الاتحاد الأوروبي يحسن علاقته مع إسرائيل وشارون وشالوم في جولة أوروبية خلال الشهر الحالي

خطة أوروبية لمواجهة أسلحة الدمار الشامل تستثني إسرائيل وتتضمن سورية وليبيا وإيران

TT

بادر الاتحاد الاوروبي الى سلسلة خطوات هادئة تهدف الى تحسين العلاقات مع اسرائيل، بعد عشرات السنين من العلاقات الباردة المشوبة بالشكوك والاتهامات المتبادلة. وحسب مصادر في وزارة الخارجية الاسرائيلية، فانه على الرغم من ان هذا التحسين ما زال بطيئا، الا ان كل الدلائل تشير الى انه يشكل بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين الطرفين.

وقد تم التعبير عن هذه الرغبة الاوروبية في رسالة رسمية وجهها خافيير سولانا، مسؤول ملفي الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي، الى رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، في الاسبوع الماضي، يتحدث فيها عن ضرورة «اقامة العلاقات بأسلوب جديد وفتح حوار اسرائيلي ـ اوروبي في ا لقضايا الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك».

وأرفق سولانا الرسالة بنسخة من المذكرة التي قدمها الى قادة الاتحاد الاوروبي في اجتماعهم الاخير في اثينا، وتتضمن خطة لمجابهة انتشار اسلحة الدمار الشامل في المنطقة وفي العالم. وظهر ان اوروبا لا تشمل اسرائيل ضمن الدول التي تمتلك اسلحة دمار شامل، بل تتجاهل دورها في هذا المجال، وفي الوقت نفسه تتحدث عن دول اخرى في المنطقة تحتفظ بهذه الاسلحة او توجه شكوكاً حول احتفاظها او محاولاتها تطوير هذه الاسلحة، مثل ايران وسورية وليبيا.

كما ان سولانا تحدث بهذه الروح نفسها خلال اللقاء الذي عقده في اطار المنتدى الاقتصادي العالمي في الاردن، قبل اسبوعين، مع وزير الخارجية الاسرائيلي، سلفان شالوم، وهو المعروف برغبته في تحسين العلاقات مع اوروبا. وسيقوم شارون وشالوم، كل على حدة، بجولة في عدد من دول الاتحاد الاوروبي خلال هذا الشهر، في اطار تلك الجهود. وسيزور شارون كلا من بريطانيا والنرويج، في اول زيارة اوروبية له منذ توليه منصب رئيس الوزراء.

وكانت ادارة الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الاوروبي قد دعت الى مقر الاتحاد في بروكسل موظفين كبيرين هما نائب المدير العام لشؤون اوروبا في وزارة الخارجية الاسرائيلية، ران كورئيل، ونائب المدير العام لشؤون الاقتصاد، يوسي غال، وابلغتهما ان اوروبا تنوي اغلاق الملفات الاشكالية في العلاقات ما بين الطرفين. ثم وصل الى اسرائيل مسؤول ملف توسيع العلاقات في الاتحاد الاوروبي، غينشر فيرهويغن، ليبدأ سلسلة ابحاث ترمي الى منح اسرائيل مكانة عضو في الاتحاد الاوروبي تتمتع بكل الصلاحيات والحقوق باستثناء حق التصويت على القرارات. وقال ان قيادة الاتحاد لاحظت ان اسرائيل معنية بهذا التطوير في العلاقات لكنها تخشى من اخطار فتح الحدود بين الطرفين وما يترتب عليه من حرية تنقل للاشخاص ورأس المال. وانها قررت ان تبحث مع اسرائيل صياغات لهذه العلاقة تضمن ملاءمة شروط فتح الحدود مع المتطلبات الاسرائيلية الامنية. وبالاضافةالى كل هذه الاجراءات والنشاطات السرية، فان الاتحاد الاوروبي قد اعلن في الاسبوع الماضي عن ضم اسرائيل الى برنامج البحث والتطوير ووكالة الفضاء من دون شروط سياسية. وتم في نهاية الشهر الماضي توقيع اتفاق اقتصادي جديد مع اسرائيل بهدف زيادة حصة المنتوجات الزراعية التي يتم تصديرها من اسرائيل الى دول الاتحاد.

