هجوما أول من أمس في بلد شمالي بغداد يثيران مخاوف أميركية من توفر قدرات تنظيمية وتسليحية جديدة لدى المقاومين العراقيين

50 مسلحا شاركوا في الهجوم ومسؤول أميركي يتحدث عن وجود «درجة من التنسيق لم تشاهد من قبل»

TT

نصب أكثر من 50 مقاتلا عراقيا كمينا لدورية عسكرية أميركية قرب بلد (الى الشمال من بغداد) فجر أول من أمس بينما اصابت مجموعة أخرى ما لا يقل عن 17 جنديا أميركيا بجروح في هجوم بمدافع الهاون على قاعدة أميركية قريبة من نفس البلدة. وعكس هذان الهجومان قدرات تنظيمية وتسليحية جديدة حسبما قال الجنود والمسؤولون العسكريون الأميركيون.

ووقع الهجومان قبل ساعات قليلة من بث قناة الجزيرة رسالة صوتية منسوبة الى الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. وقال المتحدث الذي يشبه صوته صوت صدام حسين إنه ما زال في العراق وأوحى بأنه يساعد في توجيه الهجمات على القوات الأميركية. وأكد أن خلايا «جهادية» قد تم تشكيلها وحث الناس على مساعدة مساعي المقاومة قائلا إنه يأمل بأن «تكون الأيام المقبلة بإذن الله قاسية على الغزاة الكفرة». كذلك سخر الصوت من مبررات الرئيس الاميركي جورج بوش للحرب ضد العراق سائلا: «أين أسلحة الدمار الشامل هذه؟».

وهذا التسجيل الذي زعم المتحدث فيه أنه تم في 14 يونيو (حزيران) هو أول رسالة صوتية مزعومة للرئيس العراقي المخلوع منذ تسلم مراسل صحافي استرالي شريطا يوم 5 مايو (ايار) يحتوي على صوت رجل زعم ايضا أنه صدام. وقالت الجزيرة إنها تسلمت التسجيل عبر الهاتف أول من أمس بعد مضي يوم واحد على إعلان الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في القبض على صدام حسين أو إعطاء أدلة قاطعة على موته. وقال مسؤول أميركي في واشنطن إن التسجيل موضع تحقيق حاليا من قبل وكالات الاستخبارات وإنه «من المبكر البت فيما إذا كان التسجيل حقيقيا أو غير حقيقي».

ويرى القادة العسكريون الأميركيون والاختصاصيون المدنيون في إعادة الإعمار الموجودون في العراق أن العثور على صدام حيا أو ميتا مهم جدا لردع نشاطات المقاومة وبناء الثقة في قوات التحالف. وبغض النظر عن مدى صحة أو عدم صحة الرسالة الصوتية فهي قد عمقت قناعة واسعة بين العراقيين العاديين من أن صدام حي ومستمر في تهديد استقرار البلد. وقال الكثير من العراقيين إنهم يخافون من أن يعطي هذا التسجيل الذي أعيد بثه مرارا عبر إذاعات ومحطات تلفزيون عربية دفعا قويا لحركة المقاومة.

وفي بلد التي تبعد عن بغداد مسافة 50 ميلا شمالي بغداد بلغت المقاومة المسلحة درجة عالية، وأدى الهجوم بمدافع الهاون على قاعدة أميركية قريبة من هذه المدينة إلى جرح 17 جنديا من الفيلق الثالث من «الفرقة الداعمة» وهذا يعتبر أكبر ضربة في عملية واحدة منذ إعلان الرئيس بوش عن توقف القتال في العراق مطلع مايو (ايار). كذلك أدى الكمين اللاحق على الطريق الرئيسي جنوبي بلد إلى وقوع مواجهة شديدة تعد الأقوى من نوعها خلال الشهرين الأخيرين، حيث قتل الجنود الأميركيون 11 عراقيا خلال معارك منفصلة استمرت ثماني ساعات حسبما قال مسؤولون عسكريون. ولم يُجرح أي جندي أميركي في الكمين.

وبدأ الكمين قبل حلول منتصف الليل بدقائق حينما قام عدة عراقيين بإطلاق الرصاص من بنادقهم إضافة إلى قنابل تقذف من قاذفات محمولة على الكتف على قافلة عسكرية تتحرك في عربات قتال من نوع برادلي وهُمفي. وهذه المجموعة من العسكريين تنتمي إلى فرقة المشاة الثالثة التي تقوم بحراسة الطريقة الرئيسي الرابط بين بغداد ومدينة الموصل الشمالية ،حسبما قال السارجنت الركن كريستوفر ماك دانييل الذي كان يقود القافلة. وأضاف أن الجنود ردوا مباشرة على إطلاق النار فقتلوا عددا منهم وأجبروا آخرين على الهرب.

