة من الانضمام لهذه الحملة متوعدة بالكفر والخروج من الملة. فقد نشر علي الخضير وناصر الفهد وأحمد الخالدي ثلاثة بيانات، وجه البيان الأول «إلى جميع العاملين من مدنيين وعسكريين ممن أرادوا المشاركة تحت لواء (النصارى) الأميركيين والإنجليز ونحوهم في حملتهم الصليبية ضد إخواننا المستضعفين في العراق». وأضاف البيان أن «الدخول تحت راية النصارى الكفار والقتال معهم وإعانتهم بأي نوع من الإعانة كالقتال معهم أو أن يكون قوة إسناد لهم أو يقوم بتأمين خطوط الإمداد لهم أو تأمين خطوط التموين وجلب الطعام والشراب لهم أو يقوم بنقلهم من موضع إلى آخر أو بإرسال الإشارات وتنسيق الاتصالات وغير ذلك من أوجه المساعدة والإعانة فقد «كفر بالله العظيم» وارتكب ناقضا من نواقض الإسلام بالإجماع». وجاء البيان الثاني على شكل رسالتين الأولى وجهت «للمعتقلين والمطاردين الذين ابتلوا بالأسر والتعذيب ونحو ذلك فنقول لهم ان هذا هو طريق الأنبياء والصالحين من قبلكم ولا يمكن للدين أن ينتصر إلا بالمرور بمثل هذه العوائق والعقبات». وكانت الرسالة الثانية «لمن لم يعتقل والذين قد يهنون لما أصاب إخوانهم في سبيل الله فنقول لهم: امضوا على بركة الله في عملكم لدين الله فإن هذا هو السبيل ولا تلتفتوا لمثل هذه العقبات ولا تجعلوا ما حل بإخوانكم يفت في عضدكم». وأخيرا اصدر الفهد، والخضير، والخالدي فتوى مشتركة حذروا فيها المواطنين من الابلاغ عن التسعة عشر المطلوبين الذين نشرت السلطات الامنية السعودية صورهم باعتبارهم متورطين بقضايا ارهابية، وجاء في الفتوى الثلاثية «يحرم تحريماً قاطعاً خذلان هؤلاء المجاهدين (التسعة عشر المطلوبين) أو الوقوف ضدهم. أو تشويه سمعتهم أو الإعانة عليهم، أو التبليغ عنهم». ومما يلفت الانتباه في هذه الفتوى كثرة الاستشهاد بنصوص لعلماء وفقهاء مسلمين، اموات، تعزيزا لموقفهم، على رأسهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه. وفقهاء قدماء مثل ابن حزم الاندلسي. ويبدوا أن هذه الفتوى كانت آخر عمل مشترك للثلاثة، اذ اعلن بعد ايام عن إلقاء القبض على الفهد والخضير والخالدي.

* من هم هؤلاء المحرضون؟

* ناصر الفهد ولد في الرياض في شهر شوال من عام 1968 ونشأ فيها، وتخرج بتفوق من جامعة الإمام محمد بن سعود، كلية الشريعة في العاصمة الرياض، عام 1992، وعيّن معيدا في كلية أصول الدين، قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة. استمر في عمله إلى أن اعتقل في عام 1995، واستمر معتقلا حتى 1998 حيث تم الإفراج عنه، مع فصله من الجامعة. ويتميز الفهد بكثرة التأليف وتنوعه، فهو مهتم بالعقيدة في المقام الاول، وله مشاركات فقهية، كما انه ذو اهتمام بالتاريخ المحلي، وقد كتب ترجمة جيدة للمفتي الراحل محمد بن ابرهيم آل الشيخ نقلها عن أبيه الذي كان احد تلاميذ الشيخ محمد بن ابراهيم. لناصر الفهد مجموعة من الآراء والمواقف التي تشد المراقب لجهة تشددها، فقد كفر الدولة العثمانية وسلاطينها، وهاجم من اعتبرهم خلفاء مسلمين كما في رسالته عن الدولة العثمانية، كما كفر الشاعر المصري احمد شوقي، واصدر رسالة بعنوان «حقيقة الحضارة» بين فيها ان كل العلماء المسلمين في الكيمياء والطب والرياضيات ليسوا مدعاة للفخر لانهم ضلال ومبتدعة. كما ان له رسالة مطولة في حكم استخدام اسلحة الدمار الشامل في الجهاد.

