الصيف العراقي يغلي لكن القوات الأميركية تبدو عازمة على البقاء

TT

الحرارة العالية هي التي ستطرد الأميركيين. هذا هو الأمل الأخير لأتباع صدام حسين المخلصين الذين يتوقعون انه في يوليو (تموز) واغسطس (آب) عندما تصل الحرارة إلى 110 درجة فهرنهايتية وربما أعلى، سيهرب الأميركيون كما تهرب الجرذان. لكن الجيش الأميركي موجود حاليا في بغداد، ويسير جنوده عشرات الدوريات ويقيمون عشرات الحواجز ونقاط التفتيش ويحرسون أغلب المباني الحكومية. وتشوى جلودهم داخل الطبقات المتراكمة من بدلاتهم العسكرية الواقية والمعدات التي لا يمكن أن يحملها في مثل هذه الأجواء إلا من فقد عقله. ومع أن العرق يتصبب من كل مسامهم إلا أنهم لا يصلون إلى مرحلة الإغماء، والأهم من كل ذلك إنهم لا يعتزمون مغادرة البلاد عما قريب.

وعلى العكس من ذلك فإن هؤلاء الجنود الأميركيين بملابسهم الثقيلة أصبحوا جزءا من الخريطة السكانية، هذه المدينة التي يصل عدد سكانها إلى خمسة ملايين نسمة. وهذا صيف عراقي لم يشهد التاريخ المضطرب لهذه البلاد مثيلا له. إذ تختلط احباطات فترة ما بعد الحرب وفوضاها مع تطورات الاحتلال الأجنبي وتنضج تحت لفح الشمس الحارقة، فتنتج مادة انشطارية لم يعهدها الناس من قبل. وتساءل تامر الكبيسي، الذي يملك مصنعا للثلج: «لماذا تفشل أميركا، الدولة العظمى، في إرجاع كهرباء العراق؟»، علما ان انقطاع التيار الكهربائي أجبره على تخفيض انتاجه من الثلج ورفع أسعار ما ينتجه. وقال: «يمكن للأميركيين أن يأخذوا أية كميات يريدونها من النفط، فقط عليهم إعادة إعمار بلادنا وحفظ الأمن فيها».

وتؤدي درجات الحرارة العالية فعلا إلى مفاقمة الأمور بالنسبة لكل العراقيين. وحتى عندما تعود الكهرباء فإن المرافق المختلفة غالبا لا تعمل والهواتف تعمل بطاقة متدنية وحركة المرور، وخاصة وسط المدينة، يمكن أن تكون عذابا حقيقيا، حيث يقبع السائقون الغاضبون داخل سياراتهم وأشعة الشمس تسلقهم ولا يزيد غياب اشارات وشرطة المرور الأمر إلا تحزبا والنفوس إلا غليانا. كما ان الجريمة افلتت من كل ضبط وأكثر من نصف القوة العاملة تشكو من البطالة، ويقف عدد غير محدود من القوات المسلحة وموظفي الدولة، في أركان الشوارع يبيعون الأشياء الصغيرة لإعالة أسرهم. ويقول خلف صغير وهو يقف خارج أحد مستشفيات بغداد: «نعم، الجو حار، ولكنني سأقف هنا حتى لو زادت الحرارة. ماذا افعل؟ لقد خدمت بلادي لاكثر من عشرين سنة والآن ابيع السجائر لأنني لا أتلقى راتبا من الحكومة». وداخل المستشفى يقول الإداري وليد ماجد انه تعب من شكاوى موظفيه حول انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع الحرارة في غرف الطوارئ والعمليات: «لقد عانينا من ذلك بما يكفي من الوقت».

وعندما يحل الليل ينام الناس فوق اسطح منازلهم، إلا اولئك الذين يخافون الطائرات الأميركية المحلقة. والسبت الماضي، الذي كان أول ايام الصيف، تجمع حوالي 2000 من الشيعة أمام مركز القيادة السياسية والعسكرية الأميركية ليطالبوا بدور في تكوين الحكومة العراقية الجديدة. وقد كان صيف العراق دائما هو موسم التحولات والانقلابات. فانقلابات العراق خلال القرن الماضي حدثت كلها تقريبا في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب). ففي يوليو عام 1920 انتفض العراقيون ضد الحكم البريطاني، وفي يوليو 1958 اسقط انقلاب عسكري الحكم الملكي، واستولى حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في يوليو عام 1968. ولكن مهما بلغت درجة الحرارة فإن العراقيين لا يهتمون بها بنفس الدرجة التي يهتمون بعودة الأمن والنظام وقيام الحكومة الوطنية. وقال الكبيسي، صاحب مصنع الثلج المتحدر اصلا من الفلوجة، انه رأى الجنود الأميركيين يحتسون الخمر أمام أحد المساجد، وقال إن هذا نوع من الاستفزاز، ولكنه قال إنه لا يمانع في بيع ثلجه للأميركيين لأنه يريدهم أن يتعودوا على جو العراق.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»