بريطانيا وأستراليا تطالبان بمحاكمة «عادلة» لمواطنيهما المقرر مثولهم أمام محاكم عسكرية أميركية

والد متهم بريطاني قال إن ابنه ربما قدم للمحققين اعترافات خاطئة على أمل حل مشكلة انتظاره في غوانتانامو بدون محاكمة

TT

أعرب مسؤولون في الحكومتين البريطانية والاسترالية عن املهم في ان تكون المحاكمات العسكرية الاميركية التي سيمثل امامها مواطنان بريطانيان ومواطن استرالي، عادلة. وكانت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) كشفت اول من امس ان الرئيس جورج بوش سمح باحالة ستة من الذين تعتقلهم الولايات المتحدة باعتبارهم «مقاتلين اعداء» الى القضاء العسكري. وفيما لم يكشف المسؤولون الاميركيون عن اسماء المتهمين الستة بصورة رسمية، فان الحكومة البريطانية اكدت ان اثنين من المجموعة بريطانيان، كما كشفت الحكومة الاسترالية عن وجود احد رعاياها بين المتهمين. وقالت مصادر اعلامية ان الثلاثة الآخرين ينتمون الى اليمن والسودان وباكستان.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية ان واشنطن ابلغت دبلوماسيين بريطانيين بأسماء المواطنين البريطانيين وهما معظم بيغ، 35 عاما، وهو من مدينة بيرمنغهام وفيروز عباسي، 23 عاما، الذي تقطن اسرته في حي بجنوب العاصمة البريطانية. وكان ولدا المتهمين البريطانيين قد ابلغا بهذا الامر عن طريق مسؤولين مساء الخميس الماضي.

واشار المتحدث باسم الخارجية البريطانية الى ان مسؤولين بريطانيين اعربوا عن قلق بالغ ازاء اجراءات المحكمة العسكرية المرتقبة، مؤكدا ان وزارته اوضحت انها تريد ان يتلقى المتهمان محاكمة عادلة. وأضاف المتحدث ان هناك قواعد مقبولة دوليا في مثل هذه القضايا مثل افتراض البراءة في المتهم حتى تثبت ادانته مع حقه في معرفة الادلة المقدمة ضده والاستعانة بمحام وحق الاستئناف، مؤكدا ان الجهات المعنية ستتحدث حول هذه الجوانب مع الولايات المتحدة.

وقالت اليزابيث سيمونز، الوزيرة بوزارة الخارجية البريطانية، لهيئة الاذاعة البريطانية (بي. بي. سي) ان الحكومة «ستتابع بصورة جدية مع الولايات المتحدة المسائل المتعلقة بتوفير محامين للمتهمين ومستوى الادلة المقدمة ضدهم واجراءات الاستئناف. ويتوقع ان تجري المحاكمات العسكرية في قاعدة غوانتانامو بكوبا اواخر هذا الصيف.

جدير بالذكر ان ناشطين في مجال حقوق الانسان ومحاميي اسر المعتقلين البريطانيين عارضوا إجراء محاكمات سرية للمتهمين وتعيين محامين عسكريين للدفاع عنهم واحتمال صدور حكم بالإعدام. وقال ستيفن جاكوبي، مدير مجموعة لحقوق الانسان تعنى بمتابعة قضايا وأوضاع المواطنين البريطانيين الذين يمثلون أمام محاكم في الخارج، ان ما سيحدث في نهاية الامر هو محاكمة لا تتوفر فيها الاجراءات القانونية اللازمة لضمان محاكمة عادلة. ومن جانبها قالت لويز كريستيان، محامية والدة فيروز عباسي، ان وزارة الدفاع الاميركية قد عرقلت المساعي الدبلوماسية البريطانية، مضيفة انها كانت تأمل في ان تمنع الحكومة البريطانية وضع المتهمين أمام محاكمة على هذا النحو، إلا ان جهود بريطانيا مع الولايات المتحدة في هذه القضية لم تسفر عن أي نتائج. وأضافت المحامية ان بريطانيا يجب ان تحتج بقوة على القرار الاميركي وان تستعد للاستئناف لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي.

وفي نفس الوقت ابدت الحكومة الاسترالية املا في ان تكون الاجراءات القضائية التي ستتبع في محاكمة مواطنها ديفيد هيكس عادلة. وفي بيان مشترك رحب كل من وزير العدل الاسترالي، دارلي ويليامز، ووزير الخارجية الاسترالي الكساندر داونر، بالخطوة الاميركية الاخيرة واعربا عن املهما في ان تؤدي الى حل بشأن قضية المواطن الاسترالي ديفيد هيكس. واشار البيان المذكور الى ان «الحكومة الاسترالية قد اجرت مناقشات مع الولايات المتحدة بشأن أي محاكمات محتملة وانها واثقة من ان أي محاكمة عسكرية ستتسم بالإنصاف والشفافية». كما ورد في البيان ايضا ان «مكتب وزير العدل ووزارة الخارجية قد بذلا كل جهد ممكن للتأكيد على توفير الاجراءات التي ستتبع في أي محكمة محتملة كافة الضمانات ذات الصلة بإجراءات المقاضاة الجنائية العادية».

