العراقيون لا يتجرعون سلطة الاحتلال ويريدون حكومة محلية تدير شؤونهم

TT

تساءل العراقي علي خضير جبار، 33 سنة، أثناء مظاهرة في بغداد السبت الماضي: «ما هو مصيرنا؟ أين حكومتنا؟ نحن تطوعنا لخدمة العراق، ومع ذلك نفقد وظائفنا». وكان يرفع شعارا بخط اليد يطالب فيه بإعادته إلى العمل.

كانت هذه المظاهرة الغاضبة، خارج مجمع القصر الجمهوري الذي كان يشغله صدام، والذي صار حاليا مقرا للإدارة المدنية بقيادة الولايات المتحدة، هي الإنذار الأخير بأن الإدارة التي لا تسمع الأصوات الغاضبة، قد فقدت كل ما كان لديها من الوقت لإقامة الحكومة العراقية التي وعدت بإقامتها. وربما تسفر الايام المقبلة عن نوع أعنف من المقاومة لقوات التحالف، وتؤدي بالتالي إلى مزيد من إراقة الدماء بين المدنيين العراقيين والجنود الأميركيين على حد سواء. ويؤدي التأخير في تشكيل الحكومة إلى تعميق الإحباط من سوء الخدمات الضرورية بما فيها الكهرباء والتليفونات وقبل كل ذلك الأمن.

على بعد حوالي الميل داخل البوابات المهيبة، في هذا القصر الذي تنتشر فيه تماثيل صدام واضعا على رأسه الخوذات العسكرية، يعمل المسؤولون بجد لتحديد دور العراقيين في حكومة الاحتلال، ولكنهم يكتشفون كل يوم، أن المهمة أكثر صعوبة مما كانوا يتصورون وتحتاج إلى وقت أطول مما قدروا في البداية. قال رئيس الادارة المدنية بول بريمر، بعد ثلاثة أسابيع من تخلي سلطته عن الحديث عن عقد انتخابات سريعة: «لا يوجد إحصاء سكاني يمكن الاعتماد عليه، لا توجد سجلات انتخابية، لا توجد استطلاعات للآراء ولذلك فإن الحديث عن عقد انتخابات وشيكة يعد سابقا للأوان».

ولكن البديل الذي يقترحه بريمر، هو تكوين مجلس يعطي العراقيين دورا استشاريا في إدارة شؤون بلادهم، يتعامل معه القادة العراقيون، في أفضل الأحوال، بغير حماس، ولا ينتظر منه، بالتالي، إرضاء القاعدة العراقية التي تتطلع إلى رؤية حكومة ذات وجه عراقي. ومع أن خبراء أوضاع ما بعد الأزمة، الغربيين والعراقيين على السواء، يتفقون مع تقديرات بريمر بأن الحديث عن إجراء الانتخابات يعتبر مبكرا جدا، إلا أنهم يقولون في نفس الوقت إن الوتيرة التي تتحرك بها سلطة التحالف المدنية في قضية إشراك العراقيين في إدارة شؤون البلاد، هي وتيرة بطيئة جدا. وحتى إذا أشركت الادارة بعض القادة العراقيين في مواقع استشارية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، حسب وعودها، فإن العراقيين ربما يعتبرون ذلك بمثابة إبعاد لهم عن القيام بأي دور قيادي في بلادهم، حسب تقديرات الخبراء.

وجاء في التقرير الذي أصدرته الاسبوع الماضي المجموعة العالمية لمعالجة الأزمات، وهي مجموعة دراسات تتخذ من واشنطن وبروكسل مقرين لها، أن الخطر المترتب على هذا الوضع هو فقدان السلطة المدنية لصدقيتها في عيون العراقيين وزوال الثقة في مقدرتها على إدارة وضع إنتقالي يؤدي في النهاية إلى بروز حكومة عراقية مستقلة.

قال غوست هيلترمان، عضو المنظمة المشرف على المشروع العراقي:

«ربما يجدون بعض العراقيين المستعدين للقيام ببعض المهام. ولكن هل سيجدون قادة عراقيين حقيقيين، أم أن العراقيين سيشعرون بأنهم لن يكسبوا شيئا من الارتباط بهذه الإدارة المؤقتة؟».

وتقول مجموعة شيعية رئيسية، بقيادة محمد باقر الحكيم، الذي عاد مؤخرا من المنفى، أن لديها شكوكا حول ما إذا كان المجلس الاستشاري ستكون لديه من السلطات ما يغري بالمشاركة فيه. قال عادل عبد المهدي، مستشار المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق، بقيادة الحكيم:

«ما هي سلطات بريمر؟ هل ستكون القرارات النهائية في يد بريمر، بينما يضطلع المجلس بدور استشاري فقط؟ إذا كان الأمر كذلك فإننا لن نكون راغبين في المشاركة..».

