مراجعة أولية لوكالة الاستخبارات الأميركية تقول إن الاتهامات ضد العراق بحيازة أسلحة دمار شامل قامت على معلومات قديمة تعود لمنتصف التسعينات

أكدت أيضا أنه لم يكن هناك «تنسيق أو أنشطة مشتركة» بين تنظيم «القاعدة» ونظام صدام حسين المخلوع

TT

تشير نتائج اولية توصلت اليها مراجعة اجرتها وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) الى ان محللي المعلومات بدوائر الاستخبارات الاميركية كانوا يفتقرون الى معلومات جديدة ودقيقة حول اسلحة العراق البيولوجية والكيماوية والنووية عقب خروج مفتشي الامم المتحدة من العراق عام 1998، وبالتالي لم يكن أمامهم سوى الاعتماد على معلومات تعود الى منتصف التسعينات. وعلى الرغم من ان الادلة التي اعتمد عليها خلال فترة ما بعد خروج المفتشين من العراق عام 1998 كانت ظرفية او قائمة على «الاستنتاج» بسبب عدم وجود المفتشين داخل العراق والافتقار الى وجود عملاء موثوق بهم داخل العراق، فإن لجنة التقييم التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية اوردت اول من امس ان التوصل الى ان الرئيس العراقي المخلوع واصل العمل في برامج اسلحة الدمار الشامل امر مبرر. وقال ريتشارد كير، النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الذي يترأس حاليا لجنة داخلية للتقييم، تابعة للوكالة عينها مدير الوكالة جورج تينيت في فبراير (شباط) الماضي، انه ربما كان من الصعب التوصل الى أي نتيجة اخرى لا تشير الى استمرار العمل في برامج الاسلحة العراقية المحظورة على ضوء المعلومات التي جمعت خلال السنوات الاخيرة حول مشتريات العراق وانشطته قبل الحرب. جدير بالذكر ان مهمة اللجنة المذكورة، التي اقترحها وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، تتركز على ايضاح «الدروس المستفادة» من حرب العراق بعقد مقارنة بين تحليلات وتقديرات ما بعد الحرب بالمعلومات التي تم جمعها من داخل العراق بعد انتهاء الحرب.

وقال كير ان التقارير الاستخباراتية التي تلقتها دوائر صناعة السياسات في الادارة الاميركية خلال فترة ما قبل الحرب من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية ووزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية اشتملت على تحذيرات وخلافات حول معلومات اساسية اعتمدت عليها بعض الأحكام والتقديرات مثل استئناف العمل مجددا في البرنامج النووي العراقي. وأشار كير الى ان محللي المعلومات الاستخباراتية لم يكونوا على خطأ. وأوضح كير، الذي عمل محللا بوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية معظم فترة عمله التي امتدت الى 32 عاما، ان تقريره الاولي حول هذه القضية عبارة عن النصف الاول من التقرير الكامل. وتجدر الإشارة هنا الى ان الرئيس الاميركي جورج بوش برر غزو العراق في الاساس بحجة امتلاك النظام العراقي المخلوع لأسلحة دمار شامل تهدد الولايات المتحدة.

وفي قضية اخرى مثيرة للجدل تتعلق بالمعلومات الاستخبارية حول العراق، اشار التقرير الأولي الى انه بالرغم من ان الولايات المتحدة تعتبر عدوا مشتركا لنظام الرئيس العراقي المخلوع وتنظيم «القاعدة» على حد سواء، وبالرغم من وجود علاقات بين صدام والتنظيم، فإنه «لم يتضح مطلقا ما اذا كان هناك تنسيق او انشطة مشتركة بينهما»، على حد قول مصدر من داخل وكالة الاستخبارات اطلع على التقرير. وقال المصدر ان هناك اشخاصا على اتصال مع بعضهم بعضا داخل العراق وفي دول اخرى، إلا ان ذلك، حسبما اشار مصدر مطلع، يعكس الطريقة التي كان صدام يتابع بها ما يحدث.

