«الشرق الأوسط» تسير على طريق الموت الكيماوي من حمرين إلى بعقوبة وتفتح ملف أول مقبرة كيماوية جماعية في العراق

مئات العسكريين والمدنيين استخدموا كحقل تجارب لأسلحة الدمار الشامل في عهد صدام والقوات الأميركية اقتلعت قبرا كعينة

TT

بدأت خيوط «الحكاية» عندما تسربت معلومات عن وجود مقبرة جماعية غامضة، الى الشمال من مبنى جامعة بعقوبة بحوالي كيلومتر واحد، في المنطقة التي تسمى بـ(الغابات).

ولكثرة المقابر الجماعية المكتشفة في جميع انحاء العراق بعد سقوط نظام صدام حسين فقد تجرأ الناس على الحديث عن وجود هذه المقبرة، الا ان احدى الجهات السياسية حاولت «التكتم» على الامر، لكي لا يتم نبش القبور بشكل فوضوي، خاصة ان المعلومات المتوفرة تفيد بأن الضحايا قتلوا بشكل جماعي عند تجريب انواع من اسلحة الدمار الشامل (الكيماوية او البيولوجية)، قبيل استخدام هذه الاسلحة ميدانيا في منطقة حلبجة الكردية وبعض المدن العراقية الاخرى.

وأفاد احد المسؤولين السياسيين عند توجهنا الى المكان المحدد بأن موقع المقبرة على مقربة من طريق بناية جامعة بعقوبة الى مركز المدينة كانت تحجبه بعض صفوف الاشجار، فالمنطقة كلها تسمى منطقة الغابات، وعند قطع تلك الاشجار، خلال الحرب الاخيرة، اصبحت المنطقة مكشوفة، ومن يدخل اليها يشاهد بوضوح اكوام التراب التي تشكل قبورا يحمل كل منها رقما معينا، مثبتا بواسطة لوح معدني.

ففي هذه الارقام نقرأ «الشهيد 135».. «الشهيد 120 الوجبة الثانية».. وهكذا تتواصل الارقام، لتقارب الالف.

قال نائب الضابط قصي حازم نجم، من الفيلق الثاني في الجيش العراقي، والذي كان من المكلفين بحماية المقبرة في الآونة الاخيرة، انه استطاع ان يحصي اكثر من 800 قبر، ثم اختلطت عليه الامور بين ارقام اعتيادية وارقام تحمل علامة (الوجبة الثانية).. فالقتلى هنا دفنوا في وجبتين، او اكثر.

المسؤول السياسي الذي ابلغنا بوجود المقبرة، قال ان الامر تحت التكتم الشديد الى ان تقوم لجان خاصة بفحص الموقع والتعرف على الكيفية التي تمت بها ابادة هؤلاء، وعلى المادة التي استخدمت في قتلهم عند اجراء التجارب عليهم!.

قال نائب الضابط قصي، ان احداث المقبرة الكيماوية وقعت في سنة 1987، وانه عندما التحق بالفيلق الثاني سنة 1991، كان القدماء في مقر الفيلق يتحدثون «بصوت يشبه الهمس» عن تجارب على اسلحة غريبة، قتل خلالها المئات من الجنود، ومعظمهم ممن كانوا في سجن المقر لعقوبات مختلفة مثل الغياب او التخلف.. او لاسباب سياسية.

واشار قصي الى ان الجواب على الكثير من الاستفسارات يمكن الحصول عليه من ضابط استخبارات الفيلق آنذاك (...) الموجود حاليا في مدينة بعقوبة.

مرافقنا في (رحلة الموت الكيماوي) عدنان جاسم الطائي، مدير اعدادية طارق بن زياد في بعقوبة، اخبرنا بأنه كان يعلم بوجود المقبرة الجماعية، وانه بحكم كونه من اهالي المنطقة تعرف على عسكريين كانوا يعملون في اجهزة الاستخبارات والمخابرات، وان هؤلاء افشوا له سرا ظل يحتفظ به، لان اولئك الضباط كانوا سيقتلون لو عرف احد بتسرب مثل هذا السر.

