الناطق اللبناني باسم القوات البريطانية في العراق: صدمني قصر صدام في البصرة بفخامته غير المعقولة

هشام حلاوي القادم من مصيف الباروك يحدّث «الشرق الأوسط» عن الأوضاع في ميناء العراق بعد شهر من إقامته فيها

TT

في اليوم الذي قام فيه الأميركيون بتعيين الليفتنانت جنرال، اللبناني الأصل جون أبي زيد، رئيسا للقيادة الوسطى للقوات الأميركية بالعراق، بدلا من الجنرال تومي فرانكس الذي سيحال على التعاقد في نهاية هذا الصيف، قام البريطانيون قبل شهر أيضا بتعيين لبناني، مولود في نيجيريا، ناطقاً باسم قواتهم في العراق.. إنه النقيب في الجيش البريطاني، هشام حلاوي الذي تحدث أمس عبر هاتفه الفضائي الى «الشرق الأوسط» من حيث يقيم في مدينة البصرة، وهي التي يصفها بأنها جميلة ورائعة «وأجمل ما فيها هو شعبها الطيّب الكريم والمضياف، والسهل المعشر» كما قال.

وليس هشام حلاوي، 34 سنة، هو اللبناني الوحيد مع القوات البريطانية في العراق الآن «بل معنا عدد كبير من الجنود، هم من لبنان أيضا» شارحا أنهم حصلوا على الجنسية البريطانية بسبب اقامتهم وحيدين أو مع عائلاهم في بريطانيا منذ زمن بعيد.

وبلهجته الجبلية اللبنانية، المطعمة أحيانا بكلمات انجليزية من هنا وهناك، يقول حلاوي إنهم ربما اختاروه للمنصب لأنه يتكلم ويكتب العربية، ولأنه يخدم في الجيش البريطاني بطبيعة الحال. وهو يصف الأوضاع بعد شهر من اقامته في البصرة بأنها الى الأفضل دائما «وخذ مثلا هذه الأيام، ففيها تنزل الى السوق وترى المحلات مشرعة الأبواب والناس أصبحت تتمشى وتتسامر وتسهر في المقاهي على الأرصفة، ويدخنون الشيشة، حتى بعد منتصف الليل أحيانا، والكهرباء وضعها يتحسن أيضا» وفق تعبيره.

ويشكو حلاوي من قلة الصحافيين الذين يزورون البصرة أو يتصلون به ولو بالهاتف، سواء كانوا من العرب أو الأجانب، فهو يريد أن يشرح لهم الأوضاع ويطلعهم مثلا على نشاطات القوات البريطانية هناك «كعملها اليومي في ازالة الألغام المزروعة سابقا، وفي ادارتها لشؤون المدينة. ولأني لا أرى صحافيين هنا أو أسمع صوتهم، فأنا أضطر أحيانا للسفر الى الكويت لأشرح للاعلاميين فيها ما نقوم به في العراق» كما قال.

* كان لصدام قصر كبير في البصرة، مطل على شط العرب، هل زرته؟

- زرته مرات، وأزوره كل 3 أو 4 أيام، فهو القاعدة الرئيسية الآن للقوات البريطانية في المدينة.

* وما الذي شعرت به وأنت تتجول فيه؟

- صدمني حقيقة، خصوصا أنهم أخبروني بأنه لم يزره على الاطلاق، وكأنما بناه لمجرد أن يبنيه فقط.. أدركت كيف كان هذا الرجل يستخدم ثروات بلاده لنزعاته الشخصية. يا الهي، هذا غير معقول.

* ألم تنم فيه أو تستحم مثلا؟

- قمت ببعض الأشياء، لكني لم أنم ولم أستحم، بل أنام في مطار البصرة، وهناك استحم كل يوم.

* متى سيفتح المطار؟

- المطار فاتح وشغال، ولكن للطائرات العسكرية أو التي تأتي بمساعدات أو باحتياجات من الكويت وقطر. وقد يفتح للركاب بعد شهر على الأكثر، حين استكمال المراكز فيه، كالجمارك وسواها.

* تتجول بثيابك العسكرية في الشارع، أم بغيرها؟

- بالعسكرية البريطانية طبعا.

* يقولون إن في البصرة كازينو كبير للروليت والبلاك جاك والباكارا وغيرها، فهل هذا صحيح؟

- لم أسمع شيئا عن هذا الكازينو. لكن الناس هنا يتحدثون عن البصرة بأنها كانت درة، ومن أجمل المدن قبل 35 سنة في منطقة الخليج، وكان أهل الكويت يزورونها دائما.. هذه المدينة جميلة، وأهلها ميالون للتحسين، ويلزمها وقت فقط.

* راتبك الدي تقبضه من الجيش البريطاني، هو نفسه وأنت الآن في البصرة، أم يزيدون عليه حين تؤدي الخدمة في الخارج؟

- ولا فلس زيادة، هو نفسه بالتأكيد، لكنهم يضيفون اليه القليل فقط كمصاريف، والاضافة ليست على الراتب، بل بدل خدمات.

* هل هذا الراتب يستأهل؟

- إنه جيد ويكفيني، ولا أستطيع الكشف عنه تماما. أنا لا أحب الحديث عن المال، ولا عن القضايا الدينية أيضا.

