الصادق المهدي لـ«الشرق الأوسط»: جون قرنق براغماتي وكلانا أساء الظن بالآخر

قال: لا نخاف الانتخابات والانقسامات لأن المؤتمر الوطني الأكثر تشققا

TT

الصادق المهدي في نظر كثيرين، ومن خارج السودان، سياسي ومثقف من الوزن الثقيل، جاء للقاهرة مشاركا في ندوة المجلس الاسلامي، ولكنه ذهب منها ليشارك في ندوة لحزب الوفد بالدقهلية ناقشت العلاقات السودانية ـ المصرية، وبعدها استجاب لندوة «الاهرام» وتحدث الى الصحافيين، وادخر وقتا بعدها ليكتب بـ«الوفد»، مثلما كتب بـ«الاهرام» عن قضايا اقليمية ودولية.

«الشرق الأوسط» التقته ولم تشأ ان تحاوره في محاريب القضايا الاقليمية فاوقفت الحوار على اعلان القاهرة الذي وقعه مع محمد عثمان الميرغني زعيم الاتحادي الديمقراطي ورئيس التجمع الوطني المعارض، وجون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وافاق الحكم في السودان على خلفية الاحداث المحورية الاخيرة بدءا باعلان القاهرة ونهاية بمفاوضات ماشاكوس.

* بعد طول جفوة وملاسنات مع العقيد جون قرنق، وقعتم وتصافحتم معه في اعلان القاهرة.. حدثنا بصراحة عن الصورة التي وجدت عليها الرجل؟

ـ اول تقييم لي للعقيد جون قرنق كان لمجلس الوزراء السوداني الذي ارأسه بعد ان قابلته في يوليو (تموز) 1986 وكان التقييم ان للرجل وعياً سياسياً وانه ليس جامدا ولكنه براغماتي في نظرته للامور وان الاتفاق معه بالتالي ممكن اذا سمحت الظروف الاقليمية والدولية.

ولا يزال هذا التقييم كما هو، وعندما اختلفنا في التجمع عام 1999 جاء الاختلاف على خلفية ظنونهم بأن حزب الامة قد قرر الانخراط في النظام والتخلي عن الاهداف المشتركة وفي تقديري انهم اعادوا النظر في هذا الموضوع عندما اقتنعوا ان حزب الامة لم يتخل عن الاهداف وانما عدل في الوسائل، ومن جانبنا، واحقاقا للحق كنا نظن ان قرنق سيواصل الضغط العسكري حتى النهاية باعتبار ان هذا اقرب وسيلة لتحقيق اهدافه السياسية، وعندما رأينا استجابته لنداء السلام بالصورة التي ادت الى ما ادت اليه من اتفاقيات، اعدنا النظر ايضا في تقييمنا لموقفه، ولذلك فما وجدته الآن فيه يؤكد هذه الاستنتاجات. ودعني اقول لك هنا، انه وعلى طول خط التعامل معنا لم تحدث بيننا مخاشنة شخصية لان الذي حدث كان مخاشنة سياسية ولذلك وحينما زالت الاسباب السياسية عادت الامور لمجاريها بهذه الصورة المدهشة والمقنعة.

* كيف تفسرون خطاب «الانقاذ» السياسي في ضوء المحادثات مع الحركة واتفاق القاهرة الثلاثي؟

ـ مشكلة الانقاذ الاساسية انها التزمت مع قواعدها باجندة، تقتضي الحفاظ على ما يسمونه ثوابت الانقاذ، وتتناقض تلك الثوابت مع ضرورة الاتفاق على السلام العادل والتحول الديمقراطي.

وفي تقديري ان مشكلة الانقاذ الرئيسية تكمن في التعامل مع هذا التناقض، بين ثوابتها وبين التحول الجذري في تلك الثوابت، وقد ظللنا وعلى طول حديثنا معهم نقول ان الثوابت هي ثوابت الدين واساسها قطعيات الوحي وثوابت الوطن مثل السيادة والاستقلال... الخ.

اما الانقاذ ففكرة سياسية وبالتالي فان الحديث عن ثوابتها يعني استمرار الشمولية والقهر، وتقديري انهم لم يقطعوا بعد برأي حاسم لجهة نفي ثوابت الانقاذ والابقاء على الثوابت الاخرى التي لا يوجد خلاف عليها، ولذلك، وما لم يحسموا هذه المشكلة وما لم يقبلوا بأن الاتفاق مع الآخرين سيكون على حساب ثوابت الانقاذ فانهم لن ينجحوا في الاتفاق مع طرف آخر مهما كانت القضية وبالتالي فان المسألة امامهم تكمن في مواجهة منهم لقرارين استراتيجيين.. وهما: 1 ـ ان السلام العادل يقتضي حقوق المواطنة المتساوية بما يكفل لكل المجموعات الوطنية حقوقا متساوية في كل المجالات.

2 ـ لا امل في الاتفاق على شرعية الحكم ما لم تتخل الانقاذ عن الشمولية والحزب الحاكم صاحب الوصاية وتقبل بالفعل الاحتكام للشعب والتحول الديمقراطي الحقيقي. والانقاذ مطالبة باتخاذ هذين القرارين الاستراتيجيين والا فان كل محادثاتها ستكون مناورات، ولن نستطيع ان نسمي ما تم بيننا وبينهم من تفاوض غير ذلك، ودعني اقول لك هنا ان الانقاذ ظلت تتصرف بطريقة ميكافيلية غير معهودة في السياسة الشريفة ذات النيات المخلصة في العمل السياسي، ومع هذا، ومع ما قلناه عن هذه العملية غير المعهودة في التعامل فاننا لم نعتبر هذه الجنحة سببا ومبررا لمقاطعة التفاوض معهم ولكنه وبالقطع سبب مبرر لوضع ضمانات كافية للتفاوض.

