مسؤولون عسكريون أميركيون: صدام حي ويستخدم بيوتا آمنة للاختفاء بدلا من الأنفاق المحصنة

TT

صرح مسؤولون عسكريون أميركيون بأن مسؤولين عراقيين محتجزين أبلغوا المحققين بأن صدام حسين وولديه نجوا من الضربات الجوية يومي 19 مارس (آذار) و7 ابريل (نيسان) الماضيين، على موقعين كانت وكالة المخابرات المركزية الاميركية تعتقد انهم مجتمعون فيهما. وقال المسؤولون الاميركيون ان صدام ما يزال في العراق. واشاروا الى انهم يعتمدون على معلومات من المواطنين العراقيين، وهي معلومات غير موثقة في الغالب، وتأتي احيانا من اشخاص يسعون الى الانتقام من جيران لهم عبر ربطهم بالنظام السابق.

ويعترف الاميركيون بان الاخفاق، حتى الآن، في اعتقال أو قتل صدام قد اضر بمساعي الادارة المدنية الاميركية لغرض الامن. وقال بول بريمر الحاكم المدني الاميركي في العراق ان هذا الوضع يتيح للبعثيين التحرك في الاسواق وفي القرى قائلين «ان صدام حي، وانه سيعود».

وفي مقابلة معه في العراق اوائل الشهر الحالي قال بريمر انه كلما طال الغموض حول مصير صدام، زاد احتمال مواصلة الاعضاء السابقين في الجيش والشرطة وحزب البعث والمخابرات العراقية، المنحلة الآن، هجماتهم ضد القوات الاميركية. ومنذ الاول من مايو (أيار) الماضي حين اعلن الرئيس الاميركي جورج بوش انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية، قتل 12 من افراد القوات الاميركية في النزاع.

وفي مؤتمر صحافي عقده في مبنى الكونغرس الاميركي اول من امس قال أحمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، انه يعتقد ان صدام حي، وما يزال في العراق، ويعمل على مقاومة القوات الاميركية هناك. واضاف «انه (صدام) خصص جائزة مالية لقتل الجنود الاميركيين، وقد نقل هذا شفهياً الى الناس».

وقال الجلبي انه من بين المؤشرات على ان صدام حي ظهور منشورات في بغداد عليها صورة واسم الرئيس العراقي المخلوع، اضافة الى شعاره.

وأضاف «اذا ما بحثنا عنه بطريقة ذكية، فأعتقد انه سيجري العثور عليه». وعندما طلب منه توضيح ما يعنيه قال الجلبي انه ينبغي على القوات الاميركية ان تقوم بتعاون افضل مع حلفائها العراقيين، مؤكداً ان «المزيد من التعاون، والمزيد من النشاط، والمزيد من السبل للاستفادة العملية من المعلومات التي توفرها هذه المصادر العراقية.. هو ما يقتضيه الحال».

وفي غضون ذلك لا يوجد الكثير من الادلة التي تقود الى صدام. ويقول مسؤولون عسكريون واستخباراتيون اميركيون انهم يلاحقون المعلومات حول اماكن وجود صدام وكبار المسؤولين العراقيين الآخرين. وتأتي معظم المعلومات من عراقيين يتصلون بالقوات الأميركية في الشارع.

ويقول الفريق ديفيد ماكيرنان، قائد قوات التحالف البرية في العراق ان «هناك الكثير من المعلومات. وهناك الكثير من التقارير التي نتابعها. فمنذ اليوم الاول، وحتى هذا اليوم، نبحث عن كل الموجودين في القائمة السوداء (القائمة الاميركية للمسؤولين العراقيين المطلوبين)، بمن فيهم عائلة صدام حسين» وتنقل هذه المعلومات الى وكالة المخابرات المركزية ووكالة الاستخبارات الدفاعية، التي تتصل بعملائها العرب في الميدان ويمتزج هؤلاء العملاء بالسكان المحليين، ويحاولون التوثق من المعلومات بالذهاب الى حيث يعتقد ان رجال صدام مختبئون.

وفي الفترة الاخيرة ظلت فرق التفتيش تركز على حي المنصور في غرب بغداد، مقر اقامة عدد من اعضاء نظام صدام السابقين. وقد دمرت طائرة اميركية بيتاً هناك يوم 7 ابريل (نيسان) بعد ان قال مسؤولون في وكالة المخابرات المركزية انهم يعتقدون ان صدام ومسؤولين آخرين في نظامه كانوا يعقدون اجتماعاً فيه. وفي الاسبوع الماضي قامت قوات اميركية بالتنقيب في حفرة بعمق 60 قدماً في موقع البيت على امل العثور على بقايا بشرية. ولم تنشر نتائج البحث التي انتهت اوائل الاسبوع الحالي.

وأدت بعض المعلومات الى القاء القبض على مسؤولين في مستوى أدنى. ويقول مسؤولون عسكريون ان عشرات من المسؤولين العراقيين المشتبه فيهم، وأفراد عوائلهم، والمتعاطفين معهم قد اعتقلوا خلال الدوريات. ويشيرون مثلاً الى القاء القبض على عامر رشيد محمد المستشار الرئاسي ووزير النفط السابق يوم 28 ابريل بعد ان تلقت دورية من القوات الاميركية في منطقة ببغداد معلومات عن مكان وجوده وفقاً لما قالته الرقيب سينثيا بوركهارت وقد اخذ محمد ومسؤولون عراقيون آخرون ممن القي القبض عليهم الى احد مراكز الاعتقال العديدة في بغداد، وبينها سجن مؤقت في مطار المدينة الدولي، حيث يجري التحقيق معهم من جانب محققين من وكالة المخابرات المركزية ووكالة الاستخبارات الدفاعية، كما يقول مسؤولون عسكريون اميركيون.

