المحكمة المركزية الإسرائيلية تأمر بإخلاء خيمة شهاب الدين في الناصرة

TT

امرت المحكمة المركزية في الناصرة لجنة شهاب الدين في المدينة باخلاء المقام وهدم الابنية غير المرخصة فيه لاتاحة الفرصة امام اكمال مشروع بناء الساحة العامة. وقالت في قرارها «انه ثبت ان المكان غير مقدس وان الارض غير وقفية، ولم يعد هناك مبرر لبقاء الاعتصام في المكان».

وحذر القاضي قادة الحركة الاسلامية الذين يسمعون التهديدات، بأن القرار يثير غضب المسلمين، وقال انه يرى خطورة هذه التهديدات، لانها ترمي الى افتعال الغضب بهدف اثارة القلاقل، وامرهم بأن ينفذوا القرار بأنفسهم، فيفككوا الخيمة ويهدموا ما بنوه من اسوار واساسات بناء، حتى لا تضطر وزارة الداخلية الى الاخلاء بالقوة.

وقد امتنع رئيس الحركة الاسلامية في الناصرة، المهندس سلمان ابو احمد، عن التعقيب على الموضوع. فيما قال عضو الكنيست عن الحركة، النائب عبد المالك دهامشة، ان رئيس الحكومة وقادة الشرطة سيكونون مجانين، اذا ما اقدموا على الهدم والاخلاء «ففي مثل هذه الخطوات سيحولون المكان الى جهنم». يذكر ان قصة شهاب الدين هذه نشأت في سنة 1995. ففي حينه قررت بلدية الناصرة اقامة ساحة عامة في المدينة، وذلك ضمن مشاريع البناء والتعمير والتطوير فيها، حيث تعتبر مدينة سياحية من الطراز الاول، كونها المدينة المقدسة الثانية لدى المسيحيين بعد بيت لحم. ففيها تم تبشير السيدة العذراء بالسيد المسيح. وفيها عاش المسيح جل سنوات عمره، حتى اصبح يعرف باسمها «الناصري» وتعرف المسيحية باسمها «النصرانية».

وعندما بدأت شركة البناء تنفذ المشروع في سنة 1997، عشية الانتخابات البلدية في المدينة، خرجت الحركة الاسلامية بحملة احتجاج. فادعت ان الارض وقفية، وان مقام شهاب الدين فيها مقدس، وأن المسلمين احق من السياح بالمكان، وبدلا من ساحة عامة يجب بناء مسجد.

واختلف المسلمون في المدينة في ما بينهم حول الموضوع، اذ ان المكان مجاور لكنيسة البشارة، احدى اكبر الكنائس في العالم. فأراد بعضهم تفادي هذا الاحتكاك. وقال طرف آخر ان بناء المسجد بجانب الكنيسة يعتبر رمزا للتآخي. واختلف المسيحيون في ما بينهم حول الموضوع، بالطريقة نفسها. وكانت الحكومة الاسرائيلية في ذلك الوقت يمينية متطرفة، بزعامة بنيامين نتنياهو. فأرسل مندوبا عنه يدعى داني غرينبرغ ليقيم في المكان ويشارك في الاعتصام في خيمة شهاب الدين، ويدق الاسافين بين المسلمين والمسلمين، وكذلك بين المسلمين والمسيحيين، وتطور الخلاف الى شجار واعتداءات.

وتنادت القوى الوطنية، آنذاك، لوقف التدهور. وحذرت من ان نتنياهو يريد من قضية شهاب الدين قضية اكبر. ففي ذلك الوقت كانت تلوح في الافق امكانية مفاوضات السلام. ورأى نتنياهو ان التفاوض سيصل الى موضوع القدس الشرقية وبيت لحم. واراد ان يظهر المسلمين، بأنهم معتدون على المسيحيين، ولا يسمحون لهم بحرية العبادة، ويمسوّن بمقدساتهم. فاذا فعل المسلمون هذا في مدينة مثل الناصرة تحت الحكم الاسرائيلي، فماذا سيفعلون اذا تسلموا هم الحكم؟

وكان يريد بذلك ان يقنع الغرب بأن المسلمين لا يستحقون الحكم في القدس وبيت لحم، لكي يبقيهما تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي.

وقد ادرك هذا البعد للقضية ايضا الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، فاقترح على المسلمين اقامة مسجد في مكان آخر، وتعهد بتوفير قسط من التمويل، وكذلك فعلت الحكومة السعودية ايضا، وتعهدت بتمويل المشروع. وأفتى العديد من شيوخ المسلمين بأن بناء المسجد بجانب الكنيسة ليس شرطا، خصوصا ان الحديث يجري عن مقام لأحد شيوخ المسلمين لكنه ليس نبيا ولا خليفة ولا وليا.

ومن جهة ثانية اعترض الفاتيكان في روما على المشروع. ثم تدخل الرئيس الاميركي، جورج بوش، في الموضوع. واصبح بناء مسجد في المكان مشكلة دولية. فقررت حكومة اسرائيل، بزعامة ارييل شارون، التراجع عن مشروع بناء المسجد، وابلغت الحركة الاسلامية التي تقود لجنة شهاب الدين قرارها. فاستأنفت هذه اللجنة القرار، وتوجهت الى المحكمة.

وقررت المحكمة، بعد بحث طويل، اخلاء المكان والاستمرار في مشروع بناء الساحة العامة. وكانت بلدية الناصرة قد افردت جانبا هاما في مشروع الساحة لترميم مقام شهاب الدين وتوسيعه وتحديثه وتحويله الى مزار لكل من يرغب ومصلى للمسلمين.