* علي الخضير فقد ولد عام 1954 في الرياض، وتخرج من كلية أصول الدين بجامعة الإمام بالقصيم عام 1983. بدأ طلبه للعلم في شبابه منذ أن كان في مرحلة الدراسة الثانوية، وأول بدايته كانت في دراسة القرآن تلاوة وتجويدا على يد الشيخ عبد الرؤوف الحناوي، وتتلمذ على يد الشيخ حمود العقلا، الذي درس عليه في التوحيد والعقيدة، والشيخ محمد بن صالح العثيمين درس عليه أربع سنوات من عام 1980 إلى عام 1983 في الفقه، وغيرهما، كما في ترجمته التي كتبها تلاميذه. مارس الخضير التدريس في المساجد، في مدينة بريدة، حيث كانت له حلقات و دروس يقوم بتدريسها في التوحيد والعقيدة والفقه، وكانت أول دروسه في المساجد عام 1985 في الفقه ومصطلح الحديث وكان عدد الطلاب لا يتجاوز الخمسة، من كتبه المطبوعة كتاب الحقائق في التوحيد، وكتاب الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد، وكتاب التوضيح والتتمات على كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب. له فتوى في تأييد أحداث 11 سبتمبر، وفتوى في تأييد محاربة أميركا تحت راية نظام صدام حسين، وعنوانها: «حكم قتال المسلم للصليبين تحت راية الطاغوت صدام».

و فتوى في أن من أعان أميركا ضد العراق بأي طريقة فهو كافر، ووقع معه على الفتوى ناصر الفهد، وأحمد الخالدي. ومما يلفت الانظار، تلك الفتوى التي اصدرها الخضير في تزكية منظري الفكر الجهادي التكفيري كما في أجوبته في اللقاء المفتوح مع منتدى «السلفيون». فقد وجه له سؤال يقول «ما الذي ترونه في هؤلاء الشيوخ: عبد المنعم مصطفى حليمة، الملقب بأبي بصير، عصام محمد البرقاوي المشهور بأبي محمد المقدسي. وعمر بن محمود الملقب بأبي قتادة الفلسطيني؟» فاجاب الخضير «هؤلاء من علماء أهل السنة والتوحيد والعقيدة، ومن أهل الجهاد والتأليف والتعليم، ولا نعلم عنهم إلا خيرا، وقد قرأت لهم كتبا كثيرة، وما يُفترى عليهم من الكذب والزور في مسائل التكفير فهو محض افتراء ومن صنع المرجئة، وهم أهل سنة في باب التكفير والإيمان، وكان شيخنا العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله يثني عليهم خيرا ويمدحهم ويذب عنهم، ويراسلهم ويراسلونه».

* احمد الخالدي، ثالثهم، فهو كويتي المنشأ والموطن. ولد في منطقة جليب الشيوخ في الكويت سنة 1969 وقد حفظ القرآن الكريم ومتن كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ثم الواسطية لابن تيمية وفي سنة 1993 انتقل من الكويت إلى المدينة المنورة في السعودية ثم انتقل إلى «القرية العليا» في المنطقة الشرقية من السعودية، ثم انتقل إلى ولكن محافظة الاحساء فيها عام 2001 حيث استقر بها. قرأ على الشيخ إبراهيم بن محمد بن سعد الحصين (2) إبطال التنديد في شرح كتاب التوحيد وسبيل النجاة والفكاك للشيخ حمد بن عتيق وأوثق عرى الإيمان وحكم موالاة أهل الإشراك للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ ومفيد المستفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب وتكفير المعين للعلامة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن وشرح أصل الدين وقاعدته والمرد العذب الزلال للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وتحكيم القوانين الوضعية للشيخ محمد بن إبراهيم والعبودية والانتصار لحزب الله الموحدين للعلامة عبد الله أبابطين وأسباب نجاة السؤول من السيف المسلول لبعض علماء نجد. كما قرأ على الشيخ حمد بن ريس الريس تحكيم القوانين الوضعية للشيخ محمد بن إبراهيم وست مواضع من السيرة للشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقرأ على شيخه علي الخضير رسالة في معنى الطاغوت للشيخ محمد بن عبد الوهاب وتقريرات في أصل الدين للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحكم موالاة أهل الإشراك للشيخ سليمان بن عبد الله وقد قَرَأ بعض مصنفات الشيخ عليه ومنها: قواعد وأصول في المقلدين والجهال وقيام الحجة والشرك الأكبر والكفر الأكبر والبدع، وجزء الجهل والتباس الحال، وجزء أصل دين الإسلام. وهذه المعلومات طبقا لما هو مكتوب عنه في مواقعهم الانترنتية. يشار الى ان للخالدي كتابا بعنوان «التحفة السنية في تحريم الدخول في العسكرية». صدرت عدة فتاوى عن هذا التيار في تكفير عدد من الكتاب والمثقفين فقد اصدر الراحل حمود العقلا فتاوى في تكفير كل من: المفكر والروائي السعودي تركي الحمد، والباحث التاريخي حسن بن فرحان المالكي، والمطرب الكويتي عبد الله الرويشد. واصدروا فتوى في «ردة» الكاتب السعودي منصور النقيدان وقع عليها بالاضافة للخضير والخالدي اثنان آخران. هذه هي ابرز المحطات والمواقف التي مر بها تيار «الجهادية السلفية» في السعودية، ويبقى السؤال الأهم قائما: هل هذه هي أزمة تيار معزول لاقيمة له، أم أن الأمر اعقد من ذلك؟