الجزائر: بن حاج يصلي الجمعة تحت حراسة مشددة ويعد رفقاءه بعدم تجاوز الممنوعات

TT

أدى نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ علي بن حاج، أمس، أول صلاة جمعة له بعد اعتقاله قبل 12 سنة. وحضر العديد من الصحافيين والمصورين لمتابعة الحدث الذي جرى تحت أعين فرق أمنية مدنية رافقت سجين الرأي السابق من منزله إلى مسجد عبد الحميد بن باديس بحي ديار الشمس بالعاصمة الجزائرية ثم إلى منزله.

وعكس ما شهدته بعض المساجد أمس، فقد سمحت الشرطة للمصلين بتأدية الصلاة خارج المسجد الذي اكتظت طوابقه الثلاثة بالمئات، بعضهم جاء للصلاة في مسجد تعود التردد عليه وآخرون حضروا خصيصا للصلاة مع خطيبهم السابق ثم رؤيته بعد الإفراج عنه. وتابع بن حاج من الصف الثاني خطبة الإمام الذي ركز على ضرورة الصبر على المكاره وتغيير المنكر بالتي هي أحسن. وقد تأخر بن حاج قليلا عند الفراغ من الصلاة حيث صافح العديد من المصلين وأنصاره الذين سارعوا إلى تهنئته باستعادة حريته، ولم تكن تفارقه طيلة وجوده داخل المسجد كاميرا صغيرة وضعتها مصالح الأمن تحسبا لأي طارئ، في حين كان المصورون والصحافيون ينتظرون خارج المسجد لعلهم يلتقطون صورة أو تصريحا لمن لا يزال يشكل «خطرا على الأمن العام» لدى السلطات.

وقد انتقد بعض عناصر الأمن هذا الحضور المكثف للصحافيين واعتبروه «محاولة للترويج لعلي بن حاج وإعادته إلى مقدمة الاهتمامات والأحداث السياسية في الجزائر، في حين كان يفترض أن يتم تجاهله حتى يصبح أمرا عاديا، خاصة أنه صار ممنوعا من الإدلاء بأي تصريح أو نشاط سياسي»، وهو ما جعل المصالح المكلفة بمتابعة تحركاته تخشى أن يتجاوز الحظر المفروض عليه ويدلي بأي تصريح من شأنه أن يدفع السلطات العمومية إلى اتخاذ إجراءات ضده قد تصل إلى إعادته إلى السجن أو فرض الإقامة الجبرية عليه مثلما حدث مع عباسي مدني في صيف 1997، عندما أفرج عنه بعد أن قضى نصف مدة العقوبة، وحرر رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يقترح فيها مساهمة لحقن دماء الجزائريين، مما أثار حفيظة وزير الداخلية آنذاك مصطفى بن منصور الذي أصدر أمرا يقضي بفرض الإقامة الجبرية عليه وإتمام باقي سنوات الحكم عليه داخل بيت والده في حي بلكور.

بعض عناصر الأمن سارعوا منذ الفراغ من الصلاة في إبعاد المصورين ومصادرة آلات بعضهم، قبل أن ينزل علي بن حاج بقميصه وقلنسوته الأبيضين عبر درج المسجد، تحت أنظار المصلين الذين تجمعوا أمام باب المسجد والآخرين والأخريات الذين كانوا يطلون من نوافذ الجامع. كان الهدوء سائدا قبل أن يرفع علي بن حاج يده اليمنى، وهو نازل، لتحية المصطفين أمامه، بعدها انطلقت التصفيقات الحارة من جموع الفضوليين وتعالت الزغاريد من شرفات منازل العمارة المحاذية للمسجد. وواصل بن حاج تحية المتجمهرين أمامه قبل أن يُساق إلى سيارة «الغولف» حيث جلس في المقاعد الخلفية رفقة عضوين من عائلته، في حين تكفل نجله عبد الفتاح بقيادة السيارة التي شقت طريقها وسط الجموع ووراءها سيارات الحراسة التابعة لمصالح الشرطة.

أحد الأطفال التفت إلى والده وهو يصفق لعلي بن حاج وسأله من هذا.. هل هو الإمام؟ فرد عليه والده مبتسما ومن دون الخوض في التفاصيل «نعم يا وليدي إنه الإمام». وقبل ذلك كان بعض أطفال الحي من الذين لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة يتساءلون عن سر الحضور المكثف للصحافيين وعن هوية هذا الشخص الذي نزل ضيفا على حيهم. هؤلاء الأطفال لم يكونوا يعلمون أن بن حاج اختار الصلاة في هذا الحي لأنه قضى فيه سنوات طفولته الأولى. وكان بن حاج قد صلى صلاة الفجر في جامع عمر بن الخطاب بحي لابروفال قرب مسكنه بالقبة، وهو ما جعل هذا المسجد يكتظ بآلاف أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين حضروا لرؤية زعيمهم المفرج عنه وهم يعتقدون أنه سيصلي هناك الجمعة. الحديث بين أنصار هذا الحزب المحظور، منذ 11 عاما، كان منصبا أمس حول المكان الذي سيصلي فيه عباسي وبن حاج، لكن الأمر بقي سرا بين الأقربين من الرجلين اللذين فضلا أن يصلي كل منهما بعيدا عن الآخر تفاديا لأي تصادم مع قوات الأمن. وقد توزع هؤلاء الأنصار بين عدة مساجد كان عباسي وبن حاج يصليان فيها الجمعة، بينها مسجد السنة بحي باب الوادي، حيث كان عناصر الشرطة يطلبون من المصلين الدخول إلى المسجد ومنعوا الصلاة خارجه.

من جهة أخرى علمت «الشرق الأوسط» من قياديين سابقين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن علي بن حاج استجاب لطلب بعض رفقائه ووعدهم بأنه «سيلتزم قدر الإمكان بعدم خرق قائمة الممنوعات الجائرة المسلطة عليه»، وأضافت هذه المصادر أن الرجل المعروف بتشدده فضل، هذه المرة، الالتزام بنصيحة رفقائه «حتى لا يعطي أية فرصة لمن يريد أن يصطاد في المياه العكرة ويدخل البلد في متاهة أخرى لا يعلم عواقبها إلا الله».