وقالت ادارة الرئيس بوش ضمن مبرراتها للحرب على العراق ان كبار مستشاريها قالوا ان ثمة علاقات بين «القاعدة» والعراق، وأشاروا على وجه التحديد الى اتصلات جرت قبل عشر سنوات ورحلة لمتطرف له صلة باسامة بن لادن الى بغداد للرعاية الطبية وبقاء زملاء له في العاصمة العراقية.

ونظر كير ايضا في ما اذا حدث تغيير في آراء محللي المعلومات الاستخباراتية الاميركيين، خصوصا في ضوء رغبة ادارة بوش في الحصول على تأييد لخوض الولايات المتحدة الحرب، كما نظر ايضا في مسائل متعلقة بما اذا كان المحللون قد تعرضوا الى ضغوط للترويج الى هذه القضية. ويقول كير ان احساسه الداخلي يشير الى ان المحللين لم يغيروا وجهة نظرهم. وأضاف انه طبقا لتجربته فان هناك اختلافات دائما بين من يتابعون الارهابيين وبين المحللين، كما اوضح ايضا ان المحللين بصورة عامة تعاملوا بمنتهى الحذر وتفحصوا الاشياء بدقة وعناية وتابعوا الادلة بقدر ما اتيح لهم من مجال. وقال ايضا ان الاحكام والتقديرات ذات الصلة بالمعلومات الاستخباراتية دائما ما تكون قائمة على الاستنتاج، اما في حالة العراق، فان التوصل الى الأحكام والتقديرات صعب دون توفر معلومات جديدة.

وتلقت الادارة الاميركية انتقادات تركزت حول تضخيم بوش ومستشاريه للمعلومات التي تلقوها حول اسلحة الدمار الشامل العراقية والخطر المتمثل في احتمال تزويد صدام حسين عناصر ارهابية بأسلحة العراق المحظورة. جدير بالذكر ان تقرير كير لا يتناول هذه القضية لكنها نوقشت اول من امس خلال مؤتمر صحافي عقده اعضاء عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري بمجلس الشيوخ عادوا لتوهم من زيارة الى العراق استغرقت عدة ايام. وقال السيناتور جون وورنر، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري ورئيس لجنة الخدمات المسلحة، ان اعضاء المجلس تلقوا معلومات «سرية للغاية» من الممكن ان تقود الى «التوصل بوضوح الى نتيجة تؤكد وجود هذه الاسلحة ووجودها في ايدي اشخاص يمكن ان يستخدموها، إلا ان ذلك لم يحدث»، على حد قول وورنر. اما السيناتور بات روبرتس، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري ورئيس لجنة الاستخبارات بالمجلس، فقد علق قائلا ان «ثمة دليلا على ان المشرعين تلقوا ما يفيد باكتشاف معلومات جديدة من المؤمل ان تكون اخبارا ايجابية من خلال لقائهم مع ديفيد كي»، مفتش الاسلحة السابق في العراق.

من جانبه، قال كارل ليفين، عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، ان هناك دليلا على وجود مبالغة في خطر اسلحة العراق المحظورة ليس فقط من جانب قادة الادارة الاميركية وإنما من جانب دوائر الاستخبارات الاميركية التي تخضع للمراجعة الآن للتوصل الى ما اذا التزمت هذه الاجهزة جانب الدقة والموضوعية لكي يمكن الاعتماد عليها مستقبلا. وقال ليفين ان ثمة قصصا تتردد في الوقت الراهن حول وجود علاقات بين ايران و«القاعدة»، لكنه علق متسائلا: «هل ستكون لدينا ثقة في مثل هذه المعلومات اذا توصلنا الى ان العلاقة بين «القاعدة» والعراق كان مبالغا فيها؟» وقال السناتور الديمقراطي جون روكيفيلر، عضو لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ انه صوت لصالح خوض القوات الاميركية الحرب ضد العراق «على افتراض حيازته لأسلحة دمار شامل تشكل خطرا وشيكا». ولم يعثر بالطبع على أي من هذه الاسلحة، إلا ان روكيفيلر قال انه «يشعر بالتفاؤل ازاء التوصل الى السبب الذي ادخل الولايات المتحدة في هذا النزاع». ويعتقد روكيفيلر ان واحدا من الاسباب التي تعوق احراز تقدم في العراق يتمثل في الفشل في العثور على صدام حسين».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»