سكرتير الشيوعي العراقي: لم نستطع منع الحرب ولم يستطع غيرنا منع الاحتلال.. ونتعامل بواقعية مع الأوضاع

TT

القضايا التي تؤرق الشعب العراقي كثيرة، والشارع السياسي ما زال في دوامة الاجتماعات والمقترحات والفوضى واجراءات (الاحتلال).. انه الحذر والتخوف.. فما زالت سياط العهد السابق على الكلمة، تدفع بعض الالسن الى اللف والدوران.. والى الكثير من المجاملة والمحاباة لقوات (الاحتلال)، التي اعلنت انها سترحل عندما تستقر الاوضاع، ويتم تشكيل حكومة معترف بها.. تلك الحكومة التي تواجه العديد من العراقيل، ولعل من ابرزها ابتعاد بعض القوى، او استبعادها، عن التشكيلة القيادية السابقة، التي تعترف الآن بتقصيرها، وبأن اسلوب العمل يجب ان يتغير.

حول هذا الموضوع، بدأنا حوارنا مع حميد مجيد موسى، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، بالسؤال:

* قبل سقوط نظام صدام حسين، لم يكن لكم دور في اجتماعات المعارضة، فهل كان هناك تهميش مقصود لدوركم بعد سقوط النظام بسبب موقفكم ذاك..؟

ـ لم يكن لنا دور في الاجتماعات بذاتها كحضور مباشر، ولكن كان لنا دور كبير في نشاط المعارضة السياسي، وكان لبرنامجنا وطروحاتنا صدى كبير داخل الاجتماعات. ان عدم الحضور لم يكن مرتبطا بمحاولات البعض تهميش الحزب، وقد اثبتت معطيات الحياة فشل مثل تلك الممارسات وعدم جدواها، ولكن هناك وجها آخر للمسألة، وهو اننا نحن الذين قررنا ألا نحضر، والسبب في ذلك هو التباين في الرؤية السياسية وفي الموقف من تطورات الوضع ومن كيفية الخلاص من الدكتاتورية. محور النقاش كان يتركز على: أي اسلوب وأي خيار هو الافضل والانسب لتغيير النظام؟ نحن رفضنا طريقة الحرب، ليس حبا للدكتاتور او الدكتاتورية، وانما حبا لشعبنا، وذلك في تقديرنا لما يمكن ان ينجم عن الحرب والمآسي والويلات. وها نحن نعيش هذا الواقع الذي حذرنا منه.

* ماذا كنتم تريدون..؟

ـ كنا نطالب باعتماد خيارات اخرى، تعتمد على قوى الشعب والقوات المسلحة، بدعم واسناد دولي. نحن لم نستصغر تأثير العامل الخارجي في المعادلة السياسية لتغيير النظام، وهنا يجب ان نعترف بأننا لم نوفق في ذلك، وعلى وفق هذا المنطلق لم نتفق مع الآخرين في ايجاد صياغة تأخذ بالاعتبار موقفنا.. وذلك هو السبب الاساس في عدم حضورنا تلك الاجتماعات. حيث كنا نستشف بأن تغييب الدور الوطني العراقي، لا بد ان تكون نتائجة غير مناسبة لطموحات شعبنا.

* هل نلمس مما سبق انكم تريدون القول بأن الاطراف السياسية التي شاركت في مؤتمرات لندن وصلاح الدين والناصرية، وغيرها، اوصلت، من حيث تدري او لا تدري، الجانب الاميركي ـ البريطاني، الى اعلان الاحتلال رسميا..؟

ـ هناك شقان.. الاول، كما اشرت في جوابي على السؤال السابق، هو ان بعض الاطراف، وهي قوى كبيرة ومؤثرة في الساحة السياسة العراقية، كانت ترى ألا خلاص من النظام الا بالاستعانة بالحرب الخارجية، ولكن في نفس الوقت كانت ترفض الاحتلال.. اما وان الامور قد حسمت، فالجدل قد انتهى.. فلا نحن تمكنا من منع الحرب ولا هم تمكنوا من منع الاحتلال. الآن نحن امام حالة جديدة.. حالة واقعية.. الاميركيون انفسهم وبقرار من الشرعية الدولية اعتبروا الحالة القائمة احتلالا.

