أمير جماعة التكفير والهجرة يعترف بارتكاب جرائم قتل وينهار في آخر الجلسة التي استغرقت 10 ساعات

TT

بدا يوسف فكري أمير جماعة «التكفير والهجرة»، شابا نحيفا عمره 25 سنة بلحية قصيرة ولون يميل إلى السمرة يرتدي جلابية مغربية بيضاء ويضع على رأسه طاقية مغربية بيضاء، متوترا وعصبيا وهو يجيب على أسئلة القاضي خلال محاكمته أول من أمس في الدار البيضاء. وكان فكري يتكلم بسرعة ويجادل القاضي في محاولة لتوجيه المناقشة إلى الحديث عن المصوغات الشرعية التي يعتبر أنها تبرر الأعمال المنسوبة إليه بينما حاول القاضي حصر المناقشة في الوقائع التي تضمنها ملف الاتهام ومدى صحتها ودور يوسف فكري فيها.

وقال فكري مجيبا على أسئلة القاضي إنه غادر التعليم الحكومي في مستوى الثالثة إعدادي، واصفا إياه بأنه تعليم علماني لا جدوى منه، ليشتغل مع والده كنجار. وأشار إلى أنه التزم دينيا حين كان عمره 15 سنة وانضم إلى «جماعة الدعوة والتبليغ» التي كان والده أحد نشطائها، واستمر معها لمدة ثلاثة أعوام حتى تعرف على شخص يدعى أبو الفداء. وهنا اوقفه القاضي ليسأله عن واقعة قتل عمه عبد العزيز فكري خلال عام 1998 ودوره فيها، غير أن فكري أصر على مواصلة الكلام حول مساره الحركي مقابل إصرار القاضي على مناقشة واقعة قتل العم عبد العزيز. وأشار فكري إلى أن جماعة «السلفية الجهادية» التي تتحدث عنها محاضر التحقيق لا وجود لها وأنها من اختراع أجهزة المخابرات.

ونفى المتهم بشدة أن تكون له علاقة بمقتل عمه، وقال للقاضي إن الشاهدة الوحيدة على تلك الحادثة موجودة، في إشارة إلى عشيقة عمه التي كانت حاضرة معه ليلة قتله. وصرح يوسف فكري بأنه ليس لديه أي إشكال في أن يقتل عمه أو أي شخص آخر ولو كان أحد أبنائه إذا اقترف ما يستوجب ذلك شرعا. وقال إنه لم يصبح مبحوثا عنه من طرف السلطات الأمنية ألا بعد سبعة أشهر من مقتل عمه، مشيرا إلى أنه خلال تلك الفترة قرر الشروع في العمل السري والمسلح بعد اعتقال السلطات الأمنية لبعض الأصوليين.

مرة أخرى أوقفه القاضي ليسأله عن حادثة قتل شاب معروف بالشذوذ الجنسي، اسمه عمر الفراك واشتهر بلقب «صباح» بمدينة اليوسفية خلال عام 1999. وبدون أدنى تردد اعترف فكري بأنه شارك في قتله. وقال «كنا ثلاثة، أنا ويوسف عداد وعبد المالك بوزكرن واخترنا ليلة باردة وممطرة لنطرق بابه». وأضاف أنه كان أول من وجه الطعنة الأولى للقتيل، مشيرا إلى أن الحكم الشرعي في الشذوذ الجنسي يأمر بقتل الفاعل والمفعول. ونفى يوسف فكري استعمال الأقنعة عندما هاجم مع يوسف عداد وعبد المالك بوزكرن (وهما لا يزالان في حالة فرار) الشاب الشاذ جنسيا، وقال إنهم استعملوا صباغات حتى لا يتركوا بصماتهم وكانوا مسلحين بخناجر. وعن وصفهم من طرف القاضي بأنهم كانوا يكونون «عصابة إجرامية» قال فكري «إن كانت عصابة فهي عصابة في سبيل الله».

واعترف المتهم بقتل شاب مجهول الهوية في مدينة الناضور ويدعى محمد خلال عام 1999، وذلك لانه «كان متشبعا بالأفكار الشيوعية ويسب الخالق، وقد نصحناه مرارا ثم قررنا تصفيته». ولما سأله القاضي عن عملية سرقة سيارة نقل الأموال التابعة لفرع شركة «ريضال» لتوزيع الماء والكهرباء بمدينة سلا، أخذ فكري على القاضي أنه يختزل الأمور ولا يغوص في المسائل الشرعية، فأجاب الاخير «لدينا أمانة ولدينا وقائع يجب أن نناقشها».

ثم أخبر فكري القاضي بأنه لم يعد مستعدا للمواصلة وقال «أنا أصلا منهار وأريد أن أريح أعصابي». وقرر القاضي على إثر ذلك إرجاء مواصلة الاستماع إلى يوسف فكري ونادى على ميلود منظور، عمره 26 عاما غير ملتح وفي لباس عصري، والمتهم حسب محاضر التحقيق بمشاركة المتهم في قتل عمه عبد العزيز فكري في مدينة اليوسفية، وهي العملية الوحيدة التي تقول المحاضر إن منظور شارك فيها، حيث تشير المحاضر الى أنه في ليلة 26 أكتوبر عام 1998 هاجم شخصان مقنعان بيت عبد العزيز فكري وقتلاه بحضور عشيقته حكيمة الشقوري.

