تحقيقات سعودية تبحث عن فك لغز في نقل الإرهابيين معركتهم إلى المدن المقدسة

TT

«هل حول الإرهابيون معركتهم إلى المدن المقدسة»؟

طرح خلال اليومين الماضيين هذا التساؤل بعد أن انتهت عملية حي الخالدية بمكة المكرمة، وما سبقها من عمليات ضبط لمجموعات إرهابية أخرى في المدينة المنورة قبل 3 أسابيع، ولاحظ المراقبون توجه تلك العناصر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وجعلهما مأوى ومنطلقاً لعمليات قادمة.

وتعيد عمليات الضبط في هاتين المدينتين المقدستين الذاكرة إلى ما حدث في الحرم المكي الشريف مع الساعات الأولى لبداية القرن الخامس عشر الهجري (1400/1/1) التي وافقت 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 حين اقتحم 300 إرهابي بقيادة جهيمان العتيبي الحرم وأغلقوا أبوابه وقتلوا العشرات من المسلمين في مواقع متفرقة منه في اليوم الأول، واستمر حصارهم 15 يوماً، وقتلوا خلال هذه الفترة العشرات من رجال الأمن والمظليين حين تحصنوا على منابر الحرم وفي كافة المواقع وبدأوا في اقتناص كل من يحاول اقتحام الحرم، فانتهت العملية بمقتل عدد مرتفع، وقبض على قائدهم وبقية العناصر الإرهابية، ونفذ بجهيمان و62 معه حكم الإعدام، وقد اتضح أنهم تمكنوا من إدخال الأسلحة إلى الحرم وتخزينها لأيام من خلال توابيت الموتى التي كانت تدخل إلى باحة الحرم للصلاة عليها، فلم تكن توابيت لموتى بقدر ما هي صناديق لأسلحة. ويرى مصدر متابع أن الحكم على نيات تلك العناصر في اختيار أقدس مدينتين كمأوى ومنطلق أو كهدف لعمليات إرهابية «أمر سابق لأوانه، فهو خاضع لمسار التحقيقات التي تتم حالياً مع العناصر المضبوطة»، إلا أنه لم يستبعد وجود أهداف إرهابية لبعض منهم في المنطقة الغربية من المملكة سواء في جدة أو غيرها، وإن كانت جدة هي الأكثر أهمية. ويعلل اختيار جدة ضمن مشروع الإرهابيين القادم بأنه «ناتج عن مخطط يحتم به المراوغة في تنفيذ الأهداف، خاصة إذا علمنا أن جدة لم تستهدف إرهابياً على مدى تاريخها، بعكس الخبر والرياض التي نالها شيء من الإرهاب طوال 8 سنوات ماضية»، مشيراً إلى أن جدة «تحظى بحضور غربي لا يقل عدداً بكثير عن هاتين المدينتين، فلذا هي في دائرة الاستهداف في مخططهم الإرهابي».

وضمن حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس أشار إلى أن احتمال اختيار هذه المجموعات الإرهابية لمدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة كمستقر ومأوى قد يكون هدفه محاولة تضليل رجال الأمن، فهم استهدفوا أعلى المدن كثافة في السعودية وكذلك الأكثر حركة، فمكة المكرمة والمدينة المنورة، مدينتان حركيتان بالدرجة الأولى في الدخول والخروج من الزوار والمعتمرين، وتتنوع فيهما الجنسيات والمظاهر، فقد يكون سعيهم لهاتين المدينتين «هدفاً تضليلياً ليس أكثر»، وليس من الممكن تأكيد ذلك إلا حين تتضح «معالم التحقيقات بصورة جلية» حسب كلام المصدر.

ويعرف عن هاتين المدينتين صعوبة التنقل فيهما لأسباب عمرانية، فمعظم شوارعهما الداخلية متشابكة، وجغرافيتهما تحمل شيئاً من الصعوبة الحركية، ومن السهل على المطلوب التخفي لأيام في وسط الزحام بالقرب من الحرمين الشريفين. ويقول المصدر «لقد فات على هؤلاء الإرهابيين أن هاتين المدينتين من أكثر المدن السعودية أمناً، وتحظيان بحضور أمني عالي المستوى على مدى العام، وليس في مواسم الحج والعمرة فقط كما يتصور بعضهم، وتجند وزارة الداخلية مختلف قطاعاتها في داخل المدينتين بصورة مكثفة ويلحظ ذلك أهلها، وكل ذلك التجنيد العالي يهدف إلى السيطرة على المدينتين بمنافذهما بشكل جيد».

وسبق للأجهزة الأمنية قبل أكثر من 4 أشهر أن اكتشفت معسكراً تدريبياً لعناصر إرهابية يفترض تبعيتها لتنظيم «القاعدة» في قرية تابعة لمنطقة مكة المكرمة، وهي قرية سعفان الواقعة على الطريق من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وتعرف بأنها قرية تابعة لبادية قبيلة حرب، فضبط حوالي 30 شخصاً في المعسكر غالبيتهم من السعوديين، وكانوا قد استهدفوا تلك القرية لابتعادها عن أنظار رجال الأمن، إلا أن وجود عناصر أمنية بين أبناء تلك القرية ساهم في الكشف عنها والتعرف عليها، ولم تتضح بعد نتائج التحقيق مع تلك العناصر، وفي وقت لاحق من عملية القبض أكد وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز المعلومات التي أشارت إلى تلك العملية.

وفي قراءة لما ضبط في المدينة المنورة ومكة المكرمة خلال 17 يوماً، نجد أن الأولى بدأت عمليات الضبط بها من خلال مقهى لتقديم خدمة «الانترنت» حين ضبط 3 أشخاص، كان أحدهم تركي الفهيد من طلبة ومرافقي أحد أبرز المحرضين على الإرهاب وهو علي الخضير لتقود أول ساعة في التحقيق إلى مقر إقامة علي الخضير ومن معه، بعد أن اكتشفت ورقة في سيارة الفهيد تشير إلى رقم منزل في حي الإسكان الذي توجهت إليه فرق المباحث العامة والقوات الخاصة فوجدت الخضير ومعه من المحرضين أحمد الخالدي وفي مقر سكنهما كمية من المتفجرات ومواد تجهيز لها، علاوة على الأسلحة. وبعد أقل من يوم تمت مداهمة منزل في حي آخر فضبط ثالث المحرضين ناصر الفهد ومعه 5 آخرون وكمية من المواد المتفجرة والأسلحة ومبلغ من المال قُدر بـ48 ألف ريال و800 دولار، وبعد ساعات تمت مطاردة سيارة لفرارها من نقطة تفتيش فقبض خلالها على آخر وبصحبته 3 نساء غير سعوديات، هن زوجته وزوجتا اثنين من المطلوبين الـ19 وهما علي الفقعسي وسلطان القحطاني ومعهم 708 آلاف ريال.

وفي مكة المكرمة كانت العملية الأخيرة التي قتل خلالها 5 من الإرهابيين لم تعلن هوياتهم، وقبض على 5 آخرين احدهم سعودي قبل أن يقتل ضابط وجندي ويصاب آخرون من رجال الأمن، إلا أن الكميات من الأسلحة والمتفجرات التي وجدت في الشقة لم تكن بذلك الكم والتكامل مثل المتفجرات التي ضبطت في المدينة المنورة، إلا أنه عثر على 72 قنبلة ومواد كيميائية أخرى، وبعد ساعات قبض على 4 آخرين يشتبه في ارتباطهم بتلك الشقة، قبل أن تنجح فرقة أمنية في القبض على سعودي آخر حين أصابته في كتفه ليتوقف عن الجري عند منطقة جبلية.