* ما هو آخر ما توصلتم اليه مع الاطراف السياسية الاخرى في التعامل مع الموضوع العراقي، وخاصة الاحتلال، وتشكيل حكومة او سلطة انتقالية..؟

ـ منذ الايام الاولى لوقف القتال وتغيير النظام وانهيار الدكتاتورية وما ارتبط بهذا التغيير الذي لم يؤد فقط الى ازاحة صدام وانما الى انهيار وتفتيت الدولة العراقية بكل ما تعنيه الدولة، من مؤسسات حكم وجيش وشرطة واجهزة قانونية وخدمات، دعونا الى توحيد الجهود لملء الفراغ السياسي لان ما حدث بعد الانهيار هو غياب فعلي للسلطة، والقوات الاميركية لم تملأ هذا الفراغ، بل ترددت حتى عن اداء بعض واجباتها، ومنها حفظ الامن الداخلي كما تنص على ذلك اتفاقية جنيف.. والآن بموجب القرار الجديد لمجلس الامن يجب ان تقوم بذلك كقوى محتلة تعترف باتفاقية جنيف.. كان يجب ان تقوم بذلك منذ البداية وقبل ان تحصل حالة الفوضى.. منذ ذلك الوقت ونحن نعرف ان الاميركيين رغم قوتهم النارية وآلتهم العسكرية الكبيرة لن يتمكنوا من ملء الفراغ، اذ تمكنوا من السيطرة فقط على الشوارع الرئيسية والمباني الحساسة، ولكن الامن لا ينحصر في هذه الحدود.. ولا يمكن لا اليوم ولا غدا للقوات الاميركية ان تعالج هذه المسألة.. وهي مسألة شائكة متعددة الاوجه، لا تحسم فقط بوجود القوة العسكرية، وانما بالتنوع في الاساليب، والتعدد في المداخل. ان غياب السلطة، وعدم قدرة الاميركيين، واخفاقهم في السيطرة على الاوضاع، اطلقت العنان للفوضى في الشارع.. وللفوضى السياسية ايضا.. وعندما نقول الفوضى في الشارع، يجب ألا نغمط الشعب حقه.. فالشعب ابرز الوجه المشرق في الازمة، وحمى بعضه البعض، وبادر الى حماية الكثير من التراث والوطني كما اظهر تكاتفا عظيما ابرز روحية هذا الشعب.. الجانب الايجابي اهملته الفضائيات العربية والدولية، ولم تظهر غير الجانب السلبي، من عمليات نهب وسلب تقف وراءها تنظيمات وعصابات دولية، اضافة الى فلول البعث، وبعض الغوغاء.. لم تبرز تلك الفضائيات تكاتف وتعاون ابناء الشعب وتماسكهم رغم الانفلات الامني المقصود.. وحينما توجهنا الى المواطنين لتشكيل اللجان الشعبية، انطلقنا من ثقتنا بابناء وجماهير الشعب واخلاقها العالية. وهؤلاء هم رصيد العراق في اصلاح البلد مستقبلا واعادة الامور الى نصابها الطبيعي، واقامة دولة القانون.

* وما آخر ما توصلتم اليه مع الاطراف السياسية..؟

ـ على المستوى السياسي، كما في المجالات الاخرى، هناك كارثة وطنية تدعو الجميع، من دون استثناء، قوى واحزابا، لان تتصرف على غير الشكل التقليدي، وعلى غير المعايير والمقاييس العادية وبنفس آخر واساليب جديدة، بما تعنيه من مرونة، والكف عن تغليب المصالح الخاصة والذاتية والحزبية الضيقة، وذلك لتسهيل عملية التفاف القوى السليمة في المجتمع العراقي حول بعضها، لتكون القاعدة التي تنطلق منها للبناء الجديد. فنتيجة لما اشرنا اليه، وعدم الاخذ به، تلكأت عملية توحيد القوى، وقد عالجنا هذا الموضوع من خلال اللقاءات المباشرة، وعبر الاعلام، ومن خلال الاتصالات المكثفة لتوحيد القوى في اطار جبهوي فعال قادر على طرح مشروع عراقي وطني ديمقراطي مقابل المشاريع الاخرى، يستطيع انقاذ البلد من حالة الفوضى والفلتان الامني، ويؤمن البدء بمسيرة جديدة تفتح الطريق لاقامة الديمقراطية.. لقد كان للتلكؤ تأثير سلبي، وأفقد (المعارضة) فرصة تاريخية.. كان يمكن ان تجري الامور بها، في غير الوجهة التي حصلت بعد قرار مجلس الامن، ومع ذلك.. هناك الآن احساس واسع بأن المسألة تحتاج الى توجه جديد، لتوحيد القوى، وتوسيع الهيئة القيادية، وتشكيل لجنة تحضيرية موسعة للمؤتمر الوطني.