* ما أعجبك في البصرة أكثر من سواه؟

- أنا معجب بشعبها، فهو يميل جدا للتفكير بتحسين ظروفه كما قلت، ولاحظت عليهم رغبتهم الجموحة بأن تكون هذه الظروف أفضل. ولم يعجبني فيها شدة الحر.. أوه.. يا ألهي. ولكن الشمس رائعة هنا. يعني، أفضل من لندن على كل حال.

* ستبقى كثيرا هناك؟

- أعتقد 6 أشهر، وربما عام.

* صادفتك مشاكل وتوترات؟

- أبدا، أنا مبسوط فيها، خصوصا أنهم يفهمون ما أتحدث به وأفهم ما يقولون.

* القوات الأميركية عثرت على رزم من ملايين الدولارات هنا وهناك في بغداد، ألم تعثرا أنتم في البصرة على مثلها مخبأة في الاسطبلات أو المزارع، أو في أبنية شبه مهدمة مثلا؟

- على حد علمني، لم نعثر على أي مال.. يا ليتنا عثرنا، لكنا أعدناه للعراقيين، فهم أصحابه.

* ولا حتى في قصر علي حسن المجيد؟

- تقصد علي الكيماوي؟ آه.. لا، لا أعتقد أنهم عثروا على أي مال فيه.

* كان لصدام يخت كبير، اسمه المنصور، وكان راسيا في شط العرب دائما، وقصفته القوات البريطانية ببداية الحرب، هل ما زال باديا للعيان؟

- آه، اليخت.. صحيح، صحيح. لكنه كان يحترق، والدخان يتصاعد منه، لذلك قشط.

* قشط، لن يفهمها غيري وغيرك، اشرحها. - قشط يعني غرق، ابتلعته المياه.. مياه شط العرب، واستقر في الأعماق.

* ألن تسحبوه؟

- سمعت أن القوات البريطانية ستخرجه منها. يعني، سيسحبونه كخردة، لا للاستخدام من جديد.

* أنت اللبناني الوحيد مع القوات البريطانية؟

- لا، عندنا عدد كبير من اللبنانيين أصلا. إنهم جنود في الجيش البريطاني.

* جنود؟ مش معقول.

- صدقني، ولكني لا أعرفهم. إنهم بريطانيون، حاصلون على الجنسية البريطانية مثلي، ومضطرون لاداء الخدمة العسكرية، فيخدمون في البصرة وغيرها. سمعت عنهم، لكني لم أر أياً منهم للآن.

* والدته من الباروك: ابني لم يحارب ويتقن حلاوي لغة «البهارشي» النيجيرية أيضا، لأنه أبصر النور وترعرع حتى التاسعة من عمره هناك، حيث كان والده مهاجرا ويعمل تاجرا، ومن بعدها انتقل مع العائلة وهو بعمر 9 سنوات الى بريطانيا، فدرس وتخرج من جامعة «كينغ ستون كولدج» بالاقتصاد وادارة الأعمال، ثم زاد عليها ونال الماجستير بالسياسة الدولية من جامعة «برادفورد» وفي سنة واحدة من الدراسة فقط، مختصرا بذلك السنوات الثلاث التي يتطلبها نيل الشهادة.

ويروي حلاوي، الذي حصل في 1986على الجنسية البريطانية، أنه كان يحلم بأن يصبح سفيرا لبريطانيا في لبنان، لكن الظروف عاكسته. عاكسته أيضا حين طلب وظيفة في بعثة الأمم المتحدة ببيروت، فبقي في بريطانيا، وفيها عمل مديرا للتسهيلات ببلدية تيمس دتين ثم مديرا للممتلكات في وزارة الدفاع، ومن بعدها مساعدا بالخارجية، وناطقا في 1996 باسم القوات البريطانية في حرب البوسنة، حتى تعيينه في منصب مماثل قبل شهر في العراق.

وتحدثت «الشرق الأوسط» أيضا الى والدته، كوكب حلاوي، فقالت عبر هاتفها النقال من حيث تقضي أشهر الصيف الآن في بيت العائلة بمصيف الباروك الجبلي الشهير في قضاء الشوف، إنها سعيدة برؤية ابنها الأصغر، وهو الرجل الوحيد بين أولادها الثلاثة، يساهم في اعادة الوئام الى العراق «فهذه نفسيته، لأنه يكره الحروب والمشاكل وتستميله الأعمال الانسانية، وهو مسالم بطبيعته واجتماعي ويكره الجلوس وراء الطاولة في المكتب.. يعني ديناميكي» كما قالت.

وروت أن ابنها يخبرها دائما بأنه لن يتزوج الا من فتاة عربية، ويتصل بها دائما من هاتفه الفضائي ليطمئنها على أحواله يوميا من البصرة «التي لم يكن فيها خلال الحرب، بل بعد أن انتهت.. هشام لم يشارك القوات البريطانية أبدا في القتال هناك، بل يشاركها الآن فقط في اعادة السلام وتعمير البلاد» وفق ما ذكرت كوكب، التي تتمنى أن يتخذ ابنها قرارا حاسما في حياته، وشبيها بما اتخذته هي وزوجها وابنتاها قبل 7 سنوات، حين قررت العائلة كلها أن تلملم حوائجها وتغادر بريطانيا للاقامة نهائيا في لبنان.