قرار مفاجئ بتأجيل انتخابات نقابة الصحافيين في مصر من دون تحديد موعد آخر

مخاوف من دخول النقابة النفق المظلم وهاجس التجميد يطارد الصحافيين

TT

استبقت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات النقابات المهنية في مصر حكماً قضائيا سيصدر اليوم حول أحقية نقيب الصحافيين الحالي ابراهيم نافع في ترشيح نفسه لفترة جديدة «ثالثة»، وأعلنت أمس بشكل مفاجئ وقف قرارها السابق بفتح باب الترشيح لمنصب النقيب وأعضاء مجلس النقابة، والتي كان مقرراً اجراؤها يوم 25 الشهر الجاري.

وقال رئيس اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات النقابات المهنية، ورئيس محكمة جنوب القاهرة المستشار محمد هناء المنسي في مؤتمر صحافي عقده أمس: «سوف تقوم اللجنة بمراجعة سجلات قيد اعضاء نقابة الصحافيين والنقابة الفرعية في الاسكندرية، للتأكد من سلامتها، وفحص كشوف الناخبين للتثبت من صحتها، والتحقق من مطابقتها للسجلات والواقع الفعلي، وسيتم في اعقاب ذلك الاعلان عن مواعيد جديدة لفتح باب الترشيح وباقي الاجراءات للعملية الانتخابية».

وجاء هذا القرار على خلفية 5 أحكام قضائية صدرت يوم الأحد الماضي ضد قرار اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات بفتح باب الترشيح. ونصت الاحكام على اعادة فتح باب الترشيح مرة أخرى.

واشار المنسي في مؤتمره الصحافي الذي لم يستغرق سوى 15 دقيقة الى انه تقرر أيضاً، تنفيذاً لهذه الاحكام، قيد الحاصلين على احكام قضائية بأحقيتهم في القيد ضمن جداول عضوية النقابة وكشوف الناخبين. واضاف: «لو صدرت أحكام أخرى جديدة لصالح بعض الأشخاص أو بإلغاء بعض الاحكام فسيتم تنفيذها على الفور احتراماً لقدسية القضاء ورسالته».

ويتوقع ان تصدر محكمة القضاء الاداري في القاهرة اليوم حكمها في الطعن في ترشيح ابراهيم نافع نقيباً لفترة ثالثة، وهو الطعن الذي تقدم به الصحافي بجريدة «الشعب» عامر عيد والمرشح الى منصب نقيب الصحافيين.

وذكرت مصادر نقابية ان نافع يرغب في الاحتفاظ بموقعه كرئيس اتحاد الصحافيين العرب، اذ سيتم التجديد له في اكتوبر (تشرين الاول) المقبل، وهذا المنصب يتولاه في الغالب صحافي مصري.

وقال مصدر قضائي مسؤول انه طبقاً لقانون النقابات المهنية الموحد رقم 100 لسنة 1995 وتعديلاته، فسوف يستمر المجلس الحالي للنقابة في عمله في ادارة النقابة بعد انتهاء مدته في 3 الشهر المقبل، الى حين اجراء انتخابات جديدة حتى لو مضى على ذلك 10 أعوام.

وأوضحت المصادر ان هناك حكماً من محكمة النقض المصرية، أعلى مراتب القضاء في مصر، يجيز لأي مجلس نقابة الاستمرار في عمله بعد انتهاء مدته القانونية الى حين اجراء العملية الانتخابية.

ومعلوم ان هناك 12 نقابة مهنية في مصر تعاني من وضع مماثل، من بينها نقابة الأطباء التي أوقفت الانتخابات فيها منذ عام 1993، ونقابة أطباء الاسنان التي اوقفت الانتخابات فيها منذ عام 1991، وكذلك نقابات الصيادلة والتجاريين والمهندسين والتطبيقيين.

وأثار الوضع الجديد مخاوف في أوساط الصحافيين من دخول نقابتهم الى نفق مظلم، وهواجس الوصول الى نفس المصير الذي وصلت إليه نقابات أخرى، مثل المهندسين والمحامين في فترة سابقة، ودخولها في دوامة من القضايا والقضايا المضادة، خاصة بعد صدور 5 أحكام قضائية من محكمة القضاء الاداري ببطلان اجراءات فتح باب الترشيح للانتخابات التي كان مقرراً اجراؤها يوم 25 الجاري.

وهناك مخاوف لدى الصحافيين من أن المشاكل القانونية الحالية والتي يزيدها وجود صراع بين أجنحة السلطة حول النقابة، يمكن ان تؤدي في النهاية الى فرض حراسة قضائية على النقابة، مما دعا عدداً من أعضاء النقابة يمثلون أجيالا مختلفة للاجتماع في مبنى نقابة الصحافيين مساء أول أمس وحتى الساعات الأولى من صباح امس لبحث المخاوف من وجود صراع بين رؤساء المؤسسات الصحافية الكبرى، يلقي بظلاله على نقابة الصحافيين، وتستخدم كساحة لتصفية الحسابات، ومحاولة اطراف عديدة، سواء سياسية أو صحافية، استغلال اللغط القانوني الحالي، الذي بدا بسيطاً، ولكنه تحول الى مشكلة حقيقية.

