جدل في الجزائر حول مستقبل زعيمي «الإنقاذ» مع اقتراب موعد الإفراج عنهما

TT

يتوقع المراقبون أن يستقطب موضوع رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ عباسي مدني ونائبه علي بن حاج اهتمام الجزائريين خلال شهر يوليو (تموز) على الأقل الذي يصادف موعد الإفراج عنهما بعد 12 سنة قضياها في السجن بالنسبة للثاني وبين السجن والإقامة الجبرية بالنسبة للأول.

وقد بدأت الطبقة السياسية هذه الأيام في إصدار ردود أفعال متباينة بشأن خروج زعيمي جبهة الإنقاذ المحظورة، لعل أهمها ما صدر على لسان رئيس الحكومة أحمد أويحيى الذي حذر أقطاب «التيار الديمقراطي» من البقاء مكتوفي الأيدي في انتظار أن يتدخل الجيش لتعيين أو فرض مرشح ديمقراطي. وشدد أويحيى، في تصريحات للصحافة عقب اجتماع لقيادة حزبه «التجمع الوطني الديمقراطي» نهاية الأسبوع الماضي، على أن التيار الأصولي يزداد تعزيزا وقوة وخطرا على النظام الجمهوري، في حين لا يزال أنصار التيار الديمقراطي مشتتين ومنشغلين بخلافات هامشية. وقال رئيس الحكومة والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي إنه لا يجد تعليقا على تصريحات رئيس أركان الجيش الفريق محمد العمّاري المتعلقة بحياد الجيش في الانتخابات الرئاسية القادمة وقبوله من يختاره الشعب ولو كان اصولياً مثل عبد الله جاب الله رئيس حركة الإصلاح الوطني، غير أنه أكد بالمقابل أنه لا يمكن للديمقراطيين الجزائريين أن ينتظروا من المؤسسة العسكرية أن تنتخب لهم رئيسا ديمقراطيا، بل عليهم أن يشمروا عن سواعدهم ويكتسحوا الميدان. وأضاف أويحيى أنه لا يجد فرقا بين أصولي يحمل السلاح وبين آخر غير ملتح ويرتدي لباسا عصريا، ذلك أن الجميع يسعى في النهاية لتحقيق هدف واحد.

من جهته، طالب رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي من السلطات العمومية أن تعامل علي بن حاج بعد خروجه من السجن «كمجرم»، بأن تحرمه من ممارسة حقوقه السياسية والمدنية عقابا له على كل من قُتل من الأبرياء خلال العشرية الأخيرة. وأوضح سعدي أن السلطة عودت الجزائريين على إخراج ورقة الإسلاميين للتخويف بها أو استعمالها كشبح تخيف به كل من يحاول المطالبة، من التيار الديمقراطي، بترحيل النظام القائم.

وهناك أيضا عدد من جمعيات ضحايا الإرهاب التي تستعد لشن حملة ضد علي بن حاج، على الخصوص، المعروف بتشدده ومواقفه الجريئة خصوصا ما تلعق منها بانتقاد نظام الحكم والأحزاب الديمقراطية التي تسير في فلكه. وقد تساءلت جمعية «صمود» لعائلات المختطفين من قبل الجماعات المسلحة، في بيان نشرته أمس، عن ما تحمله الحكومة وما تعد له لحل مشاكل ضحايا الإرهاب بعد الإفراج عن عباسي مدني وعلي بن حاج. واعتبر محررو البيان أن الإفراج عن مسؤولي الإنقاذ «جريمة ثانية ترتكبها العدالة في حقنا وفي حق ذاكرة الضحايا». وأكدت الجمعية أنها ترفض إطلاق سراحهما «قبل أن يجيبا أمام القضاء عن أفعالهما لأنهما دعيا إلى الجهاد ضد الشعب الجزائري». وأضافت جمعية «صمود» أنها تنتظر من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أن «يخبرنا إن كانت لنا حقوق في بلدنا»، مشيرة إلى أن ضحايا الأعمال الإرهابية يجدون أنفسهم «مخدوعين من قبل أعلى السلطات منذ العفو غير الدستوري» عن نشطاء الجيش الإسلامي للإنقاذ في يناير (كانون الثاني) 2000، تطبيقا لأحكام قانون الوئام المدني.

لكن التيار الرافض للإفراج عن عباسي وبن حاج ليس وحده على الساحة، بل هناك أيضا أنصار التيار الأصولي الذين ما فتئوا يدعون إلى إطلاق سراح جميع سجناء الرأي وأيضا أنصار قيادي الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين يعتبرون خروجهما من السجن «استئنافا لمرحلة توقفت عقارب ساعتها قبل 12 سنة، مرحلة كانت تتميز بحرية الرأي والتعبير». وقد بدأت بوادر الاستعداد لاستقبال السجينين تظهر باحتشام على الساحة وعلى ألسنة أنصار هذا الحزب المحظور منذ أزيد من عشر سنوات. ولم يمنع ذلك المعلقين من القول ان الظروف تبدو وكأنها تعمل لصالح هذين الرجلين وتيارهما، فقد دخلا السجن في وقت كانت فيه مظاهر التدين قد بلغت مداها بسبب العمل الذي قام به هذا الحزب، ويخرجون الآن ليجدوا المساجد عامرة ومظاهر التدين التي اختفت بشكل ملحوظ منذ عدة سنوات تعود من جديد، لكن هذه المرة ليس بسبب تحرك سياسي لأي حزب، بل بسبب الزلزال الذي ضرب الجزائر الشهر الماضي وخلف حوالي 3 آلاف قتيل ومائة ألف مصاب ومئات الآلاف من المذعورين الذين ظهر منهم من قرر «العودة إلى الله» من خلال إعمار المساجد بالنسبة للشباب وارتداء الحجاب بالنسبة للشابات.