وارجو ان اذكر هنا بأننا نعتبر نداء الوطن مدخلا شعبيا لاجماع شعبي يدور حول اتفاق بيننا نحن والنظام، ولكن ما حدث من تصرف اشرنا اليه جعلنا نحاول تحقيق هذا الاجماع مع الآخرين عبر مشروع التعاون الوطني والمشروعات المختلفة التي تحاول ان تحقق اجماعا وطنيا مع القوى السياسية الاخرى كبديل لما كنا نريده من تحقيق الاجماع مع نداء الوطن الذي افسده النظام بالسلوك الميكافيلي المشار اليه، وكما هو معلوم، ففي مشروع التعاهد الوطني الذي اطلقناه وفي اعلان القاهرة يوجد مكان للمؤتمر الوطني ان هو تجاوب مع فكرة الاجماع الوطني المطروحة، لان الذي حدث هو ان اعلان القاهرة والتعاهد الوطني قد اصبحا الدروب البديلة لتوحيد الكلمة الوطنية بالسودان.

* اقتربت اطراف اعلان القاهرة، اي الميرغني وقرنق وانتم من الطمأنينة بان الانتخابات القادمة يمكن ان تكون لصالحكم، وهناك من يرى انكم تناسيتم الانشقاق في احزابكم وتجمعاتكم بدءا من حزبكم ونهاية بالاتحادي وحتى جبهة الجنوب، والاشارة هنا لتداعيات التحالفات بين المنشقين والنظام، الا تخشون ان تكون مياه كثيرة قد مرت تحت الجسور ايضا؟

ـ دعني ابدأ بالانقاذ أو بالمؤتمر الوطني الذي توحي نبرات سؤالك بأنه حزب واحد، علما انه اكثر الاحزاب تشققا، فقد عانى وكما هو معلوم من الانقسام الاول بين الوطني والشعبي، فيما عانى الاخير بخروج حزب العدالة من صفوفه، دعك من مواجهة الاول الآن لانشقاق حول فصل الجنوب عن الشمال، ومع ان الوطني يملك السلطة والمال ويسخرها ضدنا الا انه ظل ويظل الاكثر تشققا. ولعلمك، فالقوى الجنوبية التي استقطبها باسم جبهة الانقاذ الوطني المكونة من الاحزاب التي وقعت على مشروع السلام من الداخل، تعتبر تلك القوى الآن ان المؤتمر الوطني قد غدر بها، وذلك في آخر مذكرة لوسطاء الايقاد وقد اكدت ان المؤتمر الوطني لا يمثل رأيها في مستقبل البلاد وهذا يعني قمة التخلي عن التحالف السياسي معها.

اما بالنسبة لحزب الامة فالاختراق الذي حدث بنتائج عكسية على الذين دبروه ضدنا لان الذين دخلوا في النظام من اعضاء الحزب فشلوا فشلا تاما في احداث انشقاق في الحزب او تقديم كتلة سياسية ذات مستقبل. وهم يعانون الآن من انقسامات بينهم تدور بين من يرى الانخراط في المؤتمر الوطني ومن يرى العودة لحزب الامة، فيما ادركوا مجتمعين ان الانخراط مع النظام كان خطأ ولم يحقق اهدافه، ولذلك فقد جاءت النتائج ايجابية لنا سواء على صعيد الشعبية او التنظيم او المواقف السياسية والفكرية، واقولها بملء الفم نحن مستعدون لأي انتخابات عامة حرة، ومع اني لست في موقع يمكنني من الرد حول الاتحادي والحركة، الا اني اقول مجملا ان على الاول القيام بعمل مماثل لجمع الصف وعلى الحركة ان تتحول الى حزب سياسي واعتقد ان ذلك ممكن رغم اعترافي بانني لا استطيع الحديث حول ما يجب عليهما فعله لان في ذلك تدخلاً وكلاهما ادرى مني بما يجب عليهما القيام به.

* في الافق دور لواشنطن، اذا استدعينا لقاء كولن باول ووزير الخارجية مصطفى عثمان ثم باول وقرنق مؤخرا، هل من قنوات لكما معها، اعني الميرغني وانت؟

ـ واشنطن مهتمة حتى الآن باتفاق ثنائي بين طرفي النزاع المسلح ولكنها تعلم ان الاتفاق الثنائي اذا وقف عند ذلك الحد سيكون معيبا. وكما هو واضح الآن، ما معنى اتفاق ثنائي يجد رفضا من الثقل السياسي بالبلاد ويجيء بعيدا عن حل مشكلات جديدة متفجرة مثلما حدث في دارفور، وتقديري ان واشنطن ومع اهتمامها بوقف الحرب في الاطار الثنائي ستدرك اكثر واكثر الحاجة لتحويل الاتفاق من ثنائي الى جماعي بل ستجد نفسها مضطرة للاهتمام بما يحدث بعد اتفاق السلام لان الهدف هو السلام المستدام وليس السلام الهدنة والديمقراطية المستدامة وليس الحكم القائم على حكم بين حزبين.

هذه الامور ستفرض نفسها في القريب وستدرك كافة القوى الدولية ان المجتمع المدني في السودان والحركة السياسية متطوران بدرجة كبيرة يصعب معها اختصار القضايا بين عنصرين مسلحين متقاتلين، كما ان الذي يحدث الآن سيساعد على فتح عيون من لم يدرك الحقائق بعد على متغيرات لن يكون امامه غير ان يضعها في الحسبان.