قال ان اولئك الضباط اخبروه بقدوم مجموعة من الخبراء في المجالين الكيماوي والبيولوجي، من المدنيين الى مقر الفيلق الثاني في منطقة منصورية الجبل (شهربان)، قرب الحدود العراقية ـ الايرانية، وان حسين كامل، صهر الرئيس العراقي السابق صدام حسين والذي قتل عام 1996، كان برفقة هذه المجموعة التي جاءت بسيارات من طراز (لاندكروز) حديثة.. وآنذاك تم اختيار عسكريين، معظمهم كانوا في السجن العسكري للفيلق (الموجود حاليا في منطقة يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني).. وبعد ذلك تمت «تجربة» قتلهم جماعيا، في احد الوديان، ثم نقلت الجثث الى هذه المنطقة المختبئة بين الاشجار، والتي تبعد حوالي 90 كيلومترا عن مقر الفيلق وذلك لاخفاء معالم الجريمة ومكان وقوعها.

مكان المقبرة الجماعية يبدو غريبا، والقبور تبدو بشكلها المتناسق، وكأنها اعدت مسبقا، كما ان اللافت للنظر وجود القطع المعدنية التي تحمل كلمة (الشهيد)، والرقم.

قال مرافقنا عدنان الطائي، انه لم يكن لجامعة بعقوبة آنذاك وجود، بل كانت كلية التربية الرياضية تشغل الموقع القريب، وكانت قيد الانشاء، ولسبب ما اعتقل مدير المشروع، وتوقف العمل.. ثم احتل المكان فصيل من القوات الخاصة لمنع أي مواطن من الاقتراب.. وبعد ان غطت الاشجار اركان المقبرة تناساه البعض واهمل المكان، وباتت هذه القبور «من الاشياء العابرة».

المسؤول السياسي، الذي التحق بنا اوضح قائلا: «هذه الالواح المعدنية التي تحمل الارقام، وتحمل كلمة (الشهيد) كان لا بد ان تثير الاستغراب.. فلم تكن هناك في تلك الفترة، معركة قتل فيها مثل هذا العدد من (الجنود المجهولين).. وحتى لو كانت هناك معركة.. فان الجيش كان منظما، وكل من يقتل في أية معركة، له سجل، وله علامة يحملها، وهؤلاء عندما نقلوا الى هنا، فذلك يعني انهم قتلوا على الارض العراقية.. أي انهم لا بد ان يكونوا معروفين في وحداتهم.. والعسكري الشهيد انذاك له ولعائلته حقوق، ويتم تسليم جثمانه اليهم مع الاكراميات.. ليس من المعقول ابدا ان يكون هناك هذا العدد من الجنود المجهولين».

عندما تفحصنا الموقع، كان هناك قبران قد نبشا، وكان قبر ثالث قد حفر مكانه بواسطة الآليات.. وكانت هناك آثار حديثة لعجلات اميركية من نوع (هامر).. مما يعني ان القوات الاميركية على علم بالامر، او انها علمت به في وقت متأخر.. كانت هناك عظام متناثرة لهيكل ما تبقى من انسان، والى جانبها نطاق عسكري، وحذاء عسكري.. وبعض الخرق البالية.. اما البقية فقد اختفت، الا اننا لاحظنا وجود بقايا القلادة العسكرية للمقاتل، أي انه لم يكن مجهولا.. وفي الموقع الثاني كان احد اكياس النايلون يحمل اسما غير واضح، كتب بقلم (الماجك).. وقد استطعنا قراءة كلمة (عراقي) على هذا الكيس.. وهذا يشير الى ان القتلى كانوا عراقيين وغير عراقيين.

انها مقبرة غامضة بكل معنى الكلمة، ومهما كانت افادات شهود العيان، وبعضهم ممن اشرفوا على التنفيذ، فان التحليلات المختبرية وحدها هي التي يمكن ان تكشف الحقائق.

ان وجود مقبرة كهذه، وفي هذا المكان، لا بد ان يثير الاستغراب.. ولكن ما يثير الاستغراب اكثر، ألا يعرف سكان المنطقة ما هي هذه المقبرة.. والاكثر غرابة ألا يعرف اقرب الناس اليها بوجودها.

يقول استاذ اللغة العربية في جامعة بعقوبة الدكتور جليل وادي (صحافي).. انه يمر من امام هذا المكان بشكل شبه يومي، ولكنه لم يلاحظ وجود مقبرة او قبور.. ربما لان الاشجار كانت تحجبها، قبل ان يتم قلع تلك الاشجار من قبل قوات الجيش التي انتشرت في المكان قبيل الحرب الاخيرة.