وبناء على قرار الأمم المتحدة رقم 1483، فإن بريمر هو صاحب السلطة النهائية في القرارات المتعلقة بحكم العراق، وهي بقدر صلاحيات ممثل الأمم المتحدة في كوسوفو والمندوب السامي بالبوسنة والهرسك، وهما البلدان اللذان اقتضت الأوضاع الداخلية فيهما إسناد إدارتيهما إلى هيئات عالمية. ولكن ايا منهما ليس مثالا مشجعا: فالمندوب السامي ظل يدير شؤون البوسنة لثماني سنوات مضت، وبقيت الأمم المتحدة في كوسوفو حوالي اربع سنوات ولا تلوح في الأفق نهاية لهذه الأوضاع بالنسبة لكلا البلدين. يضاف إلى ذلك أن وضع العراق أكثر تعقيدا بكثير من أوضاع البلقان، نسبة لوجود النفوذ الأجنبي في هذه البلاد. ومع ذلك فإن له بعض المزايا لكونه بلدا غنيا بالثروات النفطية الهائلة.

قال فالح عبد الجبار، اختصاصي علم الاجتماع العراقي الذي يدرس في كلية بيربك، بجامعة لندن، والذي عاد إلى العراق لإجراء بعض الدراسات: «ليس لدى العراقيين إحساس بالسيادة حاليا. بل لم تتوفر لهم حتى الرموز السيادية. وقد قال كل العراقيين الذين التقيتهم أنهم يريدون شيئا يمثل السيادة العراقية، شيئا يجعلهم يشعرون بأن هذه بلادهم».

بعض المسؤولين في الإدارة المدنية يشعرون بوجود هذه المشكلة، ولكنهم يقولون إن كوارث عديدة يمكن أن تترتب على التحرك بسرعة كبيرة، وان الفوضى ستحل في هذه الحالة. القاعدتان الوحيدتان للسلطة في العراق حاليا هما حزب البعث المحلول وزعماء الدين الشيعة. وقال أحد المسؤولين بالسلطة المدنية من المشغولين بتكوين السلطة السياسية:

«في عالم مثالي كنا سنجري الانتخابات بسرعة أكبر. ولكن العراق ليس عالما مثاليا. وقد ارتفعت آمال وتوقعات الأحزاب التي كانت في الخارج إثر تصريحات صدرت وقتها، ولكن المقومات الضرورية لهذه الحركة السريعة غير متوفرة حاليا.. وإذا أجريت انتخابات الآن فإنها يمكن ان تختطف من قبل الاصوليين المتطرفين وبقايا البعث».

وإذا كانت السلطة المدنية راغبة في إنجاح تجربة المجلس الاستشاري فإن عليها أن تتخذ الخطوات التالية:

* اختيار عناصر موثوق فيها من كل المجموعات الوطنية للمشاركة في هذا المجلس.

* الوصول إلى موازنة دقيقة بين العناصر القادمة من الخارج، والممثلين من داخل البلاد، وتمثيل النساء في بلاد تقع بصورة متزايدة تحت سيطرة علماء الدين الذين لا يقبلون شغل النساء للمناصب العامة.

* الاستجابة لمطالب العراقيين بالسيطرة على كل جوانب الحكم، رغم حقيقة أن قرارات الأمم المتحدة الحالية تجعل السلطة المدنية مسؤولة عن كل جوانب الحكم والإعانة الإنسانية حتى إجازة الدستور وانتخاب حكومة عراقية.

* كشف خطط الإدارة المدنية للشعب العراقي، وهي مهمة صعبة في بلد ما يزال الإمداد الكهربائي فيه متقطعا والإرسال التلفزيوني ضعيفا.

ويقول بعض الاشخاص المرشحين لعضوية المجلس الاستشاري ان المجلس يجب أن تكون له صلاحية القرار في السياسات الأمنية والعسكرية.

قال عدنان الباجه جي، رئيس المجموعة الليبرالية الديمقراطية: «يمكننا أن ننجز هذه المهمة بنفس القدر من الكفاءة إن لم يكن بصورة افضل منهم (الاميركيين). ولدينا كثير من الضباط والخبراء الأكفاء وعلى وجه العموم فإن العراقيين يلمون بالأوضاع العراقية بصورة لا يمكن مقارنتها بالاجانب». والمعروف عن المجموعة الليبرالية أنها مؤيدة لأغلب قرارات السلطة المدنية.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»