أول امرأة تتولى منصب القائمقام بالعراق: أشعر بالزهو لاحتلال المرأة لهذا الموقع حتى لو لم يكن من نصيبي

منيرة أبو بكر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن خططها لقضاء دوكان وما تريده للمرأة الكردية

TT

مفارقتان صادفتهما «الشرق الاوسط» في مبتدأ دخولها على مكتب قائمقام قضاء دوكان الذي تشغله امرأة لاول مرة في تاريخ العراق. المفارقة الاولى هي مصادفة وجودنا هناك مع دخول وفد نسوي مكون من 6 من نساء المدينة جئن لمباركة السيدة منيرة ابو بكر محمد لكن الزيارة لم تخل من تقدم النسوة ببعض المطالب تتعلق بالسكن والخدمات نيابة عن ازواجهن الذين يبدو انهم وجدوا من الافضل ارسال زوجاتهم لتحقيق تلك الطلبات. وبدا الامر مألوفا الى حد ما، لكن المفارقة الثانية كانت غير مألوفة على الاقل في مجتمع شرقي مثل المجتمع الكردي، فقد لاحظنا انه كلما كان الشرطي يدخل مكتبها يضرب قدمه على الارض بقوة رافعا يده لاداء التحية العسكرية.

والاجمل من ذلك هو ما رأيناه عند جلوسنا في المكتب وهو الباب المفتوح على مصراعيه لاستقبال المراجعين على عكس الكثير من المسؤولين الحكوميين الذين يبالغون في الغالب بالاحتجاب عن مراجعيهم من خلال وضع ما نسميه بـ«كمائن» على طريق الوصول اليهم من سكرتيرات وحراس وافراد حماية. لكن منيرة التي نشأت في كنف عائلة معروفة اجتماعيا في مدينة السليمانية تطبعت بتقاليد عائلتها في اكرام الضيف وقضاء حاجته ولاحظت «الشرق الاوسط» انها كانت تقوم من كرسيها عند مصافحة اي مراجع او زائر لمكتبها، وهذه نقطة تحسب لصالح المرأة المسؤولة في الحكومة.

ولدت منيرة عام 1957 ونشأت في كنف عائلة انغمست في السياسة. فقد قتل والدها واخوها اثناء التحاقهما بصفوف الثورة الكردية، وفي ادق مراحل عمرها وهي على ابواب دخول الكلية التي تحلم في الالتحاق بها (الهندسة المعمارية او الطبية)، تمر هذه العائلة بظروف استثنائية فرضتها التقلبات السياسية فتعتقل السلطات اخوانها واخوالها واعمامها، فتفقد الجو الهادئ للمذاكرة والامكانيات المادية لتلقي الدروس الخصوصية فتقذفها الاقدار نحو المعهد التكنولوجي الذي لم يلب طموحاتها، لكنها حصلت هناك على شريك حياتها الذي شاركها العائلة وهو كما تقول «نعم الزوج ورب العائلة المسؤول الذي اعانني كثيرا في اداء واجباتي تجاه اسرتي وشعبي».

وهي ام لثلاث بنات، وزاملها زوجها في المعهد وشاركها العمل السياسي والوظيفة التي قضت منها 21 سنة في مؤسسة كهرباء دوكان، التي قالت ان زملاءها يحنون الى وجودها بينهم. حين طلبنا منها ان تعيدنا الى مرحلة طفولتها ودراستها قالت: كنت في المراحل الدراسية الثلاث، من التلميذات المتفوقات، بل كنت الاولى.. واتذكر انني في مرحلتي الابتدائية والمتوسطة عندما كنت اذهب لتسلم شهادات النجاح كان اثنان من اشقائي او شقيقاتي يرافقونني الى المدرسة حاملين معهم اكياسا من النايلون لتعبئتها بالجوائز التي كنت احصل عليها في جميع دروسي، فلم اكن الاولى على الصف فحسب، بل في كل الدروس ما كان يدفع في ذلك الوقت معلمي تلك الدروس الى تقديم الجوائز على اوائل الطلبة في دروسهم.

وعن اهتماماتها وهواياتها في تلك الفترة تقول قائمقام قضاء دوكان: كنت اقوم بالعديد من الفعاليات الرياضية والفنية، وكنت عضوة في فرقة السليمانية الموسيقية التي كان يشرف عليها كبار فناني المدينة من امثال الاساتذة انور قرداغي وخالد دلير وغيرهما من رواد الحركة الموسيقية في كردستان. وماذا عن الاسرة الم يمانعوا مشاركتها في هذه الفعاليات؟ اجابت: «على العكس كانوا يشجعونني، وقد يبدو ذلك غريبا في تلك الفترة خاصة ان المجتمع الكردي مجتمع محافظ ان لم اقل متخلف، كنت اخرج من الصباح الى المساء دون ان يحاسبني احد من عائلتي لانهم كانوا يثقون بي اضافة الى كونها من العوائل المعروفة في المدينة وانا لم اكن افعل شيئا معيبا حتى يحاسبوني عليه».

