الاستخبارات الأميركية تعترف بفشلها في اختراق الحلقة الضيقة حول صدام

TT

في فترة الاثنتي عشرة سنة بين الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة ضد العراق، اطلق صدام حسين حملة دموية لكشف واستئصال العراقيين الذين يتجسسون لحساب وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه). ويقول المسؤولون الملمون بنشاطات «سي. آي. ايه» داخل العراق، ان صدام نجح في هذه المهمة، بمساعدة مزيج من الحظ والكفاءة والوحشية. وتقول مصادر الاستخبارات ان صدام تمكن في الفترة من 1991 والى 2003 من قتل مئات العملاء الاميركيين من العراقيين. وكان مسؤولو الاستخبارات يصطادون الجواسيس ويعدمونهم، ولكنهم في مرات اخرى كانوا يقومون باعتقال عدد كبير من المشبوهين ويقتلونهم جميعا مضحين بالابرياء على امل ان يكون بينهم بعض الجواسيس.

ومن المعروف ان الفشل حاليا في العثور على اسلحة الدمار الشامل اثار اسئلة كثيرة حول نوعية وكفاءة المعلومات الاستخبارية قبل الحرب. وقد قدمت «سي. آي. ايه» تقارير الى الكونغرس تقول فيها ان جمع المعلومات الاستخباراتية من المصادر البشرية داخل العراق لم يتوقف كليا في اي وقت من الاوقات. ولكن بعض ضباط المخابرات العاملين والمتقاعدين يقولون ان الحملة الكبيرة لاستئصال مخططي انقلاب 1996، الموالي لاميركا، مضافا اليها اعدام كل من تحوم حوله تهمة التجسس، حرم «السي. آي. ايه» من المداخل المباشرة الى الدائرة الداخلية في النظام العراقي. ومع ان المسؤولين الذين تحدثوا حول هذا الموضوع طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، الا انهم جميعا مطلعون على المعلومات السرية ولهم صلات مباشرة بمحاولات «سي. آي. ايه» لتجنيد العملاء داخل العراق.

وقال ميلت بيردون، الذي عمل 30 سنة بالـ«سي. آي. ايه»، وشغل مناصب هامة في الخدمات السرية للوكالة التي تشمل التعامل مع العملاء الاجانب: «يقول صدام لعناصره الامنية ما يلي: «اذا اكتشفتم جاسوسا في الطابق الخامس لأحد المباني، فعليكم ان تأخذوا كل سكان ذلك الطابق وتقطعوهم اربا اربا».

اكبر خسارة حلت بالعراقيين الذي يتعاملون مع «سي آي ايه»، حدثت في اغسطس (آب) .1996 وتقول التقارير التي نشرت وقتها، ان عناصر من امن صدام اخترقت مجموعة كانت تخطط للانقلاب عليه، واعتقلت 200 اعدمت منهم 80 مباشرة. ثم قامت قوات الجيش العراقي بغزو اجزاء من شمال العراق كانت قاعدة لعمليات تنظمها «سي. آي. ايه»، وتمكنت من اعتقال مزيد من المتهمين. وقد واجهت «سي. آي. ايه» مهمة عسيرة بعد ذلك لاعادة بناء قاعدتها داخل العراق.

وقال كينيث الارد، الكولونيل المتقاعد والذي يدرس حاليا بكلية الشؤون الخارجية، بجامعة جورج تاون: «ان صدام كان خصما عنيفا وكشف عن كفاءة قصوى في اسئصال كل من تحوم حوله الشبهات. وقد كان اكثر جدية بكثير في ميدان مكافحة الجاسوسية مما كنا عليه في مجال الجاسوسية الايجابية».

ويقول المسؤولون الاستخباراتيون ان المخابرات الاميركية استطاعت ان تحقق بعض الانتصارات اواسط التسعينات، رغم الحذر من الوقوع في قبضة النظام. وقال مسؤول استخباراتي كبير: «فقد كثير من الناس ارواحهم في هذه العملية. وهي ليست وظيفة خالية من المخاطر كما تعلمون».

ورغم جهودها المتكررة، واجهت المخابرات الاميركية صعوبات كبيرة في اختراق الدائرة الداخلية لصدام حسين. وبشهادة عميل الـ«سي. آي. ايه» السري السابق، روبرت باير، في كتابه: «لا ارى شرا»، فان الوكالة «لم يكن لديها اية مصادر بشرية متصلة بدائرة صدام الداخلية، او حتى قريبا منها. لم يكن لها حتى مصدر واحد».

ومن وقت لآخر، كانت ترشح من بغداد روايات تقول ان مسؤولا ما، متهما بالتجسس، قد سيق الى موقع سري ما، واعدم مع اسرته كلها. وكان يطلب من مسؤولين آخرين حضور الجريمة حتى تكون الرسالة واضحة للجميع.

اكبر مجموعة من العراقيين تعاونت مع «سي. آي. ايه»، جاءت من الجيش العراقي، وخاصة من بين الآلاف الذي اسروا اثناء حرب الخليج الاولى عام .1991 وقد وفرت هذه المجموعة مساعدات غير عادية للـ«سي. آي. ايه» والبنتاغون، في تكوين صورة دقيقة عن الجيش العراقي وتدريبه ومعداته واسلحته التقليدية.

وقام صدام خلال السنوات الثلاث الماضية بعمليات واسعة لطرد كبار ضباطه في الجيش والمخابرات، والتنكيل بهم، حسب اقوال عناصر الاستخبارات الاميركية.

ومن النادر مناقشة اعمال مديرية العمليات، بالـ«سي. آي. ايه»، التي تشرف على العملاء الاجانب، مناقشة علنية، لان الكشف عن هذه العناصر يعني الموت. ولكن يحدث في مناسبات نادرة ان تسرب بعض المعلومات من مصادر مجهولة وتنشر علنا. وقد كشف وزير الخارجية كولن باول، في خطابه امام الامم المتحدة يوم 5 فبراير (شباط)، حتى نورد مثالا واحدا، عن ان «مهندسا كيماويا عراقيا» قد زود الولايات المتحدة بمعلومات تفصيلية عن برنامج عراقي سري لتصنيع اسلحة بيولوجية في معامل متحركة. ولكن هذا المهندس لم يكن عميلا ناشطا داخل دوائر النظام. فهو لم يزود الولايات المتحدة بتلك المعلومات الا بعد ان غادر العراق.

* خدمة «يو. اس. ايه. توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»