وزير العدل اللبناني لـ«الشرق الأوسط» أرفض تحويل القضاء ساحة لمعارك السياسيين

TT

في غمرة السجالات السياسية بين اركان اهل الحكم في لبنان وفي ظل تشديد كل فريق على الاحتكام للقانون والدستور، يبقى القضاء اللبناني محط انظار غالبية اللبنانيين لما يلقى على عاتق السلطة القضائية من ملفات مسيسة في معظمها، وليس أدلّ على ذلك من تلك الملفات التي فتحت ولم تغلق بسبب احتدام نزاعات أهل السلطة.

وزير العدل اللبناني بهيج طبارة، المحسوب على فريق رئيس الحكومة رفيق الحريري أصر في حديث لـ«الشرق الأوسط» على تحييد وزارته الحساسة عن التجاذبات السياسية. وهو يحاول قدر المستطاع تجنب زج القضاء في أتون الصراعات القائمة لما للقضاء من موقع يفرض ابعاده عن هذه اللعبة ليبقى ملاذاً للناس وموضع ثقة المواطن لأنه «اذا ما سقط القضاء سقط البلد وانهارت دعائم الدولة واسس بنيانها».

وقال طبارة العائد الى وزارة العدل بعد غيابه عنها اربع سنوات ونصف السنة بعدما تولى مهام هذه الوزارة طوال ست سنوات بين عامي 1992 و1998: «ثمة شعور لدى البعض بعدم الثقة بالقضاء، وهذا الشعور لم يأت من عبث. واولى مهماتي اليوم العمل على اعادة ثقة الناس بالقضاء ثقة كاملة غير منقوصة. وعلينا ان نستمع الى احتجاجات المحتجين ونعرف ما هو المطلوب لمعالجة الخلل».

واضاف: «من حق اي انسان يجد نفسه مظلوماً ان يعترض ويصرخ. فلا يجوز ان يطبق القانون على اناس او فئة، فيما ينجو آخرون منه. والاستنسابية في تطبيق القانون تولّد حالة من الظلم تدفع الطرف الآخر ليأخذ حقه بيده، فالقانون وضع ليطبق على الجميع بعدالة وان تكون هذه العدالة سريعة غير متسرعة، ولأن العدالة البطيئة بمثابة الظلم ومصدر تذمر الناس الذين يلجأون الى وسائل اخرى لتحصيل حقوقهم».

ورداً على ما يحكى عن ابقاء عشرات الملفات القضائية سيفاً مسلطاً فوق رؤوس اصحابها تفتح وتجمّد وفق الاهواء السياسية لم يخف طبارة انزعاجه حيال ذلك. وقال: «بدأت اشعر بهذا الواقع ككل الناس. لا يجوز بقاء الملفات عالقة وغير محسومة. كل الملفات من دون استثناء بدءاً بقضية اغتيال القضاة الاربعة التي وصلتني بشأنها رسالة من احدى نقابات المحامين في الخارج تسأل فيها باستهجان عن عدم كشف حقيقة هذه الجريمة بعد اربع سنوات من وقوعها، اضافة الى مئات الملفات الاخرى.. واستمرار هذه الحال يجعل القضاء عرضة للتدخلات السياسية».

وشدد طبارة على رفض تحول القضاء ساحة لمعارك السياسيين قائلا: «انا اطمح لأن تصبح العدلية مكاناً لحل المشاكل والخلافات السياسية، ولتحقيق ذلك يفترض بالقضاء ان يساوي بين الناس ويحسم الملفات برمتها سلباً او ايجاباً. وانا سأفعل كل ما بوسعي لتحقيق هذا الامر بالتعاون مع مجلس القضاء الاعلى ومع هيئة التفتيش القضائية لما لهما من دور اساسي في اعطاء التوجيهات والمتابعة على الارض فأنا مسؤول عن السياسة القضائية ولكن لست مسؤولاً عن الحكم الذي سيصدر، ان كل همي استعادة الثقة بالقضاء. واذا لم استطع سنرى ماذا نفعل».

ورداً على سؤال اين يقع القضاء في دولة القانون التي يجري الحديث عنها يقول وزير العدل اللبناني: «ان القضاء هو الركيزة الاساسية لدولة القانون، فالقضاء يضمن تطبيق القانون على الجميع، اي هو الضمانة اذا ما حافظ على استقلاله ونزاهته وفعاليته وفي معرض تعليقه على تراكم مئات آلاف الملفات التي لم ينظر فيها القضاء بعد وما اذا كان ذلك بسبب نقص في عدد القضاة اجاب طبارة: «ان عدد القضاة في لبنان يبلغ الآن حوالي 400 قاضٍ وهذا كاف ولا حاجة للزيادة. ثم ان هذا العدد مقارنة مع عدد السكان جيد. لكن المشكلة هي ان 70 في المائة من عدد القضاة من درجات متوسطة وما دون، والنقص الهائل موجود في محاكم التمييز التي تحتاج الى قضاة من درجات عالية في ظل وجود 3900 دعوى عالقة امام هذه المحاكم. ومرد هذا النقص احالة القضاة الكبار على التقاعد لبلوغهم السن القانونية او بسبب الوفاة».

وكشف الوزير عن اقتراح سيتقدم به لحل هذه المشكلة يتمثل باقتراح قانون يجيز لوزارة العدل التعاقد مع قضاة متقاعدين ومحامين بارعين واساتذة جامعيين لمدة خمس سنوات ولمرة واحدة، على ان يكلف هؤلاء الفصل في الملفات العالقة «لأن التراكم مرشح لأن يصل الى 5 آلاف دعوى بحلول العام 2005». واشار الى انه يدرس ما اعتمده القضاء الفرنسي لحل هذه المعضلة من خلال رد اي دعوى تصل الى محكمة التمييز ان لم تكن جدية، لافتاً الى ان القضاء البريطاني يعتمد مبدأ التعاقد مع مخضرمين في القانون.

واخيرا ابدى خشيته من التمديد للمجلس الدستوري «لأن في ذلك اساءة لهذا المجلس وانجازاته». قائلا انه يطمح في ان تمر كل القوانين عبر وزارة العدل بما فيها قانون الانتخاب، مشدداً على «اهمية انجاز قانون الانتخابات قبل وصول هذا الاستحقاق».