وحول علاقته بيوسف فكري قال منظور إنه يعرفه بحكم الجوار حيث يسكنان بنفس الشارع، وأضاف «كنت مدمن خمر، وذات يوم وجدني يوسف سكرانا فدعاني إلى الدين وإلى الصلاة، وفي يوم آخر وجدني سكرانا وبرفقة خليلتي فكرر دعوته لي غير أنني بصقت في وجهه وشتمته. هذه هي علاقتي بيوسف فكري». ونفى أن تكون له أية علاقة بقتل عبد العزيز فكري، وحول اعترافه لدى الشرطة القضائية قال «لقد ألقي علي القبض في شاطئ عين الدياب بالدار البيضاء، كنت ألعب الورق مع بعض الأصدقاء ونتناول «المعجون» (مادة مخدرة تصنع من نبات القنب). وتحت التعذيب قلت لهم أعطوني ورقة وأوقع لكم على ما تريدون». وأضاف منظور أنه ردد على قاضي التحقيق القصة التي لقنها له رجال الشرطة القضائية الذين هددوه بالعودة للتعذيب إن لم يصرح بها.

ثم استمع القاضي للمتهم الرئيسي الثاني في القضية، محمد دمير، عمره 31 سنة وهو ملتح ذو بنية رياضية يعرج برجله اليسرى نتيجة إصابته بعيارات نارية ليلة إعتقاله من طرف قوات الأمن خلال شهر اغسطس (آب) من السنة الماضية. قال دمير إنه حصل على شهادة بكالوريا أدبية قبل أن يتخصص في دراسة الإعلاميات، وأضاف أنه انضم إلى حركة التوحيد والإصلاح، وتعرف على الحسين البرغاشي (متهم ضمن نفس المجموعة) وسافر معه إلى مدينة وجدة لحفظ القرآن لتبدأ رحلته الجهادية.

وهاجم دمير صحيفتي «الاتحاد الاشتراكي» و«الأحداث المغربية» متهما إياهما بأنهما شوهتا سمعته من خلال ما نشرتاه على مدى سنة، وقال «لم نفعل شيئا من تلك المسائل التي نسبوها إلينا، لم نفعل سوى مسائل شرعية يجب أن يناقشها علماء. ونحن لسنا مجرمين». وصرح دمير بإدانته لتفجيرات الدار البيضاء وقال انه لا علاقة له بها، مشيرا إلى أن أخاه دمير رشيد قد اختطف بعد تلك الأحداث وهو حتى الآن مجهول المصير. وقال «نحن ضد من يخرب البلاد وكل من يسعى إلى تخريب البلاد فهو ملعون».

ونفى دمير أن يكون قد شارك في أية عملية قتل أو سرقة، واعترف بالمشاركة في العديد من الاعتداءات على أشخاص إما بسبب تناولهم الخمر أو ممارسة الجنس في سياراتهم على جنبات الطرق. وسمى الدوريات التي كان يشارك فيها لهذا الغرض بـ«الدورات الربانية». وقال إنهم قاموا بأعمال من هذا النوع هو ويوسف فكري وربيع آيت أوزو الملقب بأبي الفداء، والذي كان في أفغانستان وقتل على إثر إصابته بجروح خطيرة بالرصاص خلال مداهمة رجال الأمن لبيت دمير في الليلة التي تم فيها إلقاء القبض عليه.

كما اعترف باستعمال العديد من السيارات التي تم الاستيلاء عليها خلال الدوريات التي تقوم بها المجموعة، وكذلك بارسال عدة جوازات سفر مغربية الى افغانستان. ونفى دمير أن يكون قد نوى الذهاب إلى الجزائر أو أن تكون له أية علاقة مع الجماعات الجزائرية. وقال انه تعرف على بوشعيب مغدر المقيم في السويد والمتهم في نفس القضية بحكم الجوار ومن خلاله تعرف على عبد الكريم المجاطي الذي كان قد شارك في الجهاد في البوسنة وفي أفغانستان والذي تتعقبه السلطات المغربية في إطار التحقيق في تفجيرات 16 مايو بالدار البيضاء، باعتباره خبيرا في المتفجرات.

وتواصلت المحاكمة لمدة 10 ساعات في جلستين خلال يوم الجمعة الماضي، تم خلالهما البت في طلبات الدفاع وفي الدفوعات الشكلية وبداية الاستماع للمتهمين، البالغ عددهم 31 متهما متابعين بتكوين عصابة إجرامية والقتل العمد وارتكاب عدة اعتداءات وسرقات. وقرر القاضي مواصلة المحاكمة صباح يوم الاثنين، ويبدو من الوتيرة التي تسير بها المحاكمة أن الملف سيغلق خلال هذا الأسبوع، خصوصا أنه يرتقب أن تنطلق ثلاث محاكمات خلال الأيام القادمة لثلاث مجموعات أخرى من المنتمين للسلفية الجهادية، كما يرتقب أن تنطلق محاكمة الدفعة الأولى من المتهمين في تفجيرات الدار البيضاء في يوم 21 من الشهر الجاري بنفس المحكمة.