سترو يسعى لحمل إيران على السماح بتفتيش منشآتها النووية

دبلوماسية حث طهران على الاعتدال تشمل إقناعها بالانفتاح على معارضيها

TT

في محاولة منه لمنع تفجر أزمة أخرى في الشرق الأوسط، افتتح وزير الخارجية البريطاني، جاك سترو، محادثات مع الزعماء الإيرانيين في طهران أمس مركزا بصورة خاصة على اسلحة الدمار الشامل والتوتر المتصاعد بين الجمهورية الإيرانية ومعارضيها داخل إيران. وقد عبرت الحكومة البريطانية عن «قلق خاص» إزاء الحملة المحمومة التي تشنها مجموعة الصقور داخل الإدارة الأميركية، على إيران. وفي عدد من المقابلات التي اجريت معه قال سترو إن بريطانيا لن تشارك الولايات المتحدة في أي عمل عسكري ضد إيران.

ولكن هذا الموقف شابه بعض الغموض بعد ان قال رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، أمام البرلمان إن حكومته «تساند» الحركات الطلابية الإيرانية المعادية للنظام.

ويأمل سترو في تنفيذ هدفين من زيارته لطهران يعتبران على درجة كبيرة من الأهمية إذا أراد إقناع بلير بالامتناع عن اتخاذ المواقف المتشددة التي يطالبه بها الصقور الأميركيون:

ـ الهدف الأول الذي يبغي سترو الوصول إليه هو تعهد رسمي من القادة الإيرانيين بالتوقيع على معاهدتين فرعيتين إضافيتين في اطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. والتوقيع على هاتين المعاهدتين الإضافيتين سيسمح لمفتشين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالقيام بحملات تفتيش غير معلنة للمرافق النووية الإيرانية. ويعتقد كثير من الخبراء، أن مثل هذه الحملات، مع أنها لا تضمن عدم لجوء إيران لتطوير برنامجها النووي، إلا أنها يمكن أن تؤخر مثل هذا البرنامج وترجئ صنع الاسلحة وتوفير إمكانية اطلاقها لخمس سنوات على الأقل.

ـ الهدف الثاني الذي يحرص سترو على إنجازه هو إقناع القادة الإيرانيين بعدم استخدام العنف مع حركة المعارضة بل فتح قنوات الحوار مع قادتها. وكان بعض المحافظين ذوي الولاءات الخمينية قد نادوا مؤخرا بإعدام بعض القادة الطلابيين متهمين إياهم بالخيانة. ويعتقد سترو أن مثل هذه الخطوة ستزيد الموقف اشتعالا، كما ستؤدي إلى مواجهات أكثر دموية بين النظام والمعارضة.

وربما لا يكون لدى وزير الخارجية البريطاني القدر الكافي من الحجج التي تسند مواقفه وتحقق مطالبه، ولكنه يمكن أن يستفيد من المكانة المحترمة التي ما تزال بريطانيا تحتلها بين الإيرانيين، وخاصة علماء الدين منهم، باعتبارها «قوة عالمية حاذقة». وعلى مدى 150 سنة، ظل كثير من الإيرانيين يعتقدون أن لا شيء يحدث في السياسة الدولية من دون أن تكون لبريطانيا يد في حدوثه. ومن أكثر الأمثال شعبية في إيران ذلك الذي يقول: «كله من صنع الإنجليز». وإذا حاولت أن تقول لأحد الايرانيين العاديين إنه ولى إلى الأبد ذلك الزمن الذي تستطيع فيه بريطانيا ـ مستخدمة جبروت أساطيلها البحرية ـ أن تفرض إرادتها على الأمم الضعيفة، يقول لك ان بريطانيا، مع أنها دولة متوسطة من حيث القوة الاقتصادية والعسكرية، ما تزال هي «القوة العظمى» الحقيقية من حيث الخداع السياسي والحيل الدبلوماسية. ويقول آية الله جناتي، وهو من كبار النظام الخميني: «الأميركيون ما يزالون يرقصون على الاصبع الصغير للإنجليز. وربما تكون أميركا هي صاحبة القوة، ولكن الإنجليز هم العقل المدبر».

