وزيران بريطانيان سابقان: الاستخبارات لم تؤكد وجود خطر من صدام على لندن

TT

كشف الوزيران البريطانيان السابقان كلير شورت وروبن كوك امس عن ان اجهزة الاستخبارات في بلادهما افادتهما قبيل بدء الحرب على العراق بان نظام الرئيس المخلوع صدام حسين لم يكن يشكل خطراً مباشراً على مصالح بريطانيا. واتفق الوزيران اللذان استقالا احتجاجاً على الحرب، على ان المعلومات التي قدمتها حكومة توني بلير لتبرير اشتراك بريطانيا في الهجوم على العراق كانت ناقصة وبولغ فيها.

بيد ان شورت، وزيرة التنمية الدولية منذ 1997 وحتى استقالتها قبل اسابيع، اختلفت مع وزير الخارجية السابق حول درجة اخلاص رئيس الوزراء توني بلير ومدى اشراكه اعضاء الحكومة في اتخاذ قرار الحرب على العراق، واتهمت بلير بالتعمد في ممارسة «الخداع» في حين اثنى كوك من جهته على صدق رئيس الوزراء واخلاصه. واعتبرت شورت ان وزير الخارجية جاك سترو كان مطيعاً اكثر مما ينبغي لبلير الذي اتخذ القرار بشن الحرب مع الرئيس الاميركي جورج بوش بمعزل عن اعضاء الحكومة البريطانية. اما كوك فرأى ان بلير جهد بالتشاور مع وزرائه بأفضل واعمق طريقة ممكنة.

وجاء ذلك في الجلسة الاولى للتحقيق الذي بدأته امس لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس العموم في كيفية اتخاذ قرار اشتراك بريطانيا بالحرب على العراق واسلوب تعاطي حكومة بلير مع التقارير الاستخباراتية المقدمة لها حول بغداد.

وقال كوك ان ما ذكره في خطاب استقالته من الحكومة عشية الحرب حول عدم وجود اسلحة دمار شامل لدى صدام بمعنى «الادارة المقنعة التي يمكن اطلاقها ضد هدف استراتيجي»، كان قد استقاه مع المعلومات الامنية المتوفرة له كعضو في مجلس الوزراء. وأضاف ان ذلك التصريح عكس «كلمة كلمة تقريباً» ما سمعه من الاجهزة الاستخباراتية.

ومن جانبها، اشارت شورت الى ان مسؤولين امنيين التقوها «ست مرات» بصورة منفردة، اخبروها ان نظام بغداد يمثل خطراً اقل بوجود مفتشي الامم المتحدة في العراق. واردفت ان هؤلاء قالوا لها ان سخطر الاستعمال (لاسلحة الدمار الشامل) اقل «على رغم ان صدام يحتفظ بالعلماء المنكبين على محاولة تطوير هذه الاسلحة وكشفت عن ان مكتب رئيس الوزراء منعها من الاطلاع على التقارير الامنية، بيد انها اصبحت مطالبة بمعرفة المزيد لا سيما انها تتحمل كوزيرة تنمية دولية حماية «العراقيين العزل في حال استعمال هذه الاسلحة». واكدت ان اجهزة الاستخبارات قالت ان مساعي صدام لحيازة الاسلحة مستمرة، غير ان الحكومة ضخمت الامر حين شددت على ان لدى صدام اسلحة.

ورأت شورت ان الادلة التي قدمها بلير للبرلمان البريطاني في تقريرين شهيرين كانت عبارة عن «سلسلة من انصاف الحقائق والمبالغات، وتأكيدات (ثبت) انها لم تكن صحيحة».

