تساؤلات حول لجوء خلايا «القاعدة» إلى أسلوب الانتحار وتكهنات بأن دور الفقعسي كان ثانويا مقارنة بالدندي والعييري وجبارة وأعضاء خلية مكة

TT

«هل بدأت خلايا تنظيم القاعدة المُكتشفة في السعودية تأخُذ طريق الانتحار كأفضل وسيلة للنجاة مِن رجال الأمن ؟».

بدأ ذلك السؤال يأخذ طريقه إلى المتابعين منذ أن قتل المطلوب رقم 10 ضمن قائمة المطلوبين المعلن عنها في 7 مايو (أيار) الماضي يوسف العييري مع نهاية ذات الشهر، بعد مطاردة أمنية دامت عدة ساعات في مركز تربة بمنطقة حائل (شمال السعودية)، ورفض الاستسلام لرجال الأمن، وما شهدته من مقاومة ضارية من قبل الهارب وزميله، ولم يتردد الأول في استخدام القنابل اليدوية ليقتل رجلي أمن، فأيقن أن نهايته هي القتل، وواصل المقاومة حتى قتل، ليستسلم زميله الآخر (الشبرمي) الذي لم يكن على قائمة المطلوبين مسبقاً، فأوقعته «فزعته» ومساعدته لصديقه العييري في دائرة الجريمة من حيث لا يعلم، فتبادر إلى ذهن المتابعين والمحللين أن هؤلاء المطلوبين لم يجدوا إلا المقاومة حتى القتل للفرار من رجال الأمن، وهم بأسلوبهم ذلك قد سلكوا طريق الانتحار بصورة غير مباشرة، لعدم جدوى الهروب من قوات أمنية تحاصرهم أرضاً وجواً في منطقة مكشوفة لفترة طويلة.

وتكرر نمط حادثة العييري صباح اول من امس في مركز صوير بمنطقة الجوف (شمال السعودية) حين شهدت مقتل المطلوب الأول ضمن قائمة الـ19 تركي الدندني وثلاثة آخرين معه بينهم المطلوب الـ18 عبد الرحمن جبارة بذات الأسلوب «المقاومة حتى الموت»، بعد أن شهدت مكة المكرمة حادثة مشابهة في طريقة المقاومة حتى الموت أو «الانتحار غير المباشر» حين قتل خمسة أشخاص في شقة سكنية بحي الخالدية قبل أن يقبض على 12 آخرين نصفهم من الأطفال غير الراشدين، فكانت النهاية على طريقة المقاومة الانتحارية في الحالات الثلاث التي قتل فيها 10 أشخاص في حائل والجوف ومكة المكرمة.

أسلوب المقاومة الانتحاري الذي اتخذته العناصر المطلوبة كحل أخير وفاشل للنجاة من الأمن يعلق عليه متابع أمني لـ«الشرق الأوسط» أمس بقوله ان هؤلاء لم يقدموا على المقاومة الانتحارية بالشكل الذي آلت إليه نهايتهم، وخاصة العييري والدندني وجبارة، إلا ليقينهم بالدور الذي «قاموا به خلال الفترة الماضية»، سواء إن كانوا ضالعين بأحداث الرياض «أو أحداث أخرى احبطها رجال الأمن في مهدها، وقبل أن يتمكن هؤلاء من تنفيذها». ويضيف «لو لم يكن هناك دور واضح ومباشر لهم في أحداث تمس الأمن لما ترددوا في تسليم أنفسهم، كما هو حال أحد المطلوبين من قائمة الـ19 الذي سلم نفسه فور إعلان القائمة وقبل 24 ساعة من تفجيرات الرياض، فاتضح أن دوره ليس إلا ثانويا في تلك الخلية»، مستدلاً بأن «ليس كل من يقبض عليه ويحقق معه ستكون نهايته القصاص أو السجن، فهنالك المئات اوقِفوا في أجهزة المباحث خلال العامين الماضيين في مختلف المناطق السعودية، وخرجوا فور انتهاء التحقيقات وثبوت عدم تورطهم في أي شيء، ولذلك هم لا يجدون في تصرفاتهم ما يبرئهم من التحقيقات فتكون النهاية لديهم المقاومة حتى الموت». ولم يستبعد المتابع الأمني وجود أثر للأرضية الايديولوجية في عملية المقاومة لرجال الأمن حتى الموت، فيشير إلى فتاوى صدرت من شخصيات دينية موقوفة حالياً لدى المباحث العامة بالرياض، كانت تحرض كل مطلوب لدى الأمن على عدم تسليم نفسه لهم ومقاومتهم بكل السبل. ، وقال «إذا كانت الشخصيات الدينية التي يستندون اليها في تربيتهم وتثقيفهم الديني تحث على مقاومة وقتال رجال الأمن، لأنهم في آخر الأمر وبعد القبض عليهم سيسلمونهم لاميركا الطاغية (كما يزعمون)، فمن الطبيعي أن نجدهم ينتحرون بصورة غير مباشرة أمام رجال الأمن، مع أن السعودية لم يسبق لها أن سلمت أي مطلوب لأميركا، فمن أين وصلوا إلى هذه النتيجة؟».

وترددت الأحاديث يوم أمس لتطرح المقارنة بين ما قام به علي الفقعسي المطلوب رقم 2 من تسليم نفسه طواعية إلى مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف قبل أيام، وما أقدم عليه العييري والدندني وجبارة وأعضاء خلية مكة من مقاومة حتى الموت، وطرحت المقارنة استفساراً، حول جدية الدور الذي كان يقوم به الفقعسي ضمن الخلية، واستنتجت انه حين رفض تسليم نفسه رغم النداءات المتوالية، اسهم هروبه وتنقله من مكان إلى آخر في تضخيم دور له قد يكون في نهاية الأمر ثانويا، ولا يتطلب كل الضجة التي شهدها اسمه، ويأتي ذلك تماشياً وتوافقاً مع ما صرح به وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز قبل أيام من أن الفقعسي «أخذ هالة إعلامية أكبر من حجمه»، بعكس ما قام به الآخرون (العييري والدندني وجبارة وخلية مكة) الذين لم يسلموا أنفسهم ليقينهم بالدور الذي كانوا يقومون به. وبدخول يوم أمس يكون عدد المقبوض عليهم في السعودية في تهم الإرهاب قد بلغوا 130 متهماً ومتهمة، ومن بين عناصر القائمة زوجة سلطان جبران القحطاني المطلوب رقم 16، والذي ما زال هارباً رغم إيقاف زوجته ضمن خلية المدينة المنورة أواخر مايو الماضي. ومن بين القائمة 32 شخصاً في الرياض، و43 في المدينة المنورة، و32 في مكة المكرمة، و17 آخرون في القصيم وعسير وحائل ومناطق أخرى، وآخرهم 6 في الجوف، وكلهم تم ايقافهم خلال 53 يوماً منذ أن بدأت العمليات الموسعة لتنظيف المدن السعودية.