واضافت «طبعا ساعدت حرية تحركي على التعرف بالمجتمع الكردي اكثر وعلى وضعية المرأة فيه، وهي بالطبع وضعية بائسة لم تتحسن الا بعد تحرر كردستان عام 1991 حيث بدأت الحركة النسوية تنشط وتعمل بوتيرة غير عادية لتحقيق حقوق المرأة». وبسؤالها عما اذا كانت النساء الكرديات في طريقهن لاحتلال جميع المواقع بعد تعيين وزيرات في حكومة الاقليم الكردي ثم تعينت قاضية والان قائمقاما؟ قالت( ضاحكة): «لا تحسدونا يا رجال.. صحيح ان المرأة حققت الكثير من مطالبها في ظل المجتمع المدني الذي ارسيت اساساته بعد التحرر من النظام السابق، لكن هناك الكثير لم يتحقق بعد، خذ مثلا القوانين التي تحرم المرأة من حقوقها الانسانية». وبسؤالها عما اذا كان المنصب الجديد جاء اليها ام انها ذهبت اليه، اجابت «هذا سؤال صعب، مع ذلك فمن المهم ان اذكر ان اتحاد نسوة كردستان وانا عضوة نشطة فيه وضعت قبل سنوات برنامجا لاشراك المرأة في عدد من الوظائف التي كانت محصورة على الرجال.. وفعلا حصلت زميلات لي على مناصب وزارية وادارية وقضائية رفيعة، وبالنسبة لهذا المنصب كانت هناك مرشحات اخريات، لكن بعد اختبارات ودراسات متعددة من قبل الاتحاد استقر الرأي على ترشيحي وهكذا كان حيث تمت مفاتحة الاستاذ جلال طالباني الذي وافق فورا على طلب الاتحاد النسوي واصدر رئيس حكومة الاقليم قراره بتسليمي هذا المنصب».

وعن كيفية التوفيق بين المنصب ومتطلبات اسرتها، قالت: «صحيح انني اتعب كثيرا خلال عملي، لكن كما قلت فان زوجي يقوم بمساعدتي كثيرا لرعاية الاطفال والاهتمام بحاجاتهم، هذا عدا انني اعتدت منذ طفولتي على تقسيم ساعات يومي على اهتماماتي ووظيفتي، فمنذ صغري وانا معتادة على هذا. اتذكر انني في مراحلي الدراسية الاولى كنت اوزع ساعاتي على المذاكرة والتفرج على التلفزيون الابيض والاسود ومساعدة والدتي في مهام البيت والاسرة، وانا الان اقوم بنفس التوزيع الدقيق لساعات يومي».

وردا على سؤال عما تعتزم القيام به لدوكان التي هي من المصايف الشهيرة في كردستان ويؤمها العديد من السياح العراقيين والعرب، وتتخذه قيادة الاتحاد الوطني مقرا لاستقبال الزوار الاجانب، اجابت «دوكان من المصايف الكردستانية الجميلة، وعلى رغم الظروف الحالية والمعروفة للجميع فان المصطافين والسياح يؤمونها اليوم اكثر من أي وقت مضى، حتى ان عوائل كويتية وخليجية بدأت بالتوافد عليها والاقامة فيها لايام، وبالتأكيد لدينا برنامج عمل مكثف لتوسيع الخدمات السياحية وتشجيع الاستثمارات السياحية، ولا تنسى ان هذا من مهمة القطاع الخاص لكننا كجهة حكومية نشجعهم على زيادة المنشآت السياحية وبناء الكرفانات والمخيمات وبودنا استقدام الافواج السياحية الى هنا بمجرد استقرار الامور في المدن العراقية ومعاودة الشركات السياحية لنشاطاتها بتسيير الرحلات الى المصايف، وغير ذلك علينا ان لا ننسى ان هذا القضاء يضم 175 قرية بنواحيها قد تم تدميرها جميعا من قبل سلطات النظام السابق وهي بحاجة الى اعادة الاعمار، ولان هذه المنطقة عانت من الفقر والتهجير والتدمير فانها بحاجة الى رعاية اكبر لانها كما كانت في السابق محط انظار السياح فانها ستغدو كذلك مما يتطلب منا جهودا اكبر لاعادة اعمارها وتزيينها بما يليق باسمها ويتناسب مع شهرتها السياحية.