اما محمد حسين الزبيدي (مدير البنك الزراعي في بعقوبة) فيقول انه كان يعلم بوجود قبور لـ«شهداء».. وانه كان يقرأ سورة الفاتحة عندما يمر بالمكان، ولم يسأل نفسه: لماذا لم يسلم هؤلاء (الشهداء) الى ذويهم!! اذا كانوا قد قتلوا بشكل جماعي، على الشكل المألوف في المقابر الجماعية، لكانوا قد دفنوا كأكداس، وليس في قبور منتظمة.. لا بد انهم ليسوا من المعادين للحكومة السابقة، وعندما قتلتهم اعتبرتهم «شهداء»، كضحايا لـ«تجربة وطنية»! قلنا ان (الاميركان مروا من هنا).. ربما لتعقب بعض مطلقي العيارات النارية، ولكن (اقتلاع قبر كامل من اسفل اسفله بواسطة الآليات) قد نجد له تفسيرا عند قيادة القوات الاميركية في المنطقة.. وقد لا نجد.. فلا بد من الذهاب الى هناك.. ولا بد قبل ذلك من استكمال (شهادات الشهود).

التقينا العقيد (...) ضابط الاستخبارات في الفيلق الثاني آنذاك، والذي طلب منا عدم ذكر اسمه.. فهو ـ حسب قوله ـ عندما شكوا بأنه يعرف السر، فصل من الخدمة، واعتقل وعذب لمدة سنة وثلاثة اشهر، ثم اطلقوا سراحه، وبقي خارج القوات المسلحة، حيث لم تصدر منه كلمة واحدة قد تودي بحياته.

قال هذا العقيد «ابلغونا بواجب مهم، كضباط استخبارات من صفوف مختلفة من الفيلق الثاني الذي يوجد في اسفل مقره سجن مركزي كبير لعسكريين ومدنيين، اودعوا هناك لتهم مختلفة، ابلغونا ان مهمتنا هي (الحماية)، ومن بعد مناسب، لقافلة عسكرية».

واضاف: لاحظت قدوم سيارات كثيرة، فيها خليط من ضباط استخبارات ومخابرات، وعرفت ان هؤلاء يشكلون لجنة مشتركة، لانني تعرفت على البعض منهم، ممن كانوا في المخابرات او الاستخبارات.. كان الوقت صيفا، والحر شديدا.. ثم حضرت الى موقع السجن في منطقة جلولاء شاحنات وناقلات كثيرة حوالي 40 أو 50 مركبة، حشروا فيها حوالي 1000 شخص معظمهم من السجناء والموقوفين، وكانوا معصوبي العيون، ومقيدي الايدي الى الخلف.. طلبوا منا حماية القافلة ومراقبتها عن بعد، وانطلقت السيارات (المغلفة) باتجاه خانقين، وقبل الوصول الى المدينة انحرفت يسارا باتجاه منطقة (ميدان) التابعة لقضاء كلار (السليمانية).. مررنا بشارع ترابي، لمسافة تبعد حوالي 10 دقائق او 15 دقيقة عن المنعطف، حيث كانت هناك ساحة كبيرة بين المرتفعات التي تشبه التلال.. وعند هذا الحد منعونا من التقدم، واستمرت القافلة بالمسير.. صدرت لنا اوامر بالانسحاب مسافة 15 كيلومترا.. وكان من الصعب ان نرى ما يجري.. وبعد ساعة او اكثر، شاهدنا سحابة بيضاء داكنة في السماء الصيفية، اثارت استغرابنا.. صعدنا الى احد المرتفعات، وتأكدنا من ان السحابة كانت فوق المكان الذي ذهبت اليه القافلة. وبعد انتظار لوقت بدا لنا طويلا، جاءت سيارة تحمل عددا من ضباط الاستخبارات والمخابرات الذين ابلغونا بان السيارات (الشاحنات) ستعود وفيها السائقون فقط.. هذا كل ما قالوه.