وعلى مدى الاشهر القليلة الماضية كان الأمر لا يتجاوز محاولة بعض الاشخاص أن يقيدوا أنفسهم في عضوية النقابة، ولكن لجنة القيد وجدت انهم غير مستوفين شروط القيد، فأقاموا دعاوى قضائية أمام محكمة القضاء الاداري لقيدهم، وحصل بعضهم بالفعل على أحكام بالانضمام للعضوية، وكان من ملاحق الحكم ان المجلس الحالي تبطل عضويته على اساس ان هؤلاء الاشخاص حرموا من عضوية الجمعية العمومية للناخبين ومنعوا من الترشيح في انتخابات النقابة، وعلى أساس هذا الحكم قامت اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات في نقابة الصحافيين بمحكمة جنوب القاهرة بفتح باب الترشيح في بداية هذا الشهر على اساس بطلان المجلس.

وتمكن ابراهيم نافع نقيب الصحافيين بمقتضى الحكم الذي قضى ببطلانه تشكيل المجلس الحالي لنقابة الصحافيين من ترشيح نفسه مرة ثالثة لموقع النقيب، وهو ما لا يجيزه قانون النقابة الذي يمنع شغل أحد منصب نقيب الصحافيين أكثر من اربع سنوات على دورتين.

وكانت الأمور تبدو طبيعية، إلا ان الذين حصلوا على أحكام بطلان انتخابات مجلس النقابة عام 1999 وانتخاب النقيب 2001 ولم يتم قيدهم في جداول المرشحين في الانتخابات الحالية، وهم فايز زايد رئيس تحرير صحيفة «أخبار البرلمان» ويسرية ناصر وطلعت هاشم وقطب الضوي وسحر فاروق والسيد ياسين ابراهيم وخليل فتحي السيد وعصام السيد محمد الشرقاوي وهناء محمد مصطفى، وقاموا ايضا بالطعن في عدم وضع اسمائهم في جداول الجمعية العمومية أو المرشحين، وانضم اليهم ايضا ثلاثة من الصحافيين الآخرين الذين رشحوا أنفسهم في الانتنخابات وقدموا طعونا موازية ببطلان عملية فتح باب الترشيح، وتلقي طلبات المرشحين التي قام بها المجلس الحالي، بدعوى انه لم يعد له صفة لصدور حكم من محكمة القضاء الاداري ببطلان انتخاباته، واعتبار المدة التي قضاها في ادارة النقابة نقيبا ومجلسا كأن لم تكن، وعلى ذلك استجابت محكمة القضاء الاداري واصدرت حكماً باعادة فتح باب الترشيح مرة أخرى وتعديل الاخطاء القانونية في عملية الترشيح.

ولكن يبقى طعن سادس تقدم به احد المرشحين لمنصب النقيب، وهو الذي ستنظره محكمة القضاء الاداري اليوم، ويطالب بعدم السماح لابراهيم نافع بترشيح نفسه لمنصب النقيب مرة ثالثة، لأنه لا يحق له الاستفادة من حكم قضائي صادر ضده، لمصلحته ويعد الطعن الاخير المنتظر صدور الحكم فيه اليوم العلامة الفارقة في الأزمة القانونية في نقابة الصحافيين في حالة صدور حكم بعدم السماح لنافع بترشيح نفسه، فهذا لا يعني ان اسماء أخرى ستطرح نفسها لهذا المنصب، ولكن هذا يتناقض مع اتجاه الدولة في تأييد ابراهيم نافع نقيباً للصحافيين وهو ما منع صحافيين كباراً ان من يرشحوا أنفسهم أمامه.

وكان رئيس اللجنة القضائية قد قرر قبل فتح باب الترشيح للانتخابات استناداً الى أحكام صادرة ببطلان نتائج انتخابات النقابة لعام 1999 في حالة عدم اجراء الانتخابات قبل فترة انتهاء مدة المجلس، خاصة ان كل التوقعات تشير الى ان الانتخابات ستجري بعد يوم 28 الجاري.

وقال خبراء قانونيون انه من حق وزير الاعلام ان يشكل لجنة لادارة النقابة حتى تجري الانتخابات، ويأتي مجلس جديد منتخب، وهو الأمر الذي يرفضه اغلب اعضاء الجمعية العمومية، في حين يرى آخرون ان على المجلس الحالي برئاسة نافع ان يقوم بتسيير أعمال النقابة بشكل استثنائي، خاصة ان الفرق بين مدة انتهاء المجلس واجراء الانتخابات ستكون فترة قصيرة.

ويبدو ان أزمة نقابة الصحافيين لن تقف عند هذا الحد، فاذا كانت اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات قد قررت انها ستقوم بنفسها بقيد اسماء من صدرت لهم أحكام في كشوف النقابة، فإن مجلس النقابة الذي أكد من قبل انه لن يخالف قانونه الذي حدد شروط العضوية، ومنها ضرورة حصول طالب العضوية على مؤهل عال، لن يسمح بتسجيل اسماء من لا تنطبق عليهم شروط العضوية، بما سيزيد من حدة الأزمة، وبما يزكي التوقعات القوية بأن الانتخابات لن تجري، وان النقابة في طريقها للدخول في حلقة مفرغة من اصدار أحكام قضائية، وتقديم طعون عليها ستصل بالنقابة الى مصير محتوم، وهو فرض الحراسة.