وينتهي الكثير من المعلومات الى كونها اشاعات. ففي يوم 18 مايو (ايار) الماضي انقضت قوات اميركية تدعمها طائرات أباتشي على دار زعيم قبلي هو مشعان الدليمي في غرب العراق بعد تلقي معلومات من عراقيين اشارت الى انه يؤوي صدام. وكان الدليمي على صداقة مديدة مع الرئيس العراقي المخلوع. ولكن صدام لم يكن هناك.

ومن بين كثير ممن يدعون انهم يعرفون اماكن وجود صدام رجل اعمال يدعى معروف نوري، وهو نسيب نائب الرئيس العراقي المخلوع طه ياسين رمضان، الذي يحمل الرقم 20 في قائمة وزارة الدفاع الاميركية التي تضم المسؤولين العراقيين المطلوبين. ويقول نوري 49 عاماً ان صدام ونجله الاصغر قصي يختفيان، معاً، في احدى ضواحي بغداد. ويضيف ان عدي، النجل الاكبر لصدام، قد اتخذ ملاذاً مع مجموعة صغيرة من أنصاره في مكان قريب.

ويقول نوري ان «صدام في بغداد، يجمع انصاره ويأمل في العودة». ويضيف ان صدام «يشجع هذه الهجمات ضد الجنود الاميركيين».

ويقول مسؤولون اميركيون انهم لا يستطيعون اثبات مزاعم نوري. لكنهم تلقوا تقارير غير مؤكدة على ان صدام قام بزيارة بغداد ليلاً للقاء بموالين له.

ويشعر مسؤولون عسكريون واستخباراتيون اميركيون بثقة كبيرة بان صدام ونجليه وزعماء آخرين لا يختبئون في الاماكن المحصنة والانفاق تحت الارض في العراق التي يزيد عددها على اربعة وعشرين. فقد فتشت قوات التحالف هذه الانفاق والاماكن المحصنة في بغداد، وفي تكريت، وفي مدينة بيجي الشمالية، وفي غرب العراق. وكانت كلها فارغة رغم العثور في بعضها على رزم اغذية وقناني مياه. ويشير هؤلاء المسؤولون الى ان صدام يختبئ في بيوت مختلفة.

وخلال حرب الخليج عام 1991 اختفى صدام في بيوت عدة في مناطق ببغداد، الامر الذي احبط مساعي القوات الاميركية للعثور عليه، وفقا لما قاله مايك فيكرز، المستشار في وزارة الدفاع الاميركية والضابط السابق في قوات القبعات الخضر.

ويقول بعض مسؤولي قوات التحالف ان صدام ربما اخفى مظهره لتجنب القاء القبض عليه. وحتى قبل الحرب عرف عنه انه كان يرتدي زياً شبيهاً بزي سائق شاحنة، ويتنقل بسيارات الاجرة وسيارات الاسعاف، وينام في بيوت مختلفة، مرات عدة، في الاسبوع.

وربما كانت آخر مرة مؤكدة شوهد فيها صدام هي عندما كان في شارع العرصات ببغداد يوم 5 ابريل (نيسان) الماضي.

ويقول مقيمون في المنطقة انه في الاول من ابريل (نيسان) وصل مسؤولون امنيون عراقيون ومعهم نجارون الى بيت صغير في شارع العرصات وبدأوا تكديس الطوب امام نوافذه، ونصب خطوط هاتف اضافية، وادخال سرير مستشفى لعدي، نجل صدام الاكبر. ويعتقد ان عدي يعاني من اثار اعاقة منذ محاولة اغتياله عام 1996. ويعتقد بعض المسؤولين الاميركيين ان عدي ربما يكون قد جرح في واحدة من الضربات الصاروخية الاخيرة.

وفي يوم 5 ابريل (نيسان) دخلت سيارة صغيرة فضية اللون ذات نوافذ مظللة الى فناء الدار. وظهر ثلاثة رجال يرتدون الدشاديش البيضاء الطويلة والكوفيات. ولم يكن أي شيء منهم مكشوف الملامح عدا عيونهم. وقد بقوا ليلة واحدة وغادروا قبل الفجر. ويقول الجيران انه بعد مغادرتهم، قدر مسؤولو الامن العراقيون الذين كانوا يقومون بحراسة البيت، بان الرجال الثلاثة كانوا صدام وعدي وقصي. ويقول مسؤولون عسكريون اميركيون، قاموا الشهر الماضي بتفتيش البيت، والتحقيق مع صاحبه، انه يبدو ان الرواية دقيقة.

ويشتمل البيت، الذي ظل فارغاً لشهور عدة، على جدار مزيف، تكمله خزانات كتب. وينفتح الجدار ليكشف عن ممر يؤدي الى ثلاث غرف حيث يعتقد ان صدام ونجليه قضوا ليلتهم هناك. وكان ديكور كل غرفة من الغرف بسيطاً، حيث تحتوي كل غرفة على سرير، ومنضدة وهاتف. ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان هناك عشرات من البيوت الآمنة الاخرى، حيث ربما بقي فيها صدام ونجلاه ـ وربما يختبئون فيها في انحاء مختلفة من العراق.

* خدمة «يو إس إيه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»