المنتدى يسلط الضوء على إمكانيات العراق الاقتصادية والمصاعب التي تواجهها عملية إعادة الإعمار

TT

«سيكون أكبر سوق بالشرق الأوسط في المستقبل». هكذا وصف العراق آلان لارسن نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون الاقتصادية. ويمكن للعراق بعدد سكانه البالغ 25 مليونا أن يرتفع بدخله إلى مائة مليار دولار خلال سنوات قليلة. وربما يبدو هذا الاستنتاج متفائلا جدا بالنسبة لأولئك الذين توقفوا عند نقطة البحث عن أسلحة الدمار الشامل أو عن صدام حسين وولديه. ولكنه استنتاج يدعمه أكثر من 1000 من التنفيذيين ورجال الاعمال الذين ألتقوا في هذا المنتجع الأردني الواقع على البحر الميت، في نهاية الأسبوع، لتقييم الأوضاع الاقتصادية بالمنطقة.

كان مقررا لهذا اللقاء الذي نظمه في الأساس ملتقى دافوس الاقتصادي، أن يركز فقط على إعادة إعمار العراق. ولكن جدول أعماله اتسع حتى قبل انعقاده، ليصبح ندوة لإعادة صياغة الاقتصادات العربية على وجه العموم. وقد اسبغ وزير الخارجية الأميركي كولن باول، بعدا إضافيا على اللقاء عندما رأس اجتماعا للجنة الرباعية لسلام الشرق الأوسط. وقال بول بريمر، الدبلوماسي الأميركي الذي يدير العراق على أساس انتقالي: «العراق هو الجهة التي يجب أن تلتفت إليها شركات التجارة والاعمال العالمية خلال العقد المقبل».

وقد جاء بريمر على رأس وفد ضم أكثر من 100 من التنفيذيين والمديرين العراقيين، وكان حضوره بمثابة رسالة قوية للأمل والإصلاح في العراق. قال بريمر: «إن مقدرة العراق على أن يبرز كقوة أقتصادية كبيرة يجب الا يقلل منها أحد. فهذا بلد يملك موارد بشرية هائلة، وقوة عمل جيدة التدريب ومقدرات إدارية يمكن أن تتوفر بمجرد عودة العراقيين بالمنفى».

ولكن بريمر لم يتوفر له حتى الآن سوى قدر ضئيل من الأموال التي ينفقها. وخلال الأسابيع الخمسة الماضية لم تنفق إدارته سوى 400 مليون دولار ذهبت أجورا لموظفي الخدمة المدنية والموظفين الحكوميين الآخرين. ولكن تفعيل برنامج النفط مقابل الغذاء، يوم أمس، سيعود عليه بمبالغ إضافية من المال. وستتوفر لديه خلال الـ18 شهرا المقبلة حوالي 6 مليارات دولار لن ينفقها على المرتبات وحدها، بل سينفقها كذلك على عدد من مشاريع إعادة الإعمار.

ولكن كل ذلك لا يعني سوى فتات بالمقارنة إلى ما يحتاجه العراق ليصبح «الاقتصاد المزدهر» الذي يأمل فيه بريمر ولارسن. ويأمل بريمر أنه بمجرد سيادة السلام والاستقرار في كل أنحاء العراق، وتصبح معالم السلطة المدنية و اضحة، فإن الاسواق المالية العالمية ستسارع إلى تمويل المشاريع العراقية بمختلف أشكالها. وهذا يعني أنه على المستوى القصير، أي خلال العامين أو الثلاثة المقبلة، فإن شركاء العراق الأساسيين سيكونون هم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مضافا إليهما جاران من جيران العراق هما تركيا والأردن. أما على المستويين المتوسط والبعيد، كما يقول بريمر، فإن العراق يحتاج إلى قاعدة أوسع للتعاون الاقتصادي. وقد عبرت كل من الهند والصين وروسيا واليابان والنمور الآسيوية عن رغبتها في التعامل مع السوق العراقي.

ويقول بريمر ان التجديد السياسي للعراق، لا يمكن أن ينجز على المدى الطويل دون إعادة صياغة اقتصادية.