وتابع العقيد يقول: عندما عادت القافلة (الشاحنات والحافلات المغلفة).. كنا نفهم نحن كضباط استخبارات ان واجبنا هو (الحماية)، وان نسير خلفهم.. لاحظت ان احدى الشاحنات قد انفلت الحبل الذي يشد غلاف (جادر) جزئها الخلفي، وتظاهرت بأنني ذاهب لاغلاقه، كان الفضول هاجسي (كضابط استخبارات)، وقد صعقت عندما رأيت اكداس الجثث في الشاحنة، التي قيل انها فارغة، بعد ان نقلت العسكريين الى موقع آخر.. كانت جثث نفس الاشخاص الذين اقتيدوا من السجن المركزي.

قال العقيد ايضا: صرخ بوجهي احد ضباط التنفيذ بشكل عصبي (ماذا تفعل..؟ ما دخلك انت في هذا الموضوع..) اصابتني رهبة شديدة، لانني اعرف ان من يعرف سرا من اسرارهم يكون مصيره القتل.. وتظاهرت بأنني لم ار شيئا، وانني اردت فقط اقفال الستار الخلفي.. ومع ذلك بقيت علامات الاستفهام تدور حولي.. الى ان اودعت السجن. لقد كانوا منفعلين وعصبيين، لذلك نسوا اننا نسير خلفهم ـ حسب الواجب ـ (كحماية)، ولم ينتبهوا الى وجودنا، خاصة اننا أطفأنا انوار سياراتنا.. واستمرت القافلة بالمسير، بينما تم ايقافنا من قبل مفرزة سيطرة قرب مشروع (المدينة الرياضية). وجاءنا ضابط استخبارات ليبلغنا باننا ارتكبنا خطأ بالعودة خلفهم، وكان علينا ان نعود ادراجنا عند الوصول الى منصورية الجبل (شهربان).. وحاول افهامنا بأن الموضوع كله يتعلق بسجناء يتم نقلهم الى سجن ابو غريب قرب بغداد.

واضاف العقيد (.....): استمر الهاجس الاستخباراتي معي، وبقيت اراقب عن بعد، حيث لاحظت ان انوار مركبات القافلة تتجه يسارا، باتجاه منطقة الغابات، التي تبعد حوالي 3 كيلومترات عن حي المعلمين في بعقوبة.

وفي اليوم التالي، لم تكن هناك حراسة في المكان، فاستطعت الذهاب مع احد الاصدقاء الى المكان الذي اتجهت نحوه الشاحنات، فوجدت هذه الصفوف من القبور، التي يبدو انها اعدت مسبقا.. ولم تكن هناك علامات اوارقام تشير الى من يوجد فيها.. هذه العلامات والارقام وضعت فيما بعد للتضليل، وبعد ان تم نشر فصيل من الحرس الخاص لمنع الاقتراب من (الغابات).

يؤكد عقيد الاستخبارات (.....): ها انا اليوم، ولأول مرة، اتكلم عما شاهدت، واطلب الحماية والامان.. وفي هذه الحالة سأحاول ان اقنع بعض الذين كانوا معي لكي يعلنوا (السر)، وتقوم الجهات الدولية بالتحقيق والتحري.

هنا يطرح طريق الموت الكيماوي اسئلة كثيرة، ويستعيدنا اليه اكثر من مرة.. ترى هل كان العقيد (.....) ضمن فريق التنفيذ، ام انه مجرد شاهد عيان..؟ لقد وعدناه بعدم الكشف عن اسمه وهويته، كما وعدنا امر سرية «الحماية» المقدم الركن (......) الضابط في الحرس الجمهوري.. والذي سنعود اليه في زيارة لاحقة.

كان هاجسنا عندما عدنا الى المقبرة الكيماوية، ذلك القبر الذي اقتلع بشكل مقطعي من اسفله، وبعمق 3 ـ 4 قبور، والى جواره آثار العجلات الاميركية.. نعم، اخذوا القبر بما فيه، وبحذر شديد، لان المسألة كما يعتقدون «خطيرة جدا».

وفي الوقت الذي نحن فيه، في مقبرة بعقوبة الجماعية، قام الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يرأسه جلال طالباني، وتنظيم المؤتمر الوطني الذي يرأسه احمد الجلبي، بتسريب معلومات عن مقبرة جماعية ـ كيماوية في منطقة حمرين.. ربما تكون هناك مقبرة اخرى، ولكن مزرعة القبور التي امامنا، كانت ساحة بذارها في منطقة حمرين، وفي موقع ميدان بالذات، حيث تمت التجربة هناك، وزرعت المقبرة في بعقوبة.