* في الآونة الاخيرة، زاركم في هذا المقر ممثلون عن الادارة الاميركية، ومندوب بريطاني.. ما اسباب هذه الزيارات؟ وما نتائجها..؟ ـ اسباب الزيارات هي بحث كل القضايا المتعلقة بالوضع الراهن وبالمستقبل، وقد ابدينا وجهة نظرنا بالكامل، وايضا حملناهم مسؤولية مساعدة العراقيين في انجاز مهمتهم، والقبول بمشروعهم في اقامة حكومة وطنية عراقية.. وهذا هو الحل الوحيد لانهاء الحالة الاستثنائية القائمة في البلد..

* اليس غريبا ان يقوم مسؤولون من الولايات المتحدة وبريطانيا بزيارة مقر الحزب الشيوعي..؟ ـ لا نجد في الامر غرابة، لان الحزب الشيوعي العراقي قوة معروفة في البلد وله دوره السياسي ووجهات نظره.. وهذه ليست المرة الاولى التي يجري فيها التشاور بين الحزب الشيوعي والاميركيين والبريطانيين وغيرهم من اعضاء مجلس الامن.. وهناك لقاءات قديمة في الولايات المتحدة وفي كردستان وفي دمشق.. هم يزورون مقرات الحزب، ونلتقي معهم في المناسبات، وكل لقاءاتنا معلنة في صحافة الحزب، وما نطرحه معلن في صحافة الحزب. ليست هناك اسرار نخجل منها، او نخفيها على المواطنين.. فوجهة نظرنا معروفة، واعتقد انهم يتفهمون وجهات نظرنا، حتى لو اختلفنا معهم.

* هل في النية تشكيل مجلس تحالفي لادارة مدينة بغداد، في هذا الظرف..؟ ـ لا شك في اننا نرغب في ذلك، ونتباحث مع الكثير من القوى لانضاج صيغة من التنسيق بين الاحزاب اولا، لتكون هذه الصيغة مدخلا لمعالجة قضايا الادارة وغيرها، ولكن، نأمل ونتمنى ان ينجز موضوع الحكومة، لكي يحل هذه المشكلة وغيرها من المشاكل.

* في المحافظات حاليا ادارات محلية، هل تعني ان الحكومة المقبلة تحتل اولوية قبل الادارة المحلية في بغداد. ـ وجود الادارات المحلية لا يتعارض مع الحكومة المركزية ونحن ندفع الآن باتجاه الاسراع في انشاء الادارة المحلية لبغداد، وكذلك الحكومة المقبلة.

* مسألة الادارة المحلية في المحافظات الا تثير حساسية لدى الاكراد.. ستكون هناك ادارة محلية لكل محافظة، مما يلغي موضوع الفيدرالية او الحكم الذاتي.. وسيكون هذا نموذج لـ(الولايات المتحدة العراقية)..؟ ـ كلا.. بالنسبة لنا.. نحن لدينا منظور متكامل لقضية الفيدرالية، واللامركزية في العراق وقد ابلغنا الجميع، ومن ضمنهم الاميركيون والبريطانيون بوجة نظرنا.. القضية القومية الكردية لها خصوصية، لا تعالج فقط من قبل ادارات محلية، وانما كقضية قومية يجب ان تعالج كوحدة متكاملة.. نحن نسميها «الحقوق الفيدرالية» التي تسن على اساس الخصوصية القومية السياسية، وهذا لا يتعارض مع الادارة اللامركزية في المدن العراقية الاخرى، بل وحتى داخل الاقليم الفيدرالي الكردستاني.

* هناك شيء ملاحظ في توجهاتكم.. وهو انفتاحكم على القوى القومية والدينية وغيرها، وانفتاح هذه القوى عليكم.. كيف تفسرون ذلك..؟

ـ هذا الانفتاح المتبادل شيء طبيعي جدا بين العراقيين بكل فئاتهم، وهناك اجواء ايجابية في علاقاتنا مع الآخرين انطلاقا من كون الحزب الشيوعي يحترم الاديان والقوميات ويحترم كل تقاليد المجتمع، ولا يمكن ان يكون في منهجه الا ضمن هذه التقاليد والخصائص.. نحن نحترم القوميات، ونحترم الدين، ونحترم مشاعر الناس الدينية وطقوسهم وحريتهم في الاعتقاد.. وهذا من مواقف الحزب الشيوعي المبدئية والاصلية والثابتة.. نحن مع كل ما هو ايجابي من تقاليد واعراف في مجتمعنا.. فنحن ابناء هذا الشعب، وابناء هذا البلد.. فما له لنا.. وما عليه علينا.. ومن هنا جاءت علاقتنا المتينة مع القوى الاسلامية، وكذلك مع القوى القومية.. ومع كل فئات المجتمع.