وكان العراق تحت حكم صدام حسين، مثالا صارخا للنموذج الاقتصادي العربي، حيث تسيطر الدولة على موارد الأمة وثرواتها في إطار بنية اقتصادية تحكمية قائمة على التخطيط المركزي. وتوضح آخر أرقام الموازنة المتوفرة حاليا، وهي موازنة 1999، أن الحكومة المركزية العراقية كانت تسيطر على 65% تقريبا من الناتج القومي الإجمالي، باستثناء المنطقة الكردية. ولكن الرقم لم يكن يعبر تعبيرا دقيقا عن مدى السيطرة الحكومية. فما يسمى بالقطاع الخاص، والذي يسيطر على 35% من الاقتصاد الوطني، كان يسيطر عليه كذلك افراد ومجموعات لهم ارتباطات وثيقة بالدولة، بما فيهم حزب البعث وعشيرة صدام حسين التكريتية.

أما النموذج الذي يسعى بريمر إلى تطويره فيقوم على إسناد دور فعال وضخم للقطاع الخاص. وهذا يعني تنفيذ برنامج خصخصة ضخم. وتعمل لجنتان حاليا ببغداد لحصر المؤسسات المملوكة للدولة التي يمكن تأميمها بأسرع فرصة ممكنة. وتضم هذه المؤسسات مصارف وشركات تأمين وشبكات توزيع ومواصلات. ولا توجد خطة حاليا لتأميم صناعة النفط الأكثر أهمية في اقتصاد البلاد.. ولكن عددا من الأعمال المساعدة المرتبطة بالنفط يمكن تأميمها مع محطات بيع المنتجات البترولية. وتستطيع الحكومة العراقية الجديدة في المستقبل أن تطرح الصناعات النفطية نفسها للاستثمار الخاص، بما فيها الاستثمار الأجنبي.

ولا يمكن تطوير الموارد النفطية العراقية الضخمة، الثانية من حيث الحجم بعد السعودية، بصورة كاملة بدون مساهمة رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا الأجنبية. ويمكن لحقول مجنون، على سبيل المثال، إذا ما طورت بصورة كاملة أن تضاعف إنتاج العراق من النفط خلال ثلاث سنوات فقط.. ولكنها تحتاج إلى حوالي 8 مليارات دولار من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة خلال أربع سنوات. ومن الواضح أن جزءا من هذا المبلغ لا بد أن يأتي من الخارج.

ويأمل بريمر ومساعدوه أن يكون للعراق بحلول العام المقبل موازنة وطنية. وستكون هذه هي الموازنة الأولى في تاريخ العراق منذ 1958، التي تركز على البنية التحتية، والصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية. وخلال الثلاثين سنة الماضية خصص ثلث الموازنات العراقية تقريبا للأمن والقوات المسلحة. وستنزل هذه النسبة إلى أقل من 4% تحت إدارة بريمر، أي نفس نسبة الولايات المتحدة تقريبا. وسيكون للموازنة الجديدة ميل واضح لخدمات الاقاليم. وسيكون هدفها تحقيق العدالة في توزيع الموارد بين مختلف الأقاليم، وهذا سيضع حدا للسياسة القديمة التي كانت فيها الأقاليم المؤيدة للحكم تبتلع أغلب موارد الأمة.

وخلال الأسابيع الستة الماضية، قدر عدد الشركات الأجنبية التي اتصلت بمكتب بريمر طالبة معلومات عن مجالات الاستثمار بالعراق، بـ700 شركة من كل أنحاء العالم. وقد بدأت الشركات، وخاصة العربية والغربية، رحلاتها إلى بغداد بحثا عن صفقات محتملة.

هذا العراق الجديد يمكن أن يكون القائد لمجموعة من الدول العربية السائرة على طريق الإصلاحات الاقتصادية، والتي تعمل في إطار شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة. ومن المقترحات التي تناقش حاليا إعطاء العراق صفقة شراكة خاصة مع منطقة التجارة الحرة لشمال أميركا (نافتا). وهو مشروع يمكن ان يفتح أسواق العراق لأكبر وأغنى سوق، مع وضع التكنولوجيا الأميركية والكندية، ورؤوس أموال البلدين، في متناول يده.