وذكرت ان بلير قال للرئيس الاميركي «سنكون معكم» بلا شروط. واعتبرت ان رئيس الوزراء اتخذ القرارات الاساسية كلها حول العراق بالتعاون مع اثنين او ثلاثة من مساعديه غير المنتخبين متجاهلاً اعضاء حكومته. وهاجمت سترو بشدة متهمة اياه بانه رضي ان يكون مطية لبلير. وقالت ان «وزير الخارجية كان بالغ الاخلاص لرئيس الوزراء لجهة الموافقة على قراراته». ورأت ان ذلك كان بمثابة «المأساة» نظراً الى اهمية الدور الذي يستطيع من هو بموقع سترو ان يلعبه بهدف ترشيد سياسة الحكومة حيال بغداد، بيد ان وزير الخارجية فوت الفرصة.

وانتقد كوك بدوره المعلومات التي اذاعتها حكومة بلير قبيل الحرب عن خطر بغداد المزعوم. وقال ان الحكومة «لم تقدم الصورة الكاملة» عن الازمة العراقية.

ومن المقرر ان يستمر التحقيق الذي بدأته امس لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية حتى 27 من الشهر الجاري، في جلسات علنية باستثناء واحدة سرية وستستجوب فيها اللجنة وزير الخارجية سترو. وتستعد لجنة الاستخبارات والامن البرلمانية لبدء تحقيق سري في ملابسات قرار الحرب وكيفية استخدام التقارير الاستخبارتية، غير ان مراقبين، وشهود بينهم كوك، اعربوا عن قناعتهم بان ثمة حاجة لتكليف هيئة قضائية مستقلة بالتحقيق في المسألة، مؤكدين ان تقرير اللجنتين البرلمانتين لن يكون مقنعاً بصورة كافية. ويشار الى ان لجنة الشؤون الخارجية تضم 11 نائباً سبعة منهم يمثلون حزب العمال الحاكم.

وفي وقت لاحق من ظهر امس، استمعت اللجنة البرلمانية الى افادة الدكتور غاي سيمور، وهو المشرف على وضع تقرير اصدره «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، حول الاسلحة العراقية قبل ايام من نشر الحكومة البريطانية ملفها الاول عن الموضوع في سبتمبر (ايلول) الماضي. وقال الخبير، الذي عمل مستشاراً للرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون لشؤون نزع الاسلحة، ان تقرير المعهد استند الى المصادر الاستخباراتية ذاتها التي اعتمدت عليها الحكومة في ملفها، الامر الذي يفسر التشابه الكبير بين الوثيقتين. واشار الى انه اتصال بـ«خبراء من داخل الحكومة وخارجها» في اطار تحضير التقرير، مما يوحي باطلاعه على معلومات سرية.

ونفى سيمور، وهو مدير الدراسات في المعهد الذي يتخذ من لندن مقراً له، ان يكون على علم بتقارير استخباراتية تشير الى امكان منح صدام جزءاً من اسلحته المزعومة الى «طرف ثالث». وسئل عن مصدر المعلومات التي اوردها في تقرير المعهد حول وجود «وسائل متحركة لانتاج اسلحة كيماوية وبيولوجية» لدى صدام، فقال «انها اتت (أولاً) من منشقين (عن نظام بغداد». واضاف انه عثر على قرائن تؤكد هذه المعلومات التي اشارت اليها صحيفة «نيويورك تايمز» في نصوص مقابلات اجرتها لجنة التفتيش عن الاسلحة العراقية «انسكوم» مع بعض العلماء العراقيين.

إلى ذلك افادت مصادر مقربة من وزارة الدفاع البريطانية ان القوات البريطانية قد تبقى في العراق اربع سنوات اذا واصل انصار الرئيس السابق صدام حسين التصدي لقوات التحالف وتقويض محاولاته، للقضاء على النظام السابق.

ونقلت صحيفة «التايمز» عن المصادر قولها ان بريطانيا نشرت 17 الف جندي في العراق على ان يبقوا فيها ما بين عام واحد وعامين ولكنهم قد يبقون ضعف تلك المدة في حال تزايد الهجمات على قوات التحالف.