ويرى المراقبون الاسرائيليون ان هذا الانعطاف في السياسة الاوروبية ناجم عن عدة اسباب، اهمها:

ـ قبول اسرائيل «خريطة الطريق». فعلى الرغم من الشكوك التي يبديها الاوروبيون تجاه قوى اليمين الحاكمة، وفي مقدمتها شارون، الا انهم يقدرون ايضا وقفة شارون في مواجهة رفاقه والاجراءات الميدانية التي اتخذها على الارض مثل الانسحاب العسكري وتخفيف الضغط. ويعتقدون ان تحسين العلاقات معه سيشجعه على المضي في هذا الطريق.

ـ الشعور ان الولايات المتحدة تنوي الانفراد في قيادة المسيرة السياسية في الشرق الاوسط وانها تنازلت عن دور اللجنة الرباعية الدولية التي تضم اوروبا والامم المتحدة وروسيا اضافة الى واشنطن. ولعل امتناع الرئيس الأميركي جورج بوش عن دعوة اي مندوب اوروبي لحضور مؤتمر قمة العقبة دليل على الاحتكار الاميركي.

ـ المصلحة الاقتصادية، حيث ان اسرائيل تعتبر في السنوات الاخيرة اكبر سوق في الشرق الاوسط يستقبل المنتوجات الاوروبية. والميزان التجاري بين الطرفين يميل لمصلحة اوروبا حيث تبلغ قيمة الصادرات الاوروبية لاسرائيل ثلثي قيمة الواردات منها.

وحسب التقديرات الرسمية الاسرائيلية فان الاتحاد الاوروبي يشعر بالضيق جراء استبعاده عن المسيرة السلمية. واذا كانت اوروبا قد اختلفت فيما بينها حول الحرب الاخيرة على العراق، فانها تبحث عن سبب قوي يجعلها تعيد اللحمة الى الاميركيين. وترى في النزاع الاسرائيلي ـ العربي اهم قناة، خصوصا ان اوروبا تعتبر الممول الاكبر لعملية السلام في الشرق الاوسط حتى الآن، وتدير مئات المشاريع الصغيرة التي تدعم المؤسسات والجمعيات الاهلية الفلسطينية، وتستقبل في كل سنة مئات الاطر اليهودية ـ الفلسطينية العاملة في مجال التفاهم والتعايش المشترك، وتمويل العديد من المشاريع التربوية والصحية والثقافية في السلطة الفلسطينية، وترى ان من حقها ان تأخذ دورا مباشرا في المشروع الاكبر: مسيرة السلام بين الشعبين.

وعلى الرغم من ان المسؤولين الاسرائيليين ما زالوا حذرين في تقويم هذا التحول الاوروبي ويرفضون استعمال كلمة انعطاف او تغيير جذري لوصفه، الا انهم يوافقون على القول ان هناك تغيرا ملموسا، وان اوروبا تتجه للفصل ما بين الخلاف السياسي مع اسرائيل وبين العلاقات الثنائية. وحتى الخلاف السياسي، فانه من وجهة النظر الاوروبية خلاف حول المصلحة الاسرائيلية، فالاوروبيون يرفضون الطلب ا لاسرائيلي بمقاطعة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ويقولون انه ما زال الرجل الاقوى لدى الشعب الفلسطيني وهو الوحيد القادر على توقيع اتفاق سلام وتعاون معه يساعد حكومة ابو مازن ولا يضعفها.

بقي ان نذكر ان تحسن العلاقات مع اسرائيل يأتي في انسب وقت للطرفين، حيث ان ايطاليا هي التي تترأس الاتحاد خلال الاشهر الستة القادمة، ورئيس حكومتها سيلفيو بيرلسكوني يعتبر صديقا حميما لاسرائيل.