وبينما كان معظم الجنود مشاركين في القتال الذي وقع إلى شمال بلد تعرض فريق من الجنود كان متوجها جنوبا على نفس الطريق الرئيسي إلى كمين آخر من حقول مخصصة لدوار الشمس موجودة على طرفي الطريق وهذا ما جعل الجنود يردون على النيران ببنادق من نوع إم ـ 16 ومدافع برادلي قياس 25 ملم. وقال ماك دانييل إن جنوده تعرضوا إلى النيران للمرة الثالثة حينما عادوا إلى موقع الكمين الأول لالتقاط أجساد الضحايا وجمع الأسلحة. وأضاف أنه كان هناك أكثر من 50 شخصا شاركوا في الكمائن الثلاثة. وقال إن جنوده التقطوا جثث 11 من المهاجمين. وقال السكان المحليون إن عددا من العراقيين جُرحوا.

واعتبر السارجنت غاري غيلمور إن هذا الهجوم هو «أكبر ما صادفناه» منذ سقوط صدام. وأضاف «أنهم يبدون على معرفة بما يقومون به». وكانت معظم الهجمات التي وقعت ضد القوات الأميركية تشتمل على مهاجمين لا يزيد عددهم عن ستة أفراد. وقال مسؤول أميركي إنه لم يسمع بهجوم آخر يتضمن 50 شخصا يعملون معا. وقال هذا المسؤول: «هذا غير عادي ويبعث على القلق». فمجموعة هجومية من 50 شخصا «تشير إلى درجة من التنسيق لم نشاهدها من قبل».

ويعتبر الطريق الرئيسي المتشعب الذي يمتد مع نهر دجلة أهم طريق يتم عبره نقل التجهيزات من قبل الوحدات الأميركية وهو هدف مفضل لقوات المقاومة إذ تم قصف عدة قوافل على هذا الطريق خلال الأسابيع الأخيرة مما دفع الجنود لقيادة مصفحاتهم من نوع هُمفي بسرعة تزيد عن 90 كيلومترا. وقال غيلمور إن الجنود لم يقرروا بعد فيما إذا كان المهاجمون يعيشون في منطقة بلد. وقال عضو سابق في الحرس الجمهوري يعمل حاليا فلاحا ويعيش بالقرب من الموقع الذي جرى فيه الكمين إن المهاجمين ليسوا من السكان المحليين لكنه قال إن السكان أيضا لا يحبون الوجود الأميركي في المنطقة. وقال الجندي السابق «الأمنية الوحيدة التي لدى الناس هي عودة صدام». وأضاف فائق مدينة، 27 سنة: «الناس هنا يحبون صدام لأنه منذ الوقت الذي فتحنا عيوننا وهو يقدم الخير لنا. هو لم يؤذينا مثل الأميركيين».

وقبل وقوع الكمين بساعتين أطلقت أربع قذائف هاون على معسكر اناكوندا الاميركي قرب بلد، وقالت الكابتن ساندرا خافيز المتحدثة الرسمية باسم فرقة المشاة الرابعة إن من بين الجنود الجرحى الـ17 هناك اثنان في حالة خطيرة. وأصبحت قذائف الهاون التي يمكن إطلاقها من مسافة ستة كيلومترات جزءا متناميا في عمليات المواجهة مع الوحدات الأميركية وهي تسمح لمقاتلي المقاومة بالهجوم على القواعد المحمية بشكل مكثف إضافة إلى قصف القوافل والوحدات التي تقوم بحراسة المباني.

وقال المسؤولون العسكريون إن معدل الهجمات بمدافع الهاون ازداد خلال الأيام الأخيرة وأطلِقت في الأسبوع الماضي قذيفة هاون سقطت بالقرب من مطار بغداد الدولي الذي يعمل فيه كبار القادة العسكريين الأميركيين. وفي مدينة الرمادي التي تقع على بعد 90 كيلومترا غربي بغداد تعرض الفوج المدرع الثالث الذي تحتل قيادته موقعا في قصر من قصور صدام حسين إلى قصف بمدافع الهاون لثلاث ليال. وليلة الأربعاء وصباح الخميس سقطت خمس قذائف هاون إلى شمالي المجمع بمسافة قصيرة حسبما قال السارجنت غاري كويل المتحدث باسم الفوج.

ويعود استعمال مدافع الهاون الى توفر إمكانية إطلاق عدة قذائف منها واحدة وراء الأخرى ثم الهرب سريعا وهذا ما جعل القبض على المهاجمين صعبا. في الوقت نفسه لا يمنح هذا التكتيك للمهاجمين الوقت كي يشاهدوا فيما كانت إطلاقاتهم قد أصابت أهدافها. وقال الكابتن مايكل كالفرت المتحدث الرسمي باسم الفوج: «نحن محظوظون في كونهم يقصفون ثم يهربون، لكن القلق هو أنه مع مرور الوقت سيصبحون أكثر دقة في التصويب». وفي بغداد قُتل جندي أميركي على يد قناص مساء الخميس الماضي حسبما قال مسؤولون عسكريون. وكان الجندي ادوارد هرغوت جالسا في قمرة عربته المصفحة من نوع هُمفي أمام المتحف الوطني العراقي حينما أطلق النار عليه.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»