كان اول من التقيناه في الرحلة الثانية هو آمر كتيبة هندسة الحرس الجمهوري الذي قال انه كلف بمهمة امرية حماية مقر الفيلق.. وكان ضمن الذين رافقوا مسيرة القافلة التي نقلت العسكريين العراقيين (سجناء وغير سجناء) الى موقع ميدان، ومن ثم الى منطقة الغابات في بعقوبة.

وجاءت شهادة امر كتيبة هندسة الحرس الجمهوري مطابقة لشهادة العقيد الركن ضابط استخبارات الفيلق، (حيث كانا يراقبان الحدث عن بعد).. والاضافة الوحيدة التي تلقيناها منه، هي انه كان يعمل تحت امرة عقيد الاستخبارات، الذي كان مسؤوله المباشر.. وان ارتكاب تلك المجزرة استغرق حوالي 20 ساعة، اذ ابتدأ الانتشار واخراج نزلاء المعسكر عند الفجر، وتمت التجربة قبيل الظهر، ونقلت الجثث الى المركبات بعد ذلك، وابتدأت مسيرة بطيئة استمرت حتى الليل حيث انتشر الحرس الخاص في المنطقة، ولم تغادر الشاحنات او المركبات المكان الا بعد منتصف الليل.

الميكانيكي توفيق جياد، يعمل مصلحا للعجلات الكبيرة، ولديه ثلاثة كراجات للتصليح في الجهة المقابلة لمنطقة الغابات.. كان يحتسي «المشروب» مع صديقه ابو ياسين (طلب عدم ذكر هويته).. في مكتب (توفيق)، الذي يقع في الجهة المقابلة، على بعد حوالي كيلومتر من الموقع.. قالا ان الشارع امتلأ بأضوية السيارات، وتم وقف المرور فيه لعدة ساعات، حيث انتشر العديد من المدنيين والعسكريين المسلحين، وكانت هناك عملية عسكرية حقيقية.. وبالفعل كانت هذه المنطقة ضمن الاطار العسكري، وكانت تطلق منها صواريخ ارض ـ ارض، باتجاه ايران اثناء الحرب العراقية ـ الايرانية.

وبعد ايام دفعهما الفضول للذهاب الى المكان الذي توجهت اليه القافلة العسكرية، فشاهدا القبور، على شكل تلال صغيرة واخبرهما بعض الموجودين هناك بانها قبور لاشخاص معارضين تم اعدامهم.. ولم يعلموا بوجود القطع التي تحمل عبارة «الشهيد» مع الرقم، الا في الآونة الاخيرة.. لان «الشهيد» يتم تسليمه الى ذويه، والمعارضون لا يتم دفنهم بهذا النسق الهندسي.

كل ما يمكن قوله ان هذا المكان شهد امرا رهيبا في سنة ..1987 وطريق الموت الكيماوي يمتد من منصورية الجبل الى حمرين (موقع ميدان).. الى هنا.. الى منطقة الغابات بالقرب من بعقوبة.

اما الاميركون «الذين مروا من هنا»، فقد اكدوا لزميل، انهم اقتلعوا احد القبور، وان الفحص قد يطول، لانهم بحاجة الى عينات اخرى.. والتحليلات المختبرية ستكون معقدة للغاية، لان عملية الزرع البيولوجي تستغرق وقتا طويلا، وان المواد الكيماوية، وخاصة الغازات، تتلاشى عندما تتفاعل مع التربة او تلامس الهواء، خاصة ان وقت الجريمة يمتد الى اكثر من 15 عاما، الا ان الاميركيين توصلوا الى نتيجة آنية.. وهي ان مجزرة رهيبة قد وقعت فعلا هنا، او في مكان آخر.. وان موقع الغابات في بعقوبة شاهد على تلك المجزرة.

والى ان يتم استخلاص النتائج المختبرية، فان كل من التقيناهم يطالبون اللجان والهيئات المختصة بحقوق الانسان، ان تضع يدها على هذه المقبرة الجماعية، وتمنع العبث بها.. والذي بدأ الآن فعلا.