وبالطبع فإن سترو ليس غريبا على طهران، وهو السياسي الغربي الوحيد الذي زار العاصمة الإيرانية اربع مرات خلال أقل من عامين. وقد كتب مقالات في بعض الصحف الإيرانية الحكومية، كما قضى فترات طويلة داخل إيران حتى يتمكن من مقابلة أكبر عدد من علماء الدين. وكانت زياراته الثلاث الأولى مفهومة للاسباب التالية:

ـ السبب الأول هو أن التحالف الإنجلو ـ أميركي كان يحتاج إلى تحييد إيران، إن لم يكن دعمها المباشر، في مخطط إسقاط حكومة طالبان بأفغانستان وحكومة البعثيين في العراق. وقد حقق سترو نجاحا مرموقا على صعيد الهدفين.

ـ السبب الثاني هو أن سترو يعتقد أن لندن تحتاج إلى تقويمها المستقل للوضع الإيراني عوض الاعتماد على تقويم من مصادر أخرى مثل فرنسا وألمانيا. وكانت فكرة الحوار المباشر مع علماء الدين الايرانيين قد طرحها أول مرة هانز ديتريش غينشر، وزير الخارجية الألماني في الثمانينات. وقد سمى غينشر سياسته تلك «الحوار الانتقادي»، مما أدى إلى شيوع نكتة تقول انه عندما يلتقي الأوروبيون وعلماء الدين الايرانيون، فإنهما يتفرغان لانتقاد الولايات المتحدة.

وكان رد المحافظين على حوار غينشر «الانتقادي»، ارسال مجموعة من الغوغاء لتحرق السفارة الالمانية في مظاهرة منظمة حكوميا. وفي عام 1992 أرسلت طهران فريقا من القتلة لاغتيال اربعة من زعماء المعارضة الإيرانية في العاصمة الالمانية برلين. ومما أثار غضب غينشر أن المحكمة الألمانية أصدرت حكما باعتقال قادة إيرانيين على أعلى مستوى من بينهم «المرشد الاعلى» علي خامنئي بتهمة تنظيم تلك الاغتيالات.

ومن جانبهم جرب الفرنسيون نسختهم من «الحوار الانتقادي». وقد كان جزاؤهم اعتقال العديد من مواطنيهم واغتيال اثنين منهم بواسطة مجموعات تدعمها إيران. وخلال فترة «الحوار» نفذت ايران اغتيال 17 من المنشقين الإيرانيين في عمليات تصفية نفذت داخل فرنسا، كما قتلت 30 من المواطنين الفرنسيين في عمليات عنف مختلفة في باريس وغيرها من المدن الفرنسية. ولم تتوقف هذه الأعمال إلا بعد أن اقتنعت فرنسا بسوء طوية النظام الايراني وعلقت العلاقات الدبلوماسية مع طهران لأكثر من عامين.

وتحاول فرنسا حاليا ان تظهر من جديد على المسرح الإيراني، وقد زار وزير الخارجية الفرنسي دو مينيك دو فيلبان طهران ثلاث مرات في أقل من عام واحد آملا في تطوير تحالف يقف ضد «المخططات الأميركية» في العراق والشرق الاوسط بصورة عامة. وتعبيرا عن حسن نياتهم تجاه طهران اعتقل الفرنسيون مئات من المعارضين الإيرانيين الذين يعيشون في باريس وضواحيها، كما طلبوا من عدد كبير من زعماء المعارضة الإيرانية مغادرة البلاد. وربما تكون الخطوات التي اتخذتها فرنسا قد وضعت عقبات جديدة أمام دعوة سترو للايرانيين بالاعتدال.