وقال البيان الاسترالي ان القواعد القانونية الاميركية المتعلقة بالمحاكم الخاصة تتضمن قواعد ومبادئ قانونية مثل افتراض البراءة في المتهم حتى تثبت ادانته ومعيار للتوصل الى إثبات الذنب القاطع او اليقيني وحق المتهمين في مواجهة الشهود الذين يقدمون للإدلاء بإفادات تؤكد تورطهم، أي شهود الاتهام.

تجدر الإشارة الى ان ديفيد هيكس، وهو استرالي اعتنق الاسلام، قد اصبح شخصا مثيرا للجدل في استراليا بسبب حياته السابقة وانتماءاته المتطرفة وبفعل التساؤلات التي برزت حول ما اذا كان احتجازه في قاعدة غوانتانامو بجزيرة كوبا إجراء عادلا. وقال مسؤولون استراليون ان هيكس قد قضى جزءا كبيرا من عقد التسعينات متنقلا وانضم الى حركات اصولية مسلحة في كل من كوسوفو وكشمير. وفي عام 2000 تلقى هيكس، المعروف في بلاده باسم «الطالباني الاسترالي»، تدريبا مكثفا في معسكر بافغانستان.

من جانبهم قال مسؤولون في البنتاغون ان المتهمين الستة الذي سيمثلون أمام المحاكمة المرتقبة إما انهم انضموا الى تنظيم «القاعدة» او تلقوا تدريبات في معسكرات هذا التنظيم في افغانستان. ويخضع حوالي 680 شخصا للاعتقال في قاعدة غوانتانامو بكوبا بمن في ذلك تسعة مواطنين بريطانيين اعتقل معظمهم في افغانستان عام 2001 خلال الحملة العسكرية بقيادة الولايات المتحدة ضد نظام طالبان السابق وتنظيم «القاعدة». وكانت الولايات المتحدة قد صنفتهم «مقاتلين أعداء» وليسوا «اسرى حرب» وحرمتهم من الاستعانة بمحامين، لكنها سمحت بزيارة دبلوماسيين واعضاء في اللجنة الدولية للصليب الاحمر.

وطبقا لبيان البنتاغون الخاص بهذا الشان، فإن الرئيس بوش اكد في سياق الحديث عن صحة إجراء مثولهم أمام المحكمة من الناحية القانونية انهم ربما كانوا اعضاء في «القاعدة» متورطين في الارهاب، بما في ذلك تمويل ارهابيين وتجنيدهم وتوفير الحماية لزعيم «القاعدة» اسامة بن لادن.

من جانبهم قال خبراء في القانون الدولي ان المسؤولين الاميركيين اختاروا المتهمين الستة بعناية وليس فقط على اساس التفاصيل المحددة للأدلة ضدهم وإنما وضع في الاعتبار ايضا الاثر المتعلق بالجانب الدبلوماسي وجانب العلاقات العامة للمحاكمات المرتقبة. وقال الخبراء ان الامر المثير للاهتمام هو ان تحدد الولايات المتحدة مواطنين من استراليا وبريطانيا، اللتين تعتبران من اقرب حلفاء واشنطن في الحرب ضد الارهاب، من بين معتقلي غوانتانامو الذين يتحدرون من 42 دولة لمثولهم أمام المحاكمات المرتقبة.

ويصر والد معظم بيغ ان ابنه سافر الى افغانستان للمساعدة في تشييد المدارس وان لا صلة له بتنظيم «القاعدة». وقال في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية ان ابنه رجل مسؤول. وفي مقابلة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قالت والدة، فيروز عباسي، المتهم البريطاني الثاني الذي تقرر تقديمه للمحاكمة المرتقبة، ان ابنها بدأ يتبع منهجا اسلاميا متشددا تحت تأثير رجال دين متشددين في مسجد بشمال العاصمة البريطانية.

وكان والد معظم بيغ قد اعرب عن ارتياحه لهذه الخطوة بعد شهور طويلة من الانتظار وعدم معرفة مصير المعتقلين، لكنه يشعر بقلق بالغ ازاء اجراءات المحاكمة المحتملة. وقال انه يشعر بالقلق والاكتئاب لأن قاضي المحكمة سيكون من الجيش وكذلك هيئة الاتهام وهيئة المحلفين وحتى هيئة الدفاع. واضاف ان المحكمة لن تكون عادلة طالما سيكون تكوينها عسكريا صرفا.

وأضاف والد بيغ انه تلقى من ابنه رسالة تنذر بالسوء ذكر فيها انه سيقدم على ارتكاب شيء سيؤثر على اسرته بكاملها. وقال ايضاً انه بدأ يشعر بالقلق ازاء احتمال ان يكون ابنه قد ادلى باعتراف كاذب لضمان الحصول على معاملة افضل او كحل على الاقل لمسألة انتظاره على مدى شهور طويلة دون ان توجه له تهمة. ويعتقد والد بيغ ان ابنه ربما يكون اعترف بالفعل باشياء لم يرتكبها، مؤكدا بصورة قاطعة انه لم يفعل شيئا خاطئا، على حد قوله.

* خدمة «